لا إرادة سياسية جدّية للوصول الى قانون انتخابي جديد، وهو ما أفرزته النقاشات التي دارت على مدى الأسابيع الماضية وانتهت الى لا نتيجة. وبالتالي، الى مراكمة السلبيات والتعقيدات والهواجس على الطريق، بما يُبقي الأفق الانتخابي مقفلاً الى أجل غير مسمّى.
امام هذا المشهد السلبي المضغوط سياسياً والثابت على تناقضات عميقة بين القوى السياسية وافتراق حاد في النظرة الى القانون الانتخابي شكلاً ومضموناً، تضيق الى الحدود الدنيا مساحة الامل في إمكان وضع قانون جديد في المدى المنظور.
حتى انّ الرهان على استفاقة سياسية مفاجئة تزرع الأمل في مساحة مشتركة بين القوى المختلطة وتبشّر بالولادة الميمونة وتنتشل الجنين الانتخابي من رحم الخلافات التي تستعصي على الحلّ يوماً بعد يوم يبقى في هذه الاجواء رهاناً خاسراً سلفاً.
ما الذي حصل؟
4 عناوين:
عملياً إنتهت مرحلة، ودخل البلد في مرحلة جديدة، فإذا ما استعرضنا وقائع مرحلة نقاشات الاسابيع الاخيرة حول القانون الانتخابي، يتبيّن أنّ عجلتها توقفت عند نقطة الفشل، هذه المرحلة حكمتها أربعة عناوين كبرى على مائدة البحث:
• العنوان الأول، هو قانون الستين. فإذا ما استندنا الى المواقف «الظاهرية» لفرقاء النقاش الانتخابي من هذا القانون، يتبيّن انّ هذا العنوان هو الوحيد الذي اقتربوا فيه الى نقطة التوافق حوله، واعتبار قانون الستين صفحة وطويت نهائياً، وإن كانت بواطِن البعض منهم تَشي بغير ذلك.
• العنوان الثاني، هو النسبية الكاملة التي استحال القبول بها، بما فيها صيغة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي هي أدنى أشكال النسبية.
وكان واضحاً الرفض القاطع لتيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط لهذه النسبية، فيما لجأ جنبلاط الى طرح فكرة أخيرة وضعها في يد رئيس مجلس النواب نبيه بري تقول بموافقته على أيّ شكل من أشكال القانون الانتخابي، وخصوصاً المختلط بين الأكثري والنسبي مع تعديل يدمج الشوف وعاليه دائرة انتخابية بمقاعدهما الـ13، على ان ينتخب 7 نواب على اساس النظام الاكثري و6 نواب على اساس النظام النسبي.
وحتى الآن لا يبدو انّ طرح جنبلاط قد لقي قبولاً من مختلف الاطراف، علماً انّ هذا الطرح الذي يراعي الخصوصية الجنبلاطية، أشاع في زوايا سياسية معينة مقولة اذا كانت ستتم مراعاة خصوصية لطرف سياسي معيّن، فالحَريّ أن تراعى خصوصية أطراف سياسية أخرى.
• العنوان الثالث، هو القانون التأهيلي على مرحلتين، مرحلة أولى على مستوى القضاء أكثرياً، ومرحلة ثانية على مستوى دوائر وسطى وما فوق الوسطى نسبياً. ولقد أخذ هذا العنوان جدلاً ونقاشاً كبيرين، وخصوصاً حول حجم الدائرة الانتخابية وكذلك حول نسَب التأهيل التي تبايَنت أرقامها بين من يريد 10% نسبة للتأهيل، وبين من أراد هذه النسبة اكثر من ذلك وصولاً الى 15% و20%. وفي النهاية فشلت هذه الصيغة.
• العنوان الرابع هو المختلط، الذي سقطت صِيَغُه على التوالي بدءاً بالمشروع الذي قدّمه بري (64-64) الذي سقط «قوّاتياً» و«حريرياً»، ثم المختلط الثلاثي بين «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، الذي سقط برفض «حزب الله» و«أمل»، ثم «مختلط باسيل»، أي الصيغة التي قدّمها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في الاجتماع الاخير للجنة الرباعية ويضع عتبة تصنيف 65%.
