فيما بدأت تتجمّع في السماء الإقليمية غيوم تبعث على الخوف من مواجهات إقليمية عابرة للأزمات القائمة ولمحادثات الحل السوري في جنيف، في ضوء التهديدات المتبادلة بين إيران من جهة والولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل من جهة ