تواجه أول محادثات للسلام في سوريا برعاية الأمم المتحدة منذ نحو عام خطر الغرق في بحر التفاصيل مع انشغال المسؤولين بمن سيقابل من .. لكن خلف الكواليس يقول دبلوماسيون إن معظم الخيوط تتجمع في يد روسيا.
كانت روسيا والولايات المتحدة المحركتان الرئيسيتان وراء محادثات السلام السابقة التي توقفت مع احتدام الحرب.
والآن وقد اختارت الولايات المتحدة أن يكون موقفها الدبلوماسي هو الجلوس في مقاعد المتفرجين، فإن روسيا التي حول تدخلها العسكري دفة الحرب في سوريا وساعدت الرئيس بشار الأسد في استعادة حلب هي التي ستكون لها الكلمة الأولى على الأرجح.
لكن ما تريد تحقيقه في نهاية المطاف لم يتضح بعد ليصبح السؤال الصعب هو: ماذا تريد روسيا؟
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس في مراسم عسكرية، بينما بدأت محادثات جنيف: "مهمتنا هي تحقيق استقرار السلطات الشرعية وتوجيه ضربة قاضية للإرهاب الدولي وحسب."
وسعت موسكو إلى إحياء المساعي الدبلوماسية منذ ساعدت قواتها الجوية الجيش السوري والفصائل المسلحة المتحالفة معه في هزيمة مقاتلي المعارضة في حلب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو أكبر انتصار يحققه الأسد في الحرب المستمرة منذ ستة أعوام.
وانضمت روسيا إلى تركيا وإيران لرعاية مفاوضات بين الأطراف السورية في أستانة عاصمة كازاخستان لإعادة تطبيق وقف هش لإطلاق النار، وحاولت أن توسع نطاقها لتشمل جوانب سياسية حتى إنها كشفت عن مسودة دستور مقترحة وضعتها موسكو.
ومع اضطلاع محادثات أستانة بمسألة وقف إطلاق النار، تجد محادثات جنيف نفسها أمام ملف الأزمة السياسية وتفويض الأمم المتحدة لمناقشة دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف المنظمة الدولية؛ بغية إقامة حكم يتسم بالشفافية ويخضع للمحاسبة.
وهناك مجال لتفسيرات مختلفة وليس واضحا مدى استعداد روسيا لممارسة ضغط على الحكومة السورية للوصول إلى اتفاق سياسي مع المعارضة.
وتؤيد روسيا تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال دبلوماسي أوروبي كبير ساخرا، إن هذا يعني الاستعانة ببضعة معارضين لإدارة وزارة الرياضة مع ترك سلطات الأسد دون أن تمس.
وأضاف: "لو كانوا يريدون تحريك الأمور بوسعهم أن يعطوا الأسد بطاقة الصعود إلى الطائرة وأن يرسلوه إلى كراكاس."
نفوذ روسي
وتريد المعارضة أن يتخلى الأسد الذي يحكم سوريا منذ 17 عاما عن السلطة. ووصف سفير روسيا في جنيف أليكسي بورودافكين هذا المطلب بأنه سخيف.
وتأمل القوى الأوروبية التي تدعم مقاتلي المعارضة أن يؤثر على روسيا احتمال أن يسهم الاتحاد الأوروبي في فاتورة إعادة إعمار سوريا، التي ستكون بعشرات المليارات من الدولارات إذا تمكنت جميع الأطراف من التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الصراع.
لكن بورودافكين رفض ذلك قائلا إن روسيا قدمت مساعدات ضخمة لسوريا، وإنها أنقذت أوروبا من تدفق سبعة ملايين سوري عليها عبر دعمها للنجاحات العسكرية للأسد.
ربما يعطي الدعم العسكري الروسي لموسكو نفوذا على الأسد، لكن ليس واضحا ما إذا كانت ستحاول وقف حملاته العسكرية أم ستدعمه حتى النهاية.
ومازال وقف لإطلاق النار صامدا ولو من الناحية الشكلية في معظم أنحاء سوريا، لكنه لا يشمل الجماعات التي تصنفها الأمم المتحدة إرهابية أو تلك التي تقول روسيا إنها مرتبطة بها. ويعتبر كثيرون أن هذا بمنزلة إتاحة فرصة للأسد لاستهداف معارضيه بلا قيود.
وعلى الرغم من دعوة روسيا للحكومة لوقف الضربات الجوية قبل المحادثات فإن القتال استمر، وتقصف الطائرات السورية مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في محافظات حلب ودرعا وحماة، فيما يطلق مقاتلو المعارضة الصواريخ على أهداف حكومية.
وقال دبلوماسي غربي كبير: "ليس أمامنا خيار سوى أن نلعب بطريقة روسيا ونحاول التصدي لمحاولات تحقيق أقصى انتصار عسكري، والسعي لإعادتهم إلى جنيف ونأمل التمكن من تحقيق شيء هنا."
وأضاف: "يظل الموضوع غير المحسوم... هل سيكون هناك اتفاق وكيف سيبدو هذا الاتفاق الذي يمكن أن تقبل به روسيا."
ولا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان لروسيا أي تأثير على إيران حليفة الأسد الأخرى والفصائل التي تدعمها، أو ما إذا كانت تغض الطرف عنها بينما تتطلع لتعزيز المكاسب الميدانية التي حققتها مؤخرا.
وقال الدبلوماسي نفسه: "النظام (السوري) وحزب الله يريدان تطهير المناطق المحيطة بدمشق التي ما زالت تمثل تهديدا للعاصمة."
وأضاف: "سيتوجهان بعد ذلك صوب إدلب أو درعا في الجنوب."
وحتى الآن لا توجد أدلة تذكر على ممارسة موسكو ضغطا على وفد الحكومة. وتشير مسودة الدستور المقترحة التي وضعتها روسيا إلى استمرار الأسد لعدة ولايات رئاسية مدة كل منها سبع سنوات.
وقال فاسيلي كوزنتسوف الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية: "ليس لدى الروس أي موقف فيما يتعلق بالأسد نفسه."
وأضاف أن مصير سوريا يقرره السوريون وأن الحكومة الروسية مستعدة للتعايش مع نتيجة انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة.