يكثر الحديث عن أن حزب الله سينسحب من سوريا. لا أحد يستطيع اعطاء موعد زمني محدد لهذا الإنسحاب، ولا حتى لشكله وآليته، وإن كانت الأسباب الموجبة لذلك، قد بدأت تظهر، وهي تعزيز الحوار بين السوريين. لكن حزب الله إذا ما اتجه إلى هذا الإنسحاب فسيؤكد أنه أنجز مهمّته التي دخل لأجل تحقيقها، وهي حماية النظام السوري من السقوط وحماية مناطق مهمة في سوريا، ولاسيما العاصمة دمشق ومحيطها.
أي خطوة من هذا النوع لا يمكن فصلها عن مسار التطورات السياسية الدولية. وهذا بند مطروح ومفتوح بشكل دائم على نقاشات ومباحثات دولية. من الناحية الشكلية، فإن إعادة تركيز الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله على رفع سقف التهديد ضد العدو الإسرائيلي، وما يحكى عن توجيهات في أوساط حزب الله للاستعداد لأي احتمال قد تلجأ إليه إسرائيل والاستعداد لمواجهته، يعني بشكل أو بآخر أن الخيار العسكري السوري يتراجع مقابل تقدم الخيار الإسرائيلي. وهناك إشارة أخرى يمكن التقاطها، هي المواقف الدولية المستجدة حول إيران وسوريا، وعودة وزير الخارجية السعودية عادل الجبير إلى التأكيد على مواجهة إيران وحزب الله في سوريا، بعد غياب عن الساحة لأشهر تمتد منذ ما قبل معركة حلب.
تشير أوساط متابعة إلى أن سوريا وضعت بشكل أو بآخر على سكّة البحث عن حلول، وليس على طريق الحروب والمعارك المستمرة. وهذا وفق مسودة إقتراحات يجري التداول فيها بين الولايات المتحدة، روسيا، دول الخليج وتركيا. وهذه المسودة، في حال التوافق عليها، من شأنها أن تحدث تغييراً على الأرض السورية وفي الواقع السياسي، على الأقل إستناداً إلى تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بأن إيران وحزب الله سينسحبان من سوريا، وتصريح الجبير عن إمكانية إرسال وحدات خليجية خاصة إلى سوريا بالتنسيق مع واشنطن، حيث تشارك بلاده منذ فترة في الضربات الجوية التي يشنها التحالف على مواقع تنظيم "داعش" في سوريا. ويرى الجبير أن "الفكرة الأساسية هي تحرير مناطق من تنظيم داعش، ولضمان أن لّا تقع هذه المناطق في قبضة حزب الله أو إيران أو النظام"، في إشارة إلى تسليم المناطق المحررة للمعارضة.
لا شك في أن هناك تخوفاً لدى محور المقاومة من اتخاذ اجراءات جديدة في سوريا، وفق مصادر قريبة من هذا المحور، لافتة إلى أن هذه الخطوات قد تكون ميدانية بدءأ من الجنوب السوري، عبر مشاركة بعض الدول العربية، من خلال زيادة الدعم للمعارضة هناك، على غرار عملية درع الفرات في الشمال. ولا تخفي المصادر وجود اختلافات إيرانية تركية، وإيرانية روسية، في شأن سوريا، إذ لا مشكلة لدى موسكو بإعطاء حصص وإن كانت جغرافية لتركيا لإنشاء المناطق الآمنة. وهذا ما تعارضه إيران بشكل قاطع. وكذلك فإن الإتفاق الروسي التركي يشمل بقاء بعض المناطق الواسعة تحت سيطرة المعارضة بشكل كامل.
هي مرحلة جديدة تدخلها سوريا، حيث تُطوّق الحرب فيها عملياً، في ظل انتهاء الشكل الذي كانت عليه المعارك في السابق، وإن استمرت في غير منطقة. لكن تعديل موازين القوى والصراع على مناطق النفوذ لم ينته بعد، ولا تزال الصورة غير واضحة. وهنا، تلفت المصادر إلى أن قرار حزب الله لا يزال يؤكد وجوب البقاء في سوريا، على أن يتم درس الأمور في حينها. ولكن حين يأتي وقت الإنسحاب، فإن هذا سيحصل من مختلف المناطق السورية، ولاسيما من دمشق ومحيطها وحمص ومحيط إدلب والقلمون. وفي هذا السياق تدرج المصادر المفاوضات التي يجريها الحزب مع مجموعات المعارضة للانسحاب من عدد من قرى القلمون، مقابل عودة اللاجئين إليها.
وكيف يمكن لهذا الإنسحاب أن يحصل؟ انطلاقاً من كلام نصرالله عن احتمال إقدام إسرائيل على خطوة ضد حزب الله، تتنامى فرضية إشعال الجبهة الجنوبية في لبنان. فالحرب قد تندلع رغم استبعاد البعض فرضيتها، لكن الموقف الدولي والإقليمي قد يكون سانحاً لإسرائيل لاتخاذ مثل تلك الخطوة إذا ما بقي العنوان هو تحجيم نفوذ إيران، خصوصاً أن التصريحات الروسية تؤكد الالتزام بأمن إسرائيل الإستراتيجي، وبعدم وجود أي عنصر تهديدي على حدودها.