ويقال انّ هذا المختلط كان واحداً من الاسباب التي أدّت الى نَعي اللجنة وتوقفها عن الاجتماعات. وقد سقط «مختلط باسيل» برفض «حزب الله» و«أمل» وجنبلاط، لأنّ المعترضين عليه وجدوا فيه خللاً تقنياً لناحية تقسيم الدوائر، وكذلك لأنّ خللاً سياسياً يَعتريه، خصوصاً لناحية تذويب مناطق معينة بأطرافها وقواها السياسية، وكذلك لناحية انه يضخّم أحجام بعض القوى المسيحية على حساب كل المسيحيين الآخرين.
النتيجة... لا نتيجة
هنا، تعطّلت لغة الكلام الانتخابي، إنتهت اللجنة، وظلّ التشاور الشكلي قائماً، تارة يأخذ الطابع الثنائي وتارة أخرى يأخذ الطابع الثلاثي. وكانت اللغة مجرد كلام مكرر بصيغ وأفكار مكررة والنتيجة... لا نتيجة. هذا التشاور بما انتهى إليه، إضافة الى ما سبقه من نقاشات، يؤكد انّ الفشل كان عنوان المرحلة الماضية. وسقطت كل الطروحات الانتخابية بالضربة القاضية وانتهت الى غير رجعة.
خطوة رئيس الجمهورية
الّا انّ التطورات التي تسارعت في الفترة الاخيرة، والتي أحاطت تحديداً بإعداد وزير الداخلية نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وامتناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن توقيع المرسوم، فرضت على الاطراف السياسية على اختلافها الدخول في حال تَريّث وتَرقّب وانتظار ما هو آت، خصوصاً أنّ الاجواء السائدة على الخط الانتخابي تؤشّر الى انّ البلد على ابواب مرحلة جديدة من البحث الانتخابي. وخصوصاً انّ مراكز الأرصاد السياسية بدأت ترصد «القصرين»:
- الأول، «بيت الوسط»، الذي سجّل في الايام القليلة الماضية دخولاً مُستجداً لرئيس الحكومة سعد الحريري على الخط الانتخابي، ومحاولته إعادة إحياء النقاش حول القانون المختلط، وهو طرح ذلك بشكل مباشر مع وزير المال علي حسن خليل وباسيل، وكذلك طرحه مع «القوات اللبنانية» عبر الوزير غطاس خوري الذي التقى مسؤولين في «القوات» لهذه الغاية.
ولكن حتى الآن لم تتلق القوى السياسية أيّ طرح مختلط جديد، تبعاً للطرح الاخير للحريري، علماً انّ تيار «المستقبل» لم يعلن انه تخلّى عن «المختلط الثلاثي» مع «القوات» و«الاشتراكي»، والذي يرى المعترضون عليه وتحديداً «حزب الله» و«أمل» أنه لا يصلح كحلّ، ولا كأساس للنقاش نظراً للاختلالات العميقة التي تعتريه.
- الثاني، القصر الجمهوري، في ظل الإصرار الشديد الذي يبديه رئيس الجمهورية على إيجاد قانون انتخابي جديد، وما تجميد الرئيس عون لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة سوى إيذان بنزوله الى الميدان شخصياً بخطوات بدأها مع الامتناع عن التوقيع، وسيستكملها خلال فترة أقلّ من شهر ولا تزيد عن بداية الربيع المقبل.
وفي ظلّ الصمت الرئاسي حول ماهية الخطوة التي سيقدم عليها رئيس الجمهورية، توالت التخمينات السياسية، ومنها:
أولاً، هل سيُعاد إحياء اللجنة الرباعية؟ هنا تقول مصادر عاملة على الخط الانتخابي لـ«الجمهورية»: «إذا كان الاتجاه الى هذا الإحياء فمعنى ذلك عودة الى الفشل من جديد، فاللجنة جُرّبت وفشلت».
ثانياً، هل سيبادر رئيس الجمهورية الى الطلب من الحكومة بعقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء بعد الانتهاء من درس الموازنة الذي يفترض ان يتمّ قريباً، وذلك لوضع الأسس للقانون الانتخابي العتيد إنفاذاً لخطاب القسم وللبيان الوزاري للحكومة، على ان تقترن تلك الجلسات بعمل حثيث للخبراء في المجال الانتخابي يَرفد مجلس الوزراء بالافكار والصيَغ الملائمة؟
ثالثاً، هل سيوجّه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب يطلب فيها التصدي للملف الانتخابي؟ هنا تقول المصادر إنّ هذا الامر، اذا حصل، قد يبدو محاولة إلقاء المسؤولية على مجلس النواب، الذي سبق أن أكّد رئيسه بأنّ مسؤولية إعداد القانون الانتخابي تقع على الحكومة جمعاء.
رابعاً، هل سيبادر رئيس الجمهورية الى الدعوة لعقد طاولة حوار انتخابي، تجتمع حولها القوى السياسية، على أن تكون اجتماعاتها مفتوحة الى حين التوصّل الى قانون انتخابي جديد؟ تقول المصادر انّ هذه الخطوة قد تكون الأقرب الى الواقع.
وبالتوازي مع رصد القصرين، توقعت مصادر عاملة على خط الانتخابات انطلاق نقاش إنتخابي قريب، من دون ان تحدد مستواه او مكانه، لمحاولة إحياء شكل من اشكال المختلط. وكشفت لـ«الجمهورية» انّ أحد الخيارات المرشحة للطرح على الطاولة مجدداً هو «مختلط باسيل»، ولكن بعد ان يخضع لتعديلات جذريّة تعالج الإختلالات التقنيّة والسياسيّة التي تعتريه.
الّا انّ المشكلة تكمن في انّ إمكانية التفاؤل معدومة ربطاً بفشل النقاشات حتى الآن، علماً انّ الشيطان ما زال كامناً في التفاصيل وفي المعايير التي يفترض ان تنطبق على الجميع، كذلك انّ بعض العقد القائمة تحتاج الى ضمانات في القانون الانتخابي نفسه وبالتوازي مع تفاهمات وضمانات سياسية.
وكان لافتاً للانتباه ما قاله وزير بارز لـ«الجمهورية»: «انّ طبخة الانتخابات لم تنضج وقد لا تنضج قريباً، إنما ما أنا أكيد منه هو ان لا انتخابات نيابية قبل أيلول المقبل»، علماً انّ ولاية المجلس النيابي تنتهي في 20 حزيران المقبل. ولم يحدد الوزير المذكور كيفية إدارة مرحلة ما بعد انتهاء الولاية من دون انتخابات، فهل بالتمديد؟
الراعي في بعبدا
سياسياً، شكّلت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى قصر بعبدا ولقاؤه الرئيس عون مناسبة لمناقشة المواضيع المطروحة أبرزها قانون الإنتخاب، حيث أكّد الراعي دعمه مسيرة رئيس الجمهورية في بناء الوطن، داعياً الى «قانون انتخابي يضمَن للمواطن قيمة صوته، فلا يُفرض النواب عليه، وتتمكّن من جهة ثانية كلّ المكونات اللبنانية أن تتمثّل وفق مسار الأمور، في البرلمان». واعتبر أنّ تقنيات القانون «تعود الى مجلس النواب».
ووصفت مصادر بكركي اللقاء مع عون بالممتاز، وقالت لـ«الجمهورية»: «هناك توافق تام بين عون والراعي على أهمّ العناوين الأساسية المطروحة، ومن ضمنها قانون الإنتخاب»، لافتة الى أنّ «دعم الراعي لرئيس الجمهورية من أجل الوصول الى قانون انتخاب عادل يؤمّن صحة التمثيل واضح ومستمرّ، نظراً لِما يشكّل هذا الملف من أهمية وطنية ومسيحية، كما دعمه في كل الملفات الوطنية المطروحة على الساحة».
محادثات جنيف
وفي محاولة جديدة لإيجاد حلٍّ للنزاع السوري الدامي، بدأت أمس في جنيف المحادثات الفعلية برعاية الامم المتحدة عبر لقاءات يجريها الموفد الدولي الخاص ستيفان دو ميستورا مع كل من وفود الحكومة والمعارضة السوريتين بشكل منفصل. وتناولت اللقاءات التي عقدها تحديد شكل المفاوضات، وما اذا كانت ستعقد اجتماعات وجهاً لوجه بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس وفد الحكومة السورية إلى المفاوضات، بشار الجعفري، أنه استلم «ورقة» من دو ميستورا، في نهاية المحادثات بينهما. وقال بعد مناقشات استغرقت نحو ساعتين: «تطرّقنا إلى شكل الاجتماعات المقبلة، وأعني بذلك مسائل تتعلّق بشكل الجلسة فقط».
من جانبه، أعلن رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري إلى مفاوضات جنيف، أنّه أجرى محادثات ثنائية بنّاءة مع دو ميستورا، مشيراً إلى أنّه تسلّم أيضاً من المبعوث الأممي ورقة تخّص الجانب الإجرائي لمفاوضات جنيف. وجاء هذا اللقاء وسط استمرار خلافات بين الأطياف المختلفة من المعارضة السورية التي لم تتمكن حتى الآن من تشكيل وفد موحّد للتفاوض.
حتى انّ الرهان على استفاقة سياسية مفاجئة تزرع الأمل في مساحة مشتركة بين القوى المختلطة وتبشّر بالولادة الميمونة وتنتشل الجنين الانتخابي من رحم الخلافات التي تستعصي على الحلّ يوماً بعد يوم يبقى في هذه الاجواء رهاناً خاسراً سلفاً.
ما الذي حصل؟
4 عناوين:
عملياً إنتهت مرحلة، ودخل البلد في مرحلة جديدة، فإذا ما استعرضنا وقائع مرحلة نقاشات الاسابيع الاخيرة حول القانون الانتخابي، يتبيّن أنّ عجلتها توقفت عند نقطة الفشل، هذه المرحلة حكمتها أربعة عناوين كبرى على مائدة البحث:
• العنوان الأول، هو قانون الستين. فإذا ما استندنا الى المواقف «الظاهرية» لفرقاء النقاش الانتخابي من هذا القانون، يتبيّن انّ هذا العنوان هو الوحيد الذي اقتربوا فيه الى نقطة التوافق حوله، واعتبار قانون الستين صفحة وطويت نهائياً، وإن كانت بواطِن البعض منهم تَشي بغير ذلك.
• العنوان الثاني، هو النسبية الكاملة التي استحال القبول بها، بما فيها صيغة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي هي أدنى أشكال النسبية.
وكان واضحاً الرفض القاطع لتيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط لهذه النسبية، فيما لجأ جنبلاط الى طرح فكرة أخيرة وضعها في يد رئيس مجلس النواب نبيه بري تقول بموافقته على أيّ شكل من أشكال القانون الانتخابي، وخصوصاً المختلط بين الأكثري والنسبي مع تعديل يدمج الشوف وعاليه دائرة انتخابية بمقاعدهما الـ13، على ان ينتخب 7 نواب على اساس النظام الاكثري و6 نواب على اساس النظام النسبي.
وحتى الآن لا يبدو انّ طرح جنبلاط قد لقي قبولاً من مختلف الاطراف، علماً انّ هذا الطرح الذي يراعي الخصوصية الجنبلاطية، أشاع في زوايا سياسية معينة مقولة اذا كانت ستتم مراعاة خصوصية لطرف سياسي معيّن، فالحَريّ أن تراعى خصوصية أطراف سياسية أخرى.
• العنوان الثالث، هو القانون التأهيلي على مرحلتين، مرحلة أولى على مستوى القضاء أكثرياً، ومرحلة ثانية على مستوى دوائر وسطى وما فوق الوسطى نسبياً. ولقد أخذ هذا العنوان جدلاً ونقاشاً كبيرين، وخصوصاً حول حجم الدائرة الانتخابية وكذلك حول نسَب التأهيل التي تبايَنت أرقامها بين من يريد 10% نسبة للتأهيل، وبين من أراد هذه النسبة اكثر من ذلك وصولاً الى 15% و20%. وفي النهاية فشلت هذه الصيغة.
• العنوان الرابع هو المختلط، الذي سقطت صِيَغُه على التوالي بدءاً بالمشروع الذي قدّمه بري (64-64) الذي سقط «قوّاتياً» و«حريرياً»، ثم المختلط الثلاثي بين «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي، الذي سقط برفض «حزب الله» و«أمل»، ثم «مختلط باسيل»، أي الصيغة التي قدّمها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في الاجتماع الاخير للجنة الرباعية ويضع عتبة تصنيف 65%.
ويقال انّ هذا المختلط كان واحداً من الاسباب التي أدّت الى نَعي اللجنة وتوقفها عن الاجتماعات. وقد سقط «مختلط باسيل» برفض «حزب الله» و«أمل» وجنبلاط، لأنّ المعترضين عليه وجدوا فيه خللاً تقنياً لناحية تقسيم الدوائر، وكذلك لأنّ خللاً سياسياً يَعتريه، خصوصاً لناحية تذويب مناطق معينة بأطرافها وقواها السياسية، وكذلك لناحية انه يضخّم أحجام بعض القوى المسيحية على حساب كل المسيحيين الآخرين.
النتيجة... لا نتيجة
هنا، تعطّلت لغة الكلام الانتخابي، إنتهت اللجنة، وظلّ التشاور الشكلي قائماً، تارة يأخذ الطابع الثنائي وتارة أخرى يأخذ الطابع الثلاثي. وكانت اللغة مجرد كلام مكرر بصيغ وأفكار مكررة والنتيجة... لا نتيجة. هذا التشاور بما انتهى إليه، إضافة الى ما سبقه من نقاشات، يؤكد انّ الفشل كان عنوان المرحلة الماضية. وسقطت كل الطروحات الانتخابية بالضربة القاضية وانتهت الى غير رجعة.
خطوة رئيس الجمهورية
الّا انّ التطورات التي تسارعت في الفترة الاخيرة، والتي أحاطت تحديداً بإعداد وزير الداخلية نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وامتناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن توقيع المرسوم، فرضت على الاطراف السياسية على اختلافها الدخول في حال تَريّث وتَرقّب وانتظار ما هو آت، خصوصاً أنّ الاجواء السائدة على الخط الانتخابي تؤشّر الى انّ البلد على ابواب مرحلة جديدة من البحث الانتخابي. وخصوصاً انّ مراكز الأرصاد السياسية بدأت ترصد «القصرين»:
- الأول، «بيت الوسط»، الذي سجّل في الايام القليلة الماضية دخولاً مُستجداً لرئيس الحكومة سعد الحريري على الخط الانتخابي، ومحاولته إعادة إحياء النقاش حول القانون المختلط، وهو طرح ذلك بشكل مباشر مع وزير المال علي حسن خليل وباسيل، وكذلك طرحه مع «القوات اللبنانية» عبر الوزير غطاس خوري الذي التقى مسؤولين في «القوات» لهذه الغاية.
ولكن حتى الآن لم تتلق القوى السياسية أيّ طرح مختلط جديد، تبعاً للطرح الاخير للحريري، علماً انّ تيار «المستقبل» لم يعلن انه تخلّى عن «المختلط الثلاثي» مع «القوات» و«الاشتراكي»، والذي يرى المعترضون عليه وتحديداً «حزب الله» و«أمل» أنه لا يصلح كحلّ، ولا كأساس للنقاش نظراً للاختلالات العميقة التي تعتريه.
- الثاني، القصر الجمهوري، في ظل الإصرار الشديد الذي يبديه رئيس الجمهورية على إيجاد قانون انتخابي جديد، وما تجميد الرئيس عون لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة سوى إيذان بنزوله الى الميدان شخصياً بخطوات بدأها مع الامتناع عن التوقيع، وسيستكملها خلال فترة أقلّ من شهر ولا تزيد عن بداية الربيع المقبل.
وفي ظلّ الصمت الرئاسي حول ماهية الخطوة التي سيقدم عليها رئيس الجمهورية، توالت التخمينات السياسية، ومنها:
أولاً، هل سيُعاد إحياء اللجنة الرباعية؟ هنا تقول مصادر عاملة على الخط الانتخابي لـ«الجمهورية»: «إذا كان الاتجاه الى هذا الإحياء فمعنى ذلك عودة الى الفشل من جديد، فاللجنة جُرّبت وفشلت».
ثانياً، هل سيبادر رئيس الجمهورية الى الطلب من الحكومة بعقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء بعد الانتهاء من درس الموازنة الذي يفترض ان يتمّ قريباً، وذلك لوضع الأسس للقانون الانتخابي العتيد إنفاذاً لخطاب القسم وللبيان الوزاري للحكومة، على ان تقترن تلك الجلسات بعمل حثيث للخبراء في المجال الانتخابي يَرفد مجلس الوزراء بالافكار والصيَغ الملائمة؟
ثالثاً، هل سيوجّه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب يطلب فيها التصدي للملف الانتخابي؟ هنا تقول المصادر إنّ هذا الامر، اذا حصل، قد يبدو محاولة إلقاء المسؤولية على مجلس النواب، الذي سبق أن أكّد رئيسه بأنّ مسؤولية إعداد القانون الانتخابي تقع على الحكومة جمعاء.
