بدأ التشاؤم يتسلل إلى قلب رئيس الجمهورية وعقله من إمكانية إنتاج قانون جديد للانتخابات. من يلتقي الرئيس يكتشف حجم الاستياء لديه من الأخذ والرد في شأن هذا الاستحقاق من دون تحقيق تقدّم جدي حتى الآن. يعتبر عون أن خذلانه في إقرار قانون انتخابي جديد يعني ضربة لعهده واستمرار سياسة تكبيله بناء على تحالفات وتركيبات سياسية نشأت وتنامت منذ إتفاق الطائف. وهذه هي الصيغة الأساس التي يريد ضربها من خلال توجهات عديدة لديه تبدأ من هذا الملف، وقد لا تقتصر عليه.
بالنسبة إلى بعبدا، فإن الإنقسام اليوم هو بين إرادتين، الأولى تسعى لإقرار قانون انتخابي جديد، والثانية ترفض ذلك وتريد البقاء على القانون القديم. وهذا ما يؤخر التوافق على القانون، لأنه مع كل صيغة تطرح للنقاش تبرز مواقف اعتراضية من هنا وهناك. لذلك، يشعر رئيس الجمهورية بأنه محاصر، حتى أنه ينظر إلى توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وإحالته إليه هو لرمي الكرة في ملعبه، لكنه يستعد إلى رد الكرة إلى ملعب مجلس النواب والحكومة.
في إنقسام الإرادتين، تختلف التقديرات لكل فريق. بعض الصيغ والإقتراحات لم يرفضها المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي فحسب، بل لدى حزب الله وحركة أمل اعتراض على الصيغة المختلطة، وكذلك القوات اللبنانية تعترض على النسبية الكاملة وعلى بعض الصيغ المختلطة، بما فيها الصيغة التي تمزج بين الأكثري والنسبي وفقاً لمبدأ التأهيل أو اجراء الانتخابات على مرحلتين. ووسط هذه الخلافات وتأكيد البعض أن المسألة قطعت نصف الطريق وقد تم تحقيق تقدم حقيقي لإيجاد قانون جديد، ينقل من التقى الوزير جبران باسيل أخيراً، أن "لا شيء جديداً". هذه الجملة تتكرر على لسان أكثر من مسؤول. بالتالي، فإن الواقع يختلف عن ما هو معلن في التصريحات والمواقف.
بالنسبة إلى تيار المستقبل، فتعتبر مصادر بارزة فيه لـ"المدن" تشبه قصة القانون الجديد بقصة جحا الذي يريد تزويج ابنه لإبنة الملك، ولدى طرحه الفكرة أثار استغراب الناس واستهزاءهم به. وبعد أيام، جاء ليعلن أن الخطوبة على الطريق وقطعت شوطاً تخطى الخمسين في المئة. ولدى إنشغال الناس وسؤالهم عن حقيقة الأمر أجاب جحا: لقد وافقنا أنا وزوجتي وولدي على الزواج ونحن ننتظر موافقة الملك وزوجته وابنته. وهكذا يختصر قيادي مستقبلي بارز مسألة قانون الانتخابات والتصريحات الإيجابية في شأنه.
في المقابل على ضفة حزب الله، تعتبر مصادر قريبة أن لدى المستقبل، منذ مفاوضات التسوية الرئاسية، مشروعين أو خطتين، (أ وب)، الخطة الأولى تتركز على تأجيل الانتخابات، وإذا فشل هذا الخيار، يتم اللجوء إلى الخطة الثانية، وهي اجراء الانتخابات على قانون الستين. بالتالي، وفق المصادر، إن هذا التوجه هو الأساس في عرقلة إقرار القانون الجديد. ولكن المستقبل حريص على عدم الإصطدام برئيس الجمهورية، أو بالأحرى غير قادر على ذلك. لذلك، يلجأ إلى التهجم على سلاح الحزب والتذرع به لرفض أي صيغة انتخابية. ويلجأ إلى اللعب على وتر مهاجمة حزب الله لدول الخليج وتعكير صفو العلاقة معها، لإشاحة النظر عن قانون الانتخابات. وتستند المصادر في ذلك إلى أن المستقبل أعلن في مرحلة ما قبوله بصيغة المختلط، لكنه عاد وتراجع بموقف مشترك مع الحزب التقدمي الاشتراكي.
ومجدداً، تعود الكرة إلى ملعب رئيس الجمهورية. وتلفت المصادر إلى أن عون وباسيل يستعدان لإبعاد الكرة عنهما. الأول عبر توجيه رسالة إلى مجلس النواب عبر توجيه الدعوة له بتحمّل مسؤولياته، وإقرار قانون جديد. وستتضمن هذه الرسالة رفضاً قاطعاً لاجراء الانتخابات على أساس الستين، ورفض التمديد. وبذلك، يكون الرئيس قد أخرج نفسه سياسياً ومعنوياً من هذه الخطوة. وتكشف المصادر عن أن عون يستعد إلى تخصيص جلسات حكومية لبحث قانون الانتخابات، ولن يتراجع عن خيار طرح كل الاقتراحات والمشاريع على طاولة البحث في جلسات متكررة على غرار الجلسات التي تعقد لمناقشة الموازنة. ولا مانع لديه من طرح الاقتراحات على التصويت.
أما باسيل فيعمل لصوغ اقتراح جديد لقانون الانتخابات، ينطلق من مبدأ المختلط. وعلمت "المدن" أن الصيغة الجديدة تقسم المقاعد مناصفة بين النسبي والأكثري وتنطلق من وحدة المعايير. في المقابل، فإن المعلومات تتحدث عن استعداد النائب وليد جنبلاط القبول بهذا المقترح إذا ما جمعت دائرتي الشوف وعاليه ضمن دائرة واحدة، على أن توزع المقاعد فيها، 7 على أساس أكثري و6 على أساس نسبي. وتكشف المصادر عن أن صيغة باسيل ستتضمن تلويحاً تصعيدياً بضرورة إتخاذ اجراءات لتعديلات دستورية تعتبر بمثابة أساليب ضغط على القوى الأخرى لإجبارها على إقرار القانون الجديد. أما في حال بقيت المواقف على حالها، فإن الخيار الأخير المتبقي هو تأجيل الانتخابات. وهذا سيكون بحاجة إلى أسباب موجبة ومسوغات، في أي إقتراح قانون سيجري التقدم به إلى الهيئة العامة لإقراره، من دون إسقاط يار صوغ أسباب موجبة لإعادة إجراء الإنتخابات وفق قانون الستين بشكل لا يحرج رئيس الجمهورية. السؤال الوحيد الذي لا أحد يملك الإجابة عنه هو إلى أين تتجه الأمور، وماذا يحصل؟ هنا الجواب واحد لدى القوى كلها: "لا أحد يعلم".