طرح تجدّد الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة تساؤلات حول خلفيتها وتوقيتها وما يمكن أن تنتهي إليه من تطورات على صعيد الوضع الأمني في المخيم، وبرغم أنّ القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية توصلت مساء أمس إلى اتفاق مبدئي على وقف لإطلاق النار وسحب المسلحين من شوارع المخيم بعد الجولة الثانية من الاشتباكات، ورغم إيفاد القوى الفلسطينية مندوبين من قبلها إلى كل من قيادتي «فتح» في حي البركسات والقوى الاسلامية في الصفصاف لتثبيت وقف إطلاق النار، بقي الوضع في المخيم عرضة لخروق أمنية تمثلت برشقات قنص أبقت الحركة في الشارع الرئيس مشلولة وأخّرت تنفيذ مفاعيل الإتفاق بانتظار ترجمة صدق النيات بوقف دائم لإطلاق النار قبل استكمال بقية الخطوات بسحب المسلحين ومسح الأضرار وإعادة الوضع إلى طبيعته للتفرغ بعدها للبحث في آلية التعاطي مع الوضع الأمني في المخيم في المرحلة المقبلة خاصة بعدما ظهرت

القوى الفلسطينية هذه المرة عاجزة عن فرض وقف فوري لإطلاق النار في ظل تعليق آلية الضغط المشترك والتي كانت تتمثل باللجنة الأمنية العليا والقوة الأمنية المشتركة اللتين تم حلهما مؤخراً إثر تباينات بين الفصائل بشأن أدائهما.

ولاحظت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«المستقبل» أنّ عوامل ومعطيات عدة تتقاطع في خلفيات الأحداث الحالية، منها: تزامنها في اليوم الأخير لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبنان وما رافقها من مواقف فلسطينية تتصل بوضع اللاجئين في لبنان والسلاح الفلسطيني والوضع في المخيمات، فأطل التوتير من «عين الحلوة» بموازاة اجتماع لعباس مع الفصائل، معتبرةً هذه الاشتباكات وكأنها محاولة من قبل المتضررين من هذه الزيارة لحجب نتائجها الإيجابية.

كما تزامنت هذه الأحداث مع زيارة عقيلة وابن العميد محمد دحلان رئيس ما يسمى التيار الاصلاحي في حركة فتح لمخيم عين الحلوة وما رافق هذه الزيارة من إشكال وضع أيضاً في سياق محاولة التوتير، لكن اللافت في المقابل كان مشاركة عناصر تابعة لرجُل دحلان في لبنان العميد محمود عيسى «اللينو» في الاشتباكات إلى جانب «فتح» وكشفه – أي اللينو - في حديث صحافي عن معطيات توافرت لديه عن تجمعات لمتطرفين يعمدون لإطلاق النار باتجاه مناطق «فتح» التي أكد أن موقفها هو «وضع حد لهذه المجموعات المتفلتة التي ترعب الناس وإيجاد حل نهائي لها».

بين التجاوب و«الحسم»

وترى المصادر الفلسطينية المطلعة أن حركة فتح في اشتباكات اليومين الماضيين بدت غير «فتح» في الاشتباكات السابقة، والتي كانت فيها الحركة تتجنب خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع «الإسلاميين» تحت ضغط الإجماع الفلسطيني المدعوم لبنانياً، والذي كثيراً ما كان يُغلّب المعالجة الهادئة من خلال الأطر المشتركة على الحسم العسكري باعتبار أنّ الأخير سيؤدي إلى تفجير واسع يدفع أهل المخيم وصيدا ثمنه من أمنهم واستقرارهم. بينما يختلف الوضع اليوم حيث ان «فتح» – بحسب هذه المصادر – وبعدما علّقت مشاركتها في اللجنة الأمنية ورفعت غطاءها عن القوة الأمنية المشتركة شعرت بأنها أصبحت محرّرة من التزاماتها التي تجعلها دائماً تتلقى الضربة ولا ترد بالمثل، فقررت المواجهة من دون أن تغلق الباب على التجاوب مع أية مبادرة للتهدئة أو وقف النار وهو ما حصل فعلا. لكن «فتح» – تتابع المصادر – كانت هذه المرّة قاب قوسين أو أدنى من اللجوء إلى الحسم العسكري خاصة بعدما تردد عن استقدامها عشرات المقاتلين من مخيمات الجنوب وبيروت إلى مخيم عين الحلوة لتعزيز مواقعها تحسباً لأي خيار عسكري قد تضطر للجوء إليه. وبحسب المصادر، فإنّ اتفاق وقف النار لم يُلغِ هذا التوجه وإنما أجله إلى حين.

وكانت الاشتباكات تجددت صباح أمس، واتخذت بداية شكل تبادل رصاص قنص وإلقاء قنابل بين حي الصفصاف معقل «الإسلاميين» وحي البركسات معقل «فتح»، ومن ثم تطورت إلى اشتباكات استُخدمت فيها أسلحة صاروخية ورشاشة كانت حدتها تخف حيناً وتعنف حيناً آخر.

وتسببت الاشتباكات في يومها الثاني في إصابة الطفلة الفلسطينية آلاء حمودة في حي عكبرة وفي تضرر عدد من المنازل والمؤسسات التجارية والسيارات، بعدما كانت أدت إلى شلل كلي للحركة في شوارع المخيم الرئيسة ولا سيما الشارع الفوقاني حيث كان مسرح المعارك. وفيما سُجلت حركة نزوح جزئية من المخيم باتجاه صيدا، اتخذت وحدات الجيش اللبناني المنتشرة عند مداخل المخيم تدابير احترازية، فعملت على إغلاق هذه المداخل أمام العابرين باتجاه عين الحلوة حفاظاً على سلامتهم.

ومساءً، تداعت القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية لعقد اجتماع طارئ في مقر الجبهة الديموقراطية داخل المخيم من أجل الطلب إلى المتقاتلين وقف إطلاق النار وسحب المسلحين.

وعُلم أنّ اجتماعاً لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية سيُعقد اليوم، في سفارة فلسطين في بيروت برئاسة السفير أشرف دبور، سيُخصص لتدارس الوضع المستجد في «عين الحلوة»، وأنّ هناك اتصالات تجري لتوسيع إطار هذا الاجتماع ليشمل فصائل وقوى فلسطينية أخرى.

«حماس»

إلى ذلك، أجرت حركة المقاومة الإسلامية - «حماس» اتصالات مع الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية ومع الجهات اللبنانية المعنية من أجل وقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة.ودعت «حماس» في بيان إلى سحب المسلحين من الشوارع ووقف إطلاق النار فوراً، معتبرةً أنّ هذه الاشتباكات العبثية لا تخدم إلا العدو الصهيوني وتسيء إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين التي هي جوهر القضية الفلسطينية، مؤكدةً في الوقت نفسه تمسكها بالمبادرة الفلسطينية الموحدة وبالعمل الفلسطيني المشترك ودعت إلى اعادة تشكيل اللجنة الأمنية العليا والقوة الأمنية المشتركة بما يحفظ الأمن والاستقرار في مخيم عين الحلوة وجواره.