إن النظام في سوريا عندما جاء بالنائب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية، وبعده بالعماد اميل لحود، كان يتدخّل لتذليل العقبات التي تعترضهما في الحكم، سواء عند تأليف الحكومات أو عند اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون ظل يستمر الخلاف عليه، وكان الأمن ممسوكاً بقوات سورية متعاونة مع قوات الدولة اللبنانية، وكانت الأكثرية النيابيّة التي تفوز بالانتخابات هي التي تحكم والأقلية تعارض، فشهدت البلاد استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ما جعل تجديد رئاسة كل منهما يواجه معارضة نيابية محدودة لا تسأل عن معارضة شعبية واسعة.
وعندما أيّد الرئيس جمال عبد الناصر انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية طلب من "الناصريّين" في لبنان دعمه من دون شروط تسهيلاً لحكمه، حتى انه رفض عقد قمة بينهما داخل الأراضي السورية بل عند الحدود اللبنانية – السورية المشتركة لتأكيد السيادة اللبنانية.
أمّا إيران ومن خلال "حزب الله" فقد عمدت عندما لم تتمكن من إيصال العماد عون الى سدة الرئاسة، الى تعطيل نصاب جلسات الانتخاب خلافاً للدستور، ووضعت لبنان بين خيارين: إمّا انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وإمّا استمرار الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف، فانعكس ذلك سلباً على عمل الحكومة وعلى عمل كل المؤسّسات... ولم تسهّل إيران تأليف أول حكومة في عهد الرئيس عون إلّا بجمع كل القوى السياسية الأساسيّة المتخاصمة فيها لتظل إيران عبر "حزب الله" ممسكة بقراراتها وقادرة على تفجيرها من الداخل ساعة تشاء، في حين كان ينبغي المساعدة على تأليف حكومة من سياسيّين أو غير سياسيّين ليسوا مرشّحين للانتخابات، إذ أنه لا يعقل أن يكون الوزير مرشّحاً وكل امكانات الوزارة في تصرّفه لمنافسة أي مرشّح آخر، وتكون الانتخابات حرّة ونزيهة فعلاً لا قولاً فقط.
إن الحكومة تواجه الآن مشكلة الاتفاق على قانون للانتخاب ولا تفعل إيران من خلال "حزب الله" شيئاً لتحقيق هذا الاتفاق كي تجرى الانتخابات في موعدها، لأن استمرار الخلاف على القانون يدخل البلاد في فراغ تشريعي يشكّل نكسة خطيرة لعهد محسوب سياسياً عليها في نظر كثير من الناس. فعوض أن تبادر إيران الى الطلب من "حزب الله" وضع سلاحه في كنف الدولة التي تعتبر حليفة أو صديقة لها، فإنها شدّدت على بقائه الى أن تزول أسباب حمله. وعوض أن تُعلن انسحاب مقاتلي "حزب الله" من سوريا لتؤكّد أن عهد الرئيس عون سيكون مختلفاً عن عهود سابقة، إذ بها تفعل خلاف ذلك وتؤكّد أن هؤلاء المقاتلين باقون في سوريا الى أجل غير معروف ليظل لبنان في وضع "الستاتيكو" المقلق، وهو وضع لا يساعد على اقامة علاقات طبيعية مع سوريا. وعوض أن يتوقف "حزب الله" عن التهجّم على السعودية وعلى دول الخليج تسهيلاً لمهمّة العهد في اعادة العلاقات معها الى صفائها بعدما شابها شيء من التوتّر أو العتب، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، استأنف الحزب حملته على السعودية ولم يأخذ في الاعتبار نتائج الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس عون لدولة عربية كبرى للبنان معها مصالح حيوية، وكأن إيران تريد عبر "حزب الله" زج لبنان في صراعاتها في المنطقة وتكريس انحيازه لها خلافاً لما تعهده الرئيس عون في خطاب القسم أن تكون للبنان سياسة خارجية مستقلة.
لذلك يمكن القول إن عهد الرئيس عون لن يستطيع سلوك الطريق الى الدولة ما لم تغيّر إيران سلوكها معه وما لم تتبلور صورة الوضع في المنطقة ولا سيما في سوريا، وتتغيّر موازين القوى، وإلّا فإن لبنان لن يكون حرّاً في اتخاذ قراراته ولا الابتعاد عن صراعات المحاور ما دامت إيران تمارس سياسة التوسّع في المنطقة وسلاح "حزب الله" بالمرصاد.
عون لا يستطيع سلوك الطريق إلى الدولة ما لم تغيّر إيران سلوكها معه...
عون لا يستطيع سلوك الطريق إلى الدولة ما لم تغيّر إيران...اميل خوري
NewLebanon
جهتان تستطيعان توفير أسباب النجاح لعهد الرئيس ميشال عون: إيران وحزب الله. لكن لا شيء يدل حتى الآن على أن أيّاً منهما يوفّر له هذه الأسباب ليكون العهد المحسوب سياسيّاً عليهما مختلفاً عن عهود سابقة.
التعريفات:
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
2940
عناوين أخرى للكاتب
لبنان قد يتعرّض لضربة اقتصاديّة إذا لم...
لا مُساعدات تنهض بلبنان ما لم تُفصَل عنها الخلافات...
الحكومة مدعوة لإقرار خطة للنازحين تحظى بموافقة الجهات...
مهزلة التأليف أضاعت على الناس فرصة الفرح بولادة...
هل يحظى خطاب عون في قمة عمّان بما حظي به خطاب...
الحرب بين إسرائيل وحزب الله تبقى كلاميّة ما دامت الحروب...
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro