عندما أثار رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع موضوع الخصخصة في إنتاج الكهرباء، كان يَعرف أنّ هذا الملف موجود حصراً في يد وزير الخارجية جبران باسيل، منذ العام 2009 تاريخ تسلّمِه بالأصالة وزارةَ الطاقة، وفيما بعد تسلّمه الوزارة بالوكالة، مع كلّ ما يعنيه ذلك من تحكّم بسياسات النفط والطاقة، وبمؤسّسة كهرباء لبنان، التي ورثت عجزاً، وأورثت ظلمةً وعجزاً بلغَ سنوياً ودوريّاً نحو الملياري دولار أميركي، شكّلت نزيفاً دائماً للخزينة، وزادت الدين العام إلى مستويات قياسية.
 

الحلّ الموجود، والمجمَّد، لكهرباء لبنان، والذي يتمثّل في تخصيص الإنتاج، كان يجب العمل فيه منذ العام 2002، لوجود القانون الذي يسمح بتلزيم الإنتاج الى القطاع الخاص، لكن على الرغم من كلّ ذلك، لم يحرّك أحدٌ ساكناً، لوضعِ هذا القانون موضع التنفيذ، خصوصاً أنّ كثيراً من المستثمرين ينتظرون إشارةَ الانطلاق، للبدء في إقامة معامل الإنتاج في كلّ المناطق.

لكن وعلى العكس من ذلك، وضَع باسيل خطةً كهربائية وعَد بأنّ نهايتَها ستأتي بالكهرباء لأربع وعشرين ساعة، وبعد نقاش ونزاع في الحكومات السابقة، جُمّدت عملية تلزيم المعامل، وأثيرَت حول التلزيم عواصف، وانتُقد باسيل بحجة انه رفض الاستعانة بقروض ميسّرة لبناء المعامل، وما زال الوضع على حاله، منذ اللجوء إلى علاج البواخر، التي كلّفَت الخزينة مبالغَ من دون أن يلوح في الأفق أيّ حلّ جذري ودائم لمشكلة الكهرباء.

ولم يعُد سرّاً أنّ باسيل امتعضَ من موقف جعجع، وردَّ عليه بالمباشر في تصريح حاوَل فيه تسخيفَ ما طرحَته «القوات اللبنانية»، والقول إنّ الخصخصة يمكن أن تأخذ وقتاً لخمس سنوات، كما جاء ردّ باسيل عبر تسريبات في إحدى الصحف هاجَمت جعجع، وهو ما حدا بالبعض في «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» إلى محاولة تهدئة، بما أوحى وكأنّ العلاقة بين الطرفين قد اهتزّت للمرّة الأولى منذ توقيع التفاهم.

الواضح أنّ جعجع قرَّر أن يذهب في موضوع الكهرباء إلى النهاية. وتؤكّد مصادر «القوات اللبنانية» أنّ وزراء «القوات» في مجلس الوزراء سيعترضون على إقرار الموازنة، إذا ما استمرّ مسلسل الهدر في الكهرباء وفي غيرها من الملفّات.

وتشير إلى أنّ ما أعلنَه جعجع ليس مجرّد تسجيل موقف، بل هو قرار بتصويب الأمور، وعدم التفرّج على الهدر. فوزراء «القوات»، كما تقول المصادر، ليسوا شهودَ زور في مجلس الوزراء، ومشاركة «القوات» في الحكومة، لم تكن من أجل نيلِ حصّة وزارية، بل من أجل وقفِ مسار الانحدار الاقتصادي، وتصحيح التوازن الوطني، وحسنِ عمل المؤسسات، وهذا لن يتحقّق بقولِ «النعم» للأخطاء الاقتصادية، في ظلّ وضعٍ ماليّ صعب تعاني منه الدولة.

وتجاوُزاً للسؤال عن هدفِ جعجع من اتّخاذه القرارَ الصعب، بقول اللا لاستمرار الهدر في كهرباء لبنان، وتأثير هذا القرار على التحالف مع «التيار الوطني الحر»، فإنّ أسئلة تُطرح حول موقف باسيل الرافض وضعَ خصخصة الإنتاج قيد التنفيذ، وهي عملية لو سَهّلها باسيل، وهو المتحالف مع «القوات اللبنانية» داخل الحكومة، لكان فرَض الحلّ الجذري لكهرباء لبنان، ولمستقبل الطاقة الكهربائية، وللخزينة المستنزَفة، ولكان حظيَ على موافقة تيار «المستقبل»، والقوى الأخرى.

لكنّ باسيل فضّلَ الاستمرار في خطته التي جمّد تنفيذها، حتى تنفَّذ بشروطه، وهذا سيَعني أنّ الخزينة ستستمرّ في دفعِ ملياري دولار سنوياً، وأنّ الكهرباء لن تتخطّى الساعات المعدودة، وأنّ المواطن سيبقى تحت رحمة أصحاب المولّدات والفواتير المزدوجة لهؤلاء ولمؤسسة الكهرباء، في استمرارٍ لواقعٍ مرَضيّ عمرُه عشرات السنوات.

بعد هذه المبارزة بات مستبعَداً أن يتراجع وزراء «القوات اللبنانية» عن رفضِهم إقرارَ الموازنة في حال لم تطبَّق الخصخصة في إنتاج الكهرباء، أمّا باسيل فيبدو أنّه لن يتراجع أيضاً، بعدما أوصَل إلى «القوات» رسائلَ إعلامية بأنّها تتدخّل في «مملكته الخاصة»، ولم تكن زيارة جعجع لقصر بعبدا أمس بعيدةً عن تناولِ المسألة من ضمنِ مواضيع أخرى أبرزُها قانون الانتخاب، ما يشير إلى أنّ النهجين المختلفين في قضايا حيوية، لن تزيلَ اختلافَهما ورقةُ تفاهم.