الشكل الخارجي للولد، يكون في بعض الأحيان موضع سخرية الأولاد الآخرين، هذه السخرية تجعل الولد منغلقاً على ذاته، لا يتقبّل نفسه. ولا تقتصر السخرية من الآخرين على العالم الأولاد، إنما تظهر "موضة جديدة" في كنف الكثير من العائلات وهي سخرية الأولاد من أهلهم. وتتأرجح سخرية هؤلاء الأولاد ما بين التعليق على المظهر الخارجي لأمهم أو لأبيهم وصولاً إلى طريقة تناولهم الطعام والثياب التي يرتدونها وغيرها من الأمور التي تكون مادة دسمة للسخرية في نظر الأولاد. فما هي الأسباب النفسية التي تدفع الولد للسخرية من أهله؟ وهل يقع اللوم على الأهل إذا كانوا موضع سخرية ولدهم؟ وكيف يمكن مساعدة الأهل والأولاد لإجتياز هذه المشكلة التي تتفاقم في مجتماعاتنا العربية؟للوهلة الأولى، عندما نتكلم عن السخرية بين هذين الجيلين (جيل الأهل وجيل أولادهم)، نعتقد بأنّ الأهل هم مَن يسخرون من أولادهم، ولكن العكس هو الصحيح.
ظهرت في الآونة الأخيرة آفة غريبة وهي: سخرية الأولاد من أهلهم والتي تجعل من الوالدين أداة لتسلية الأولاد من خلال تركيب "نكات" عليهم والسخرية منهم بطريقة غير مقبولة أبداً مهما كان هدفها: الضحك أو التسلية أو حتى إذا كانت عن حسن نية.
الأم والأب والسخرية
دور الأب في العائلة لا يقتصر فقط على جلب المال لصرفه على عائلته، بل يلعب الوالد دور "الحامي" لكلّ أفراد عائلته. فهو الذي يجلب الطمأنينة النفسية لجميع أفراد العائلة، وهو القائد القوي الذي يستهيبه الجميع.
أما الأم فتلعب دور "نبع العاطفة والحنان"، بينما على الأولاد أن يصغوا ويطبّقوا ما يطلبه منهم أهلهم. ولكن عندما تتبدّل أدوار في العائلة حيث لا يلعب الأب دوره بالكامل وتغيب الأم "نفسياً" عن منزلها وتتراكم غيرها من العوامل النفسية والنفسية-الإجتماعية، يستغلّ الأولاد هذا الضعف والغياب العائلي، ليحوّلوا الأب والأم إلى مادة سخرية.
لما يتحوّل الأهل إلى "تسلية" لأولادهم؟
الجواب بسيط جداً وهو: يستعمل الولد بعض الطرق لتنبيه أهله، وحثّهم ليلعبوا دورهم بالكامل، فيلجأ بعض الأولاد إلى السخرية لتوعية أهلهم. إلى ذلك، يلجأ بعض الأولاد إلى مقارنة أهلهم مع أهالي أصدقائهم، ما يجعلهم يلاحظون بأنّ أهلهم يتميّزون عن بعض الأهالي فيصبحون أشد إنتقاداً، ويستعملون السخرية للمقارنة.
أسباب تدفع الطفل إلى السخرية من أهله
في علم النفس النموّ، تُعتبر السخرية أمراً أساساً فى مرحلة الطفولة حيث يتعلّم الطفل بأنّ لكلماته تأثيراً قوياً على أهله. ولكن ما هي الأسباب الأساسية التي تدفعه للسخرية؟
* للحصول على انتباه واهتمام الأهل حتى لو كان هذا الاهتمام سلبياً مع الأخذ فى الاعتبار أنّ هذا الاهتمام السلبي بالنسبة لبعض الأولاد هو أفضل من ألّا يهتم بهم أحد على الإطلاق.
* تقليد أحد الأصدقاء أو أحد أفراد العائلة والشعور بالقوة من خلال السخرية.
* السخرية من الأهل ومضايقتهم تدفع الولد إلى الشعور بالتفوّق والقوة.
* من الأسباب التي تجعل المراهق ساخراً من أهله، هو إعتقاده بأنّ هذا الأمر سيجعله مقبولاً من أصدقائه خصوصاً الذين يسخرون أيضاً من أهلهم.
* بعض الأطفال يسخرون من أهلهم بسبب إختلاف في التفكير والتصرفات. ولكن هذا لا يبرّر تصرفهم المشين.
دور الوالدين
يعتبر البعض بأنّ الولد الذي يسخر من الآخرين، يتمتّع بثقة كبيرة بنفسه، ولكن هذا غير صحيح. فالولد الساخر هو مثل باقي الأولاد، يتمتّع بشخصيّته الخاصة ولكن بسبب بعض المشكلات التي تمرّ أو مرت بحياته، يفضل أن يستعمل "الآخرين" للسخرية بدلاً من التكلم عن مشكلاته الخاصة.
أما بالنسبة للولد الذي يسخر من أهله، فطبعاً مشكلات عائلية كثيرة تكون مطبوعة في رأسه وتجعله شخصاً يتألم من الداخل ويسخر من أهله لخفض هذا الألم.
ولكن، ثمّة أولاداً يتعلّمون السخرية من أصدقائهم. فمبدأ السخرية يكتسبه بعض الأولاد من أصدقائهم أو حتّى من أهلهم، مثلاً إذا كان الأب يسخر من الأم أمام الأطفال أو العكس، فسيكتسب الولد هذه العادة ويستعملها في حياته اليومية.
معالجة السخرية بين الأولاد وأهلهم
عندما يسخر بعض الأولاد من أهلهم، قد يضحك لهم الأهل من دون أن يعيروا هذا الموقف الخطير أية أهمية. ولكن، السخرية مهما كانت، مضحكة أم لا، موجّهة من ولد أو من راشد، مؤذية أو مرحة،... تُعتبر سخرية ولا يمكن أن يتقبّلها أيّ إنسان.
وللسخرية تأثير سلبي على الأهل، الذين قد يلجأون إلى العنف لمواجهتها. فعادة ينتظر الأهل من أولادهم الإحترام والتقدير، وعندما يواجهون السخرية من فلذة أكبادهم، يؤدي ذلك لعدم رغبتهم بلعب دورهم كأهل وبالتالي يستسلمون للعدوانية.
كيف يمكن مساعدة الطفل للإبتعاد من هذه الآفة؟
أولاً، لا يعرف الطفل عادةً كيف يعبّر عن مشاعره وكيف يتحكّم في المواقف المختلفة. لذا على الأهل متابعة أولادهم والتفسير الدائم لهم بأنه لا يحق لهم أن يجعلوا من الآخرين مادة للسخرية. كما ليس على الأهل الحرص وعدم إستعمال كلمات ساخرة لكي لا يتعلّمها ولدهم فيردّدها في مدرسته ومع أصدقائه.
ثانياً، يحبّ بعض الأولاد لفت الإنتباه، لذا دور الأهل هو متابعتهم في كلّ مراحل نموّهم. كما يجب أن يؤمّن الأب كلّ الحاجيات الأساسية لأولاده. وإذا كانت العائلة تعاني من بعض المشكلات الإقتصادية، يجب أن يشرك الأهل الولد ويخبروه عن بعض هذه المشكلات ولكن بطريقة مدروسة وبسيطة جداً ومناسبة لعمره مع مراعاة عدم تحميله أكثر مما يستطيع تحمّله، وتدفعه معرفته بهذه المشكلات إلى تحمّل المسؤولية.
ثالثاً، يمكن للأهل أن يسألوا الطفل أو المراهق لم يستعمل السخرية في كلامه الموجَّه تجاههم، ويطلبوا منه بطريقة جدّية عدم تكرار سخريته لهم أو لأيّ أحد. فالجلوس معه والاستماع له بانتباه واهتمام يمكن أن يساعدا في حلّ المشكلة والأهم الإبتعاد من العقاب والشتم وكلّ السلوكيات العدوانية لأنها لا تفيد في حلّ سخرية الأولاد من أهلهم.