لم يذهب الرئيس نبيه بري إلى إيران كيّ يقيم صلاة الجمعة ويؤم الجماعة ولا لزيارة الغريب في طوس ولا لزيارة ضريح مؤسس الثورة والدولة الإيرانية ولا لتفقد أحوال القيادة والاطمئنان على صحة المرشد وإن أصابه ما أصابه من حزن على خسارة شخص غير مكرر في تجربتي الثورة والدولة معاً تكاد أن توازي بالنسبة له خسارة الرئيس الشيخ رفسنجاني باقي الخسارات التي أصابت إيران بنخبها من الإمامين الخميني والصدر إلى شريعتي وباقي العقلاء المجاهدين.
لذا كل غنى على ليلاه وإعتبر أن حسابات الرئيس بري في زيارة طهران متعددة الأغراض والأهداف وهي متعلقة في أكثرها بمواضيع داخلية فرضتها ظروف خاصة بالرئيس والتي يستعجل فيها البت في المستقبل السياسي لحركة لا يمكن الإنتهاء من دورها ومهما مرّت بأسباب غير طبيعية لزعزعة صمودها أمام تحولات سياسية وشخصية كبرى ومعقدة وليست ببسيطة.
إقرأ أيضًا: الجماهير التي جعلت الشيطان إلهاً
يبدو الشأن الداخلي للحركة مساحة إختبار لرأي الإيرانيين على ضوء الإنتخابات النيابية القادمة والتي ستحدد شيعياً أسقف القوّة السياسية للثنائيين الشيعيين والتي سيحرص من خلالها الرئيس نبيه بري على تكريس حصة نيابية كاملة لحركة أمل غير مطعمة بالأصدقاء الثابتين التزاماُ منه بضرورة المرحلة التي يمرّ وستمرّ بها أفواج المقاومة كما أنه سيمتزج آراء المعنيين الإيرانيين بتقريب أقرباء للرئيس من الندوة البرلمانية تمهيداً لدور أفعل في التنظيم والسياسة لعلمه المسبق بصعوبة التغير في المنحى الشيعي دون موافقة القيادة الإيرانية خاصة وأن جملة استحقاقات شيعية تفرض التعاون في ما بين المعنيين شيعياً لتمريرها دون تعقيدات فالمجلس الشيعي قاب قوسين او أدنى من إستحقاق التعيين في المواقع الشاغرة والتي ستشغر والإنتخابات النيابية إستحقاق داخلي شيعي أكثر مما هو إستحقاق وطني لأنه سيكرس لسنوات إمّا دور الحركة في السلطة أو تقاسمها مع حزب الله وهذا ما سينزع إلى خلاف جوهري في تركيبة التحالف القائم بين أمل وحزب الله برعايتين إيرانية وسورية في حين إنتهت الرعاية السورية وباتت الرعاية الايرانية وحدها من تملك إماكنية إبقاء الاتفاق على ما هو عليه أو تعديله دون أن يمتعض أحد حتى في قلبه من الرغبة الإيرانية في كيفية توزيع أدوار الطرفين.
إقرأ أيضًا: ماذا تبقى من رفيق الحريري؟
قام بري وجرح المرارة لم يلتئم بعد لزيارة إيران لا كزيارة طبيعية أو عادية بل نتيجة لإستحقاقات شيعية يسعى الرئيس إلى دفع ما أمكن من التعاون لإبقاء الوضع الشيعي على ما هو عليه من تثبيت دور أمل في المؤسسات الشيعية دون تدخل من أحد ومن الاحتفاظ بحصّة أمل في السلطة داخل الدولة.
هناك من يعتبر أن الظروف لم تعد سامحة للرئيس في البقاء على ما هو عليه من ريادة لا ينافسه عليها أحد وأن هناك من البذل لتصحيح الخلل القائم بين التنظيمات الشيعية والذي يجترح حلولاً لا تعطي أمل ما أخذته طيلة بروز حزب الله كقوة ممسكة بالقرار الشيعي بدلاً من حركة أمل.
هذا الرأي منتشر في أوساط تتطلع إلى مستقبل لا يرأسه الرئيس نبيه بري وترى فيه إطباقاً كلياً على الجسم الشيعي من قبل القوي السائد في لحظة إنهيار مكون طائفي بعد فقدان ركائزه.
حتى الآن مازال الرئيس ضرورة يتمسك بها الجميع في الداخل والخارج لذا ثمّة صعوبة في تغير موازين الطائفة الشيعية وإن كانت استعدادت الرئيس مبنية على مرحلة لا يكون فيها بهذه النسبة العالية من الضرورة.