جار الزمان على معابدها وعبثت بها يد الطبيعة والبشر، تعرضت للزلازل والتخريب والتجوير طيلة القرون الوسطى والعصور الحديثة، غير أنها ظلت تستوقف الرحالة والزوار فتثير الإعجاب وتغذي الأساطير، وبقيت عواميدها الست رمزًا للشموخ والعظمة.
ولمن الجيد أن تنفذ أعمال تأهيل في قلعة بعلبك التي يقوم بها مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع البلدية وبهبة تمويلية من الوكالة الإيطالية والتي أنهت مرحلتها الأولى من التأهيل على مدى سنتين ونصف، في معبدي "باخوس" و"فينوس" والفسحة قبل مدخل معبد "جوبيتر"، وتتجه للمرحلة الثانية التي تضم ما تبقى من معبد "جوبيتر" وبالتالي الأعمدة الستة.
وعليه إن هذا العمل يحمل في طياته إهتمامًا يفتقده هذا المعلم التاريخي، ولكن بنفس الوقت هو في المضمون مسؤولية كبيرة حيث أن هذه الأعمال يجب أن تكون من قبل خبراء ومختصين يعرفون قيمة الصخور التي يقومون بتنظيفها، ويقدرون الحجارة التي يعبثون بها، ويجب أن تكون تحت إشراف ذوي الإختصاص ومن تقع عليهم المسؤولية مثل الخبراء المعتمدين من المديرية العامة للآثار المعنيين بالقلعة.
أما واقعًا، فإن ما حصل لا يوصف بأقل من "جريمة" بحق هذا الكنز الانساني، بعدما أدت عمليات التأهيل إلى تشوهات وأضرار جسيمة في معبدي باخوس وجوبيتر.
إقرأ أيضًا: أطفال تتسول فنتعاطف.. ماذا عن الدولة اللبنانية؟
وقبل إنطلاق أعمال المرحلة الثانية من مشروع الترميم والتأهيل لبقية القلعة التاريخية، عقدت هيئات المجتمع المدني في المدينة لقاء تحت شعار "أوقفوا الجريمة بحق آثار بعلبك"، عُرضت فيه صور تظهر "التشوهات"، وتقرير لخبراء من "الأونيسكو" إعتبر أن "التنظيف داخل هيكل باخوس كان عدوانيًا وقضى على الطبقة الأولى من الحجر".
ولفت الناشط الدكتور سهيل رعد (عضو مجلس بلدية بعلبك) إلى "إستعمال طرق بدائية كالضرب بالرمل، وإستخدام عمال غير متخصصين في أعمال الترميم والتأهيل، ما أدى إلى تحطم أجزاء من منحوتات صخرية وتشوّهات في النقوش الأثرية، كلوحة الرقص وأجزاء من نقوش معبد جوبيتر بجانب الملعب المسدس".
وسأل: "كيف لنقوش تاريخية وزخارف ورسوم أن تسلم لعمال عاديين علمًا أن الإتفاق كان بأن تتم الأشغال وفق تقنيات حديثة تعتمد على الليزر وعلى فرق متخصصة؟".
وأوضح أن البلدية إعترضت قبل أشهر لدى وزارة الثقافة، وجاءت لجنة من مجلس الإنماء والإعمار (المشرف على تنفيذ المشروع) للإطلاع على الأضرار، "إلا أنهم حاولوا التستر على الأمر، ما دفعنا الى الإستعانة بخبراء أكدوا أن أعمال الترميم أفقدت الحجر الطبقة الأساسية".
إقرأ أيضًا: الصحافة الورقية: بعد السفير من التالي؟
ويأتي مشروع ترميم وتأهيل معابد قلعة بعلبك ضمن أعمال حماية الإرث الثقافي والتنمية المدنية، ومشروع أعمال الحفظ والترميم لقلعتي بعلبك وصور الأثريتين (BTAP) الذي إنتهت أعمال مرحلته الأولى الصيف الماضي.
وبحثًا في تفاصيل القضية، أكدت مصادر المجتمع المدني في بعلبك بحسب ما أفادت المعلومات أن في فلك هذه "الأعمال التخريبية لا التأهيلية" تفوح رائحة "صفقة ما" حيث أن المسؤول عن المشروع هو "مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع بلدية بعلبك بشخص رئيسها حسين اللقيس.
ويقال بأن المعنيين وإستغلالًا للهبة الإيطالية، بدلًا من إستئجار خبراء وإختصاصيين يكونون على دراية وحذر بتراث القلعة، آثروا إستئجار من يدّعي الخبرة وذلك لأن السعر هنا يختلف، ليذهب فرق العملة ما بين الخبير ومدعي الخبرة لجيوب المعنيين الذين يتقاسمون فيما بينهم على حساب تعريض النقوش الأثرية في بعلبك للخطر".
إقرأ أيضًا: السحر بالسحر والبادي اظلم.. هل السحر والشعوذة موجودين فعلا؟!
وأكد المصدر بأنه في ظل إصرار مجلس الإنماء والإعمار ورئيس بلدية بعلبك، والمديرية العامة للآثار على أن هذه الأعمال لم تمس بالنقوش الأثرية، على الرغم من أن ذلك واضحًا للعين المجردة "هناك معركة قد فُتحت بيننا وبينهم، ولن نتراجع قيد أنملة عن حماية تراث وتاريخ المدينة العابر للأزمنة والذي يجب أن يكون منزهًا عن صفقات الفساد".