رابعاً، هل سيبادر رئيس الجمهورية الى الدعوة لعقد طاولة حوار انتخابي، تجتمع حولها القوى السياسية، على أن تكون اجتماعاتها مفتوحة الى حين التوصّل الى قانون انتخابي جديد؟ تقول المصادر انّ هذه الخطوة قد تكون الأقرب الى الواقع.
وبالتوازي مع رصد القصرين، توقعت مصادر عاملة على خط الانتخابات انطلاق نقاش إنتخابي قريب، من دون ان تحدد مستواه او مكانه، لمحاولة إحياء شكل من اشكال المختلط. وكشفت لـ«الجمهورية» انّ أحد الخيارات المرشحة للطرح على الطاولة مجدداً هو «مختلط باسيل»، ولكن بعد ان يخضع لتعديلات جذريّة تعالج الإختلالات التقنيّة والسياسيّة التي تعتريه.
الّا انّ المشكلة تكمن في انّ إمكانية التفاؤل معدومة ربطاً بفشل النقاشات حتى الآن، علماً انّ الشيطان ما زال كامناً في التفاصيل وفي المعايير التي يفترض ان تنطبق على الجميع، كذلك انّ بعض العقد القائمة تحتاج الى ضمانات في القانون الانتخابي نفسه وبالتوازي مع تفاهمات وضمانات سياسية.
وكان لافتاً للانتباه ما قاله وزير بارز لـ«الجمهورية»: «انّ طبخة الانتخابات لم تنضج وقد لا تنضج قريباً، إنما ما أنا أكيد منه هو ان لا انتخابات نيابية قبل أيلول المقبل»، علماً انّ ولاية المجلس النيابي تنتهي في 20 حزيران المقبل. ولم يحدد الوزير المذكور كيفية إدارة مرحلة ما بعد انتهاء الولاية من دون انتخابات، فهل بالتمديد؟
الراعي في بعبدا
سياسياً، شكّلت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى قصر بعبدا ولقاؤه الرئيس عون مناسبة لمناقشة المواضيع المطروحة أبرزها قانون الإنتخاب، حيث أكّد الراعي دعمه مسيرة رئيس الجمهورية في بناء الوطن، داعياً الى «قانون انتخابي يضمَن للمواطن قيمة صوته، فلا يُفرض النواب عليه، وتتمكّن من جهة ثانية كلّ المكونات اللبنانية أن تتمثّل وفق مسار الأمور، في البرلمان». واعتبر أنّ تقنيات القانون «تعود الى مجلس النواب».
ووصفت مصادر بكركي اللقاء مع عون بالممتاز، وقالت لـ«الجمهورية»: «هناك توافق تام بين عون والراعي على أهمّ العناوين الأساسية المطروحة، ومن ضمنها قانون الإنتخاب»، لافتة الى أنّ «دعم الراعي لرئيس الجمهورية من أجل الوصول الى قانون انتخاب عادل يؤمّن صحة التمثيل واضح ومستمرّ، نظراً لِما يشكّل هذا الملف من أهمية وطنية ومسيحية، كما دعمه في كل الملفات الوطنية المطروحة على الساحة».
محادثات جنيف
وفي محاولة جديدة لإيجاد حلٍّ للنزاع السوري الدامي، بدأت أمس في جنيف المحادثات الفعلية برعاية الامم المتحدة عبر لقاءات يجريها الموفد الدولي الخاص ستيفان دو ميستورا مع كل من وفود الحكومة والمعارضة السوريتين بشكل منفصل. وتناولت اللقاءات التي عقدها تحديد شكل المفاوضات، وما اذا كانت ستعقد اجتماعات وجهاً لوجه بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس وفد الحكومة السورية إلى المفاوضات، بشار الجعفري، أنه استلم «ورقة» من دو ميستورا، في نهاية المحادثات بينهما. وقال بعد مناقشات استغرقت نحو ساعتين: «تطرّقنا إلى شكل الاجتماعات المقبلة، وأعني بذلك مسائل تتعلّق بشكل الجلسة فقط».
من جانبه، أعلن رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات نصر الحريري إلى مفاوضات جنيف، أنّه أجرى محادثات ثنائية بنّاءة مع دو ميستورا، مشيراً إلى أنّه تسلّم أيضاً من المبعوث الأممي ورقة تخّص الجانب الإجرائي لمفاوضات جنيف. وجاء هذا اللقاء وسط استمرار خلافات بين الأطياف المختلفة من المعارضة السورية التي لم تتمكن حتى الآن من تشكيل وفد موحّد للتفاوض.