في أسبوع واحد، ظهرت علامات التحلل على عهد الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعاً، وبدت ملامح الفرقة على الكفلاء والشهود على ذلك العقد العرفي المؤقت بينهما، الذي كان القصد منه سد فراغ دستوري طال أمده ، فإذا به يؤدي الى فراغات أعمق وأسوأ.
في خلال الايام السبعة الماضية، سقط العهد في ثلاثة إختبارات متتالية، تركت ندوباً لا تمحى على الرئيسين اللذين جمعتهما الاقدار على أمل ان يكون الخلاص على يديهما، فتستعيد معهما الدولة شرعيتها ودورها، وتتحرك عجلة السياسة ودورة الاقتصاد، وينتظم الامن وينضبط الخارجون عن الاجماع العام:
-الانتخابات النيابية التي كانت جوهر العقد الثنائي بين الرئيسين عون والحريري ومحوره الرئيسي لم تعد واردة هذه السنة، ولا ربما في المستقبل المنظور. والجدل حول القانون الانتخابي يكاد يقفل على ما هو أخطر من عناوين الستين والنسبية والتمديد لعام أو أكثر: الواقعية السياسية تقتضي العودة الى القانون الارثوذكسي، الذي يعبر حسب مريديه الجدد، عن حقيقة لا جدال فيها ، هي ان الناخب اللبناني المستعد للتوجه عادة الى صناديق الاقتراع ( ما بين 25 و30 بالمئة من اللبنانيين الذين يحق لهم التصويت) غير معني بما هو خارج حدود جماعته الطائفية من لوائح ومقاعد وتحالفات. أما البقية العابرة لتلك الحدود فان وجودها يكاد يبدو خيالياً، وخطابها لا يعدو كونه هجاء مضجراً للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي.
-رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية الفاشية مارين لوبن، وهي شخص غير مرغوب به في غالبية بلدان العالم ، تجد من يدعوها لزيارة لبنان ومن ينظم لها لقاءات رسمية وسياسية ودينية واجتماعية، لا يمكن ان تحلم بها في أي بلد آخر. ولا يصدر عن الرئيسين عون والحريري بالذات ما يوحي بانهما حرجان لاستقبالها وإلتقاط الصور معها، ومختلفان مع خطابها العنصري المشين والمثير لحساسيات لبنانية لا حصر لها. وتنتهي الزيارة بخلاف برتوكولي على منديل..
- الحرب مع اسرائيل، إحتمال، يفترض ان يعمل الرئيسان معا على تفاديه بأي شكل من الاشكال وإستبعاده قدر الامكان، بغض النظر عن التهديدات المتبادلة بين قادة العدو الاسرائيلي وبين حزب الله، والتي كان هدفها أيضا هو تجنب الحرب أكثر من استدعائها. ما حصل هو العكس تماماً: بدلا من أن تنطلق الحركة الدبلوماسية اللبنانية بأقصى سرعة في إتجاه العواصم الكبرى العربية والاجنبية لإستكشاف مدى جدية التهديدات الاسرائيلية أولا، ثم السعي الى توفير شبكة أمان (متواضعة)ضدها، بادر رئيس الجمهورية الى إستخدام لغة المقاومة ومفرداتها، وآثر رئيس الحكومة التسامح مع هذا الافراط اللغوي الذي يفيد العدو ويخدم جدول أعماله المعلن الذي جرى إبلاغه رسمياً الى الاميركيين والروس والاوروبيين، عن أن أي حرب مقبلة مع لبنان ستشمل الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها ومرافقها وأجهزتها، التي تم تحييدها في الحرب الاخيرة في العام 2006 بقدرة قادر.
ثلاث تجارب حسمت من رصيد العهد العوني الحريري، وأفقدته الكثير من وظيفته ومن الثقة الشعبية المفترضة به، بعدما أثبتت عجزه عن الوفاء بوعده الانتخابي الاول، وفشله في مواجهة الانتهاك اليميني الفرنسي الفظ لأعرافه وموازينه الداخلية، وتشتته إزاء تهديد إسرائيلي يتطلب الكثير من الجدية، حتى ولو كان مجرد تخاطب عالي النبرة بين الاسرائيليين والايرانيين.. او لو كان مجرد تمهيد للمرحلة التالية من الحرب السورية ، والتي يتوقع ان تبدأ في إعقاب الانهيار الحتمي لمحاولة التفاوض الراهنة في جنيف 4. ثلاث تجارب متلاحقة أثبتت ان الفراغ الرئاسي الذي إمتد لعامين ونصف العام ، كان أسلم من التلاعب السيء بالجمهور اللبناني الذي قد لا يتمتع بالكثير من الصبر على الرئيسين اللذين أقفلا مراكز الاقتراع وفتحا صندوق العصبيات، وهما يعدان بالمزيد من المفاجآت غير السارة أبداً.