تمكن فيلم “ضوء القمر” Moonlight من التفوق على الأفلام الأخرى الأربعة المرشحة لجائزة أحسن فيلم في مسابقة الأوسكار، واقتنص الجائزة من الفيلم الموسيقي الذي ظل الأكثر ترشيحا للفوز بالجائزة وهو فيلم “لا لا لاند”، ورشح الفيلم للحصول على 14 جائزة أوسكار وفاز في النهاية بست جوائز من بينها جائزة أحسن ممثلة وأحسن موسيقى وتنسيق مناظر وأفضل أغنية أصلية، وأصبح مخرجه داميان تشازيل أصغر مخرج يحصل على جائزة أفضل مخرج، إذ يبلغ من العمر 32 عاما.
تحصل فيلم "ضوء القمر" للمخرج الأميركي من أصل أفريقي باري جنكنز (37 سنة)، الأحد، على جائزة أحسن فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ89، كما تحصل على جائزة أحسن سيناريو معد عن أصل أدبي.
ويصور الفيلم ببراعة ومن خلال أسلوب يتميز بالحساسية والرقة، وبواسطة تصوير بليغ، قصة صبي أميركي أسود ينشأ في مجتمع يتميز بالعنف ويعاني من الوحدة الشديدة بسبب غياب والده الذي لم يره، وإدمان والدته المخدرات وانغماسها في امتهان الدعارة وإهمالها له، ويحاول الفتى أن يثبت وجوده في مجتمع ذكوري خشن، ثم يكتشف أن لديه ميولا جنسية مثلية، يحاول إخفاءها، لكنه يعود ليكشف عنها ويتعايش معها بعد أن يصبح شابا.
ويتميز الفيلم بتصوير المشاعر الخفية دون مباشرة، ويبني المخرج فيلمه عبر مراحل مختلفة في حياة بطله الصغير “شورين”، ويعتبر الفيلم أيضا تعليقا بليغا على مجتمع الحرمان والفقر والتهميش الذي تعيش فيه الأقلية السوداء في الولايات المتحدة.
وكان الفيلم قد رشح أيضا لجائزة أحسن تصوير سينمائي، لكن الجائزة ذهبت لمصور فيلم “صمت”، رودريغو بريتو، وهو أحدث أفلام المخرج الكبير مارتن سكورسيزي.
ولا شك أن “صمت” من الأفلام التي ظلمت كثيرا، سواء في ترشيحات الأوسكار أو جوائزه، فهو رغم أي ملاحظات يمكن أن نأخذها عليه، من أفضل ما شاهدناه من أفلام أميركية خلال العام الماضي، ولسبب ما تم إغفاله في العديد من الترشيحات.
'ضوء القمر' يعتبر تعليقا بليغا على مجتمع الحرمان والفقر والتهميش الذي تعيش فيه الأقلية السوداء في أميركا
الخطأ الكارثي
تسبب خطأ وقع أثناء إعلان جائزة أحسن فيلم في لغط وارتباك، عندما أعلنت الممثلة فاي دوناواي أمام زميلها وورين بيتي الذي ناولها مظروف إعلان الجائزة (وهما بطلا الفيلم الشهير “بوني وكلايد” من عام 1967) فوز الفيلم الموسيقي الرومانسي “لا لا لاند” بالجائزة، وعلى الفور صعد فريق الفيلم إلى خشبة المسرح لإلقاء كلمات قبول الجائزة، وفجأة قال وورين بيتي إنه أُعطى المظروف الخطأ إلى زميلته.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مسابقة الأوسكار التي يقع فيها مثل هذا الخطأ الفادح الذي اقتضى الكثير من الاعتذار والشروح، بل وصدور بيان رسمي عن شركة “برايس ووترهاوس كوبر” التي تشرف على عملية الاقتراع على الجوائز عن الخطأ، قالت فيه إن النجمين اللذين أعلنا اسم الفيلم الفائز أُعطيا بطريق الخطأ المظروف الخطأ.
وأضافت في بيان “نحقق حاليا لمعرفة كيف حدث ذلك ونأسف لهذا الأمر بشدة”، وقدمت اعتذارها في البيان لمجموعة عمل فيلمي “ضوء القمر” و”لا لا لاند” والنجمين وارن بيتي وفاي دوناواي ومتابعي حفل الأوسكار.
وحاول بيتي الممثل والمخرج المخضرم شرح ما حدث قائلا “أريد أن أقول لكم ماذا حدث، فتحت المظروف وكان مكتوبا فيه إيما ستون.. ‘لا لا لاند'”، وأضاف مطلقا ضحكة عصبية “لهذا نظرت طويلا إلى فاي ولكم، لم أكن أحاول أن أكون ظريفا”.
وكانت دوناواي هي التي أعلنت فوز فيلم “لا لا لاند” بطريق الخطأ، وقد أعلنت قائلة “أعتقد أن الجميع في حالة ارتباك.. وفرحون أيضا من أجل (ضوء القمر)”، الذي قالت إنه “من أفضل الأفلام على الإطلاق”.
داميان تشازيل أصغر مخرج يحصل على جائزة الأوسكار
تصحيح الوضع
لا شك أن فوز “ضوء القمر” بالجائزة المرموقة جاء استجابة لما وجه في العام الماضي من انتقادات شديدة إلى الأكاديمية الأميركية لعلوم وفنون السينما التي تمنح جوائز الأوسكار، بسبب تهميش السينمائيين والممثلين السود (من أصول أفريقية).
وانعكس ما وقع من تغير في توجهات التصويت من جانب أعضاء الأكاديمية (يبلغ عددهم أكثر من ستة آلاف عضو) على جوائز أخرى مثل جائزة أحسن ممثلة ثانوية وجائزة أحسن ممثل ثانوي، فقد ذهبت الأولى إلى الممثلة فيولا ديفيز والثانية إلى الممثل ماهرشالا علي عن دوريهما في فيلمي “حواجز” و”ضوء القمر” وكلاهما من الأفلام التي تدور في محيط مجتمع الأميركيين الأفارقة.
ذهبت جائزة أحسن ممثلة إلى إيما ستون عن دورها في “لا لا لاند”، متفوقة بذلك على الفرنسية إيزابيل أوبير (هي)، وروث نيغا (لوفنغ)، وناتالي بورتمان (جاكي)، وميريل ستريب (فلورانس فوستر جنكنز). وفي رأيي أن الجائزة مستحقة، رغم صعوبة التحكيم في هذه الحالة بسبب تفوق الأداء في كل الأفلام المرشحة، ولكن أداء ميريل ستريب كان يميل للنمطية، ربما بسبب ضعف بناء ملامح الشخصية في الفيلم، ولم يعجبني أصلا أداء بورتمان في “جاكي” التي كانت تحاول محاكاة الشخصية الأساسية، أي جاكلين كنيدي، خاصة وأننا كنا نستمع على شريط الصوت إلى الصوت الأصلي لكنيدي وكانت بورتمان تحرك شفتيها وجسدها بطريقة بدت مصطنعة كثيرا، بالإضافة إلى أن الفيلم نفسه لم يكن جذابا، لا في طريقة سرده ولا في تسليطه الأضواء على فترة من أكثر الفترات سخونة في التاريخ الأميركي الحديث.
أما إيزابيل أوبير فتميزت في فيلم “هي” الكوميدي لبول فيرهوفن، لكن الواضح أن الأداء بالفرنسية لم يكن مما أثار إعجاب المصوتين للأوسكار، في حين أن نيغا اجتهدت كثيرا في “لوفينغ” وتفوقت في الدور وكانت في رأيي المنافس الثاني لإيما ستون.
وحصل كيسي أفليك على جائزة أفضل ممثل عن فيلم “مانشستر من البحر” وهي المرة الأولى التي يحصل فيها على جائزة أوسكار، وقال “أتمنى لو كانت لديّ كلمات أفضل لأقولها.. أنا مذهول فحسب، أنني من بين الفائزين”.
وتمكن أفليك من الحصول على الأوسكار على الرغم من أن موسم الجوائز شهد تجدد الحديث عن مزاعم تحرش جنسي ضده بدأت في 2010، ونفى أفليك المزاعم التي تمت تسويتها خارج المحكمة، وكانت مزاعم مماثلة قد تسببت في استبعاد نات باركر بطل ومخرج الفيلم البديع “مولد أمة” من سباق الأوسكار.
وإلى جانب جائزة أحسن ممثل التي فاز بها "مانشستر من البحر"، حصل الفيلم أيضا على جائزة أحسن سيناريو مباشر.
الممثل المكسيكي جيل جارسيا بيرنال انتقد خطة ترامب لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك
ومن المظاهر الملحوظة هذا العام تحول حفل إعلان جوائز الأوسكار إلى مظاهرة صاخبة مليئة بالتهكم والسخرية من سياسة الرئيس دونالد ترامب العنصرية، خاصة مع وجود عدد كبير من السينمائيين والممثلين المرشحين من الأفارقة الأميركيين (السود) بأفلام متميزة.
وقد اتخذ مقدم الحفل الإعلامي والممثل جيمي كيمل من ترامب مادة للسخرية في الحفل وراح يتهكم على اضطراب المشهد السياسي في الولايات المتحدة والعالم، منذ وصول ترامب نجم تلفزيون الواقع السابق إلى البيت الأبيض.
وفي وقت لاحق من الحفل بدا كيمل وكأنه يرسل تغريدة إلى الرئيس تقول “يا دونالد ترامب الحقيقي، هل أنت مستيقظ؟ ميريل ترسل لك التحية”، في إشارة إلى النجمة ميريل ستريب التي سبق أن وجهت نقدا عنيفا لسياسة ترامب من فوق خشبة المسرح في حفل جوائز غولدن غلوب خلال يناير الماضي، مما دفع ترامب إلى إطلاق تغريدة غاضبة على تويتر وصفها فيها بأنها “واحدة من أكثر الممثلات المبالغ في تقديرهن في هوليوود”.
وقال كيمل -ساخرا- وهو يقدم ميريل ستريب (التي لم تفز بالجائزة التي رشحت لها) "من أعمالها الأولى متوسطة المستوى في "صائد الغزلان" و“الخروج من أفريقيا” إلى أدائها المخيب في “كريمر ضد كريمر” و“اختيار صوفي” قدمت ميريل ستريت أكثر من 50 فيلما بلا اكتراث على مدار مسيرتها الفنية الباهتة”.
وأشار إلى أنها مرشحة للفوز بجائزة الأوسكار للمرة العشرين في حياتها الفنية كأفضل ممثلة عن فيلم “فلورنس فوستر جنكينز”، قبل أن يطلب منها أن تقف وينحني لها احتراما وسط تصفيق حاد من جمهور الحاضرين وقوفا، وقال “أقدم لكم جميعا ميريل ستريب المبالغ جدا في تقديرها“.
جيمي كيمل يصيب الهدف
ومن ناحية أخرى، انتقد الممثل المكسيكي جيل جارسيا بيرنال الذي قدم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة خطة ترامب لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وقال “بصفتي مكسيكيا ومن أميركا اللاتينية وكأحد العمال المهاجرين وكإنسان، أنا ضد أي شكل من أشكال الجدران التي تهدف إلى الفصل بيننا“.
وارتدت مجموعة من النجوم شريطا صغيرا أزرق اللون على ملابسهم دعما لاتحاد الحريات المدنية الأميركية، الذي يعمل على وقف الحظر الذي فرضه ترامب على سفر مواطني سبع دول تقطنها أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة.
ومن أهم جوائز هذا العام جائزة أحسن فيلم أجنبي التي تنافست عليها خمسة أفلام من السويد وألمانيا والدنمارك وأستراليا وإيران، وفاز بها عن جدارة واستحقاق الفيلم الإيراني “البائع” للمخرج أصغر فرهادي، وكان هذا الفيلم من أفضل ما عرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي 2016، وفاز بجائزتين لم تكن من بينهما السعفة الذهبية لأحسن فيلم، وهو ما بدا للبعض مخيبا للآمال.
ويتناول الفيلم موضوعا دراميا مركبا يعتبر من زاوية ما، تعليقا على الوضع الاجتماعي العام في إيران اليوم. وهو موضوع يرتبط بمفهوم الثأر والشرف.
احتجاج فرهادي
عندما رشح فيلم فرهادي للأوسكار أعلن المخرج الإيراني مقاطعته للحفل بسبب حظر السفر الذي يفرضه ترامب على مواطني إيران وبلدان أخرى في الشرق الأوسط، وفي شكل احتجاجي يذكرنا بما فعله مارلون براندو عام 1973 عندما أرسل فتاة ممن يسمون بالهنود الحمر لإلقاء كلمته أمام حفل الأوسكار، اختار فرهادي إيرانيين أميركيين أحدهما مهندسة والآخر عالم سابق في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) لتمثيله في الحفل.
"الخوذ البيضاء" فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير، ويقدم لمحة عن حياة المتطوعين في الخدمات الإنسانية في سوريا
وقرأت المهندسة أنوشه أنصاري، وهي أول رائدة فضاء، بيانا بالنيابة عن فرهادي، ونقلت عنه قوله “ينبع غيابي من احترام شعب بلدي وشعوب الدول الست الأخرى التي لم يحترمها قانون غير إنساني يحظر دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة، إن تقسيم العالم إلى ‘نحن’ و’أعدائنا’ يخلق الخوف ويمثل تبريرا خادعا للعدوان والحرب”، لكن فرهادي لم يصل في احتجاجه بالطبع إلى رفض الجائزة، كما فعل براندو.
جدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يفوز فيها فيلم لفرهادي بالأوسكار، فقد سبق أن فاز فيلمه “انفصال” عام 2011 بالجائزة نفسها.
وفاز فيلم “زوتوبيا” بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، وحقق الفيلم الذي أنتجته شركة “ديزني” نجاحا كبيرا في شباك التذاكر وحصد إيرادات تربو على مليار دولار في جميع أنحاء العالم.
وفاز الفيلم السوري “الخوذ البيضاء“ بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير، وتعرف منظمة الدفاع المدني السورية باسم (الخوذ البيضاء) وتعمل في مناطق تسيطر عليها المعارضة في سوريا، ويقدم الفيلم لمحة عن الحياة اليومية للمتطوعين في الخدمة.
أما جائزة أحسن فيلم تسجيلي طويل فذهبت إلى الخماسية التلفزيونية البديعة “جيه أوه سمبسون: صنع في أميركا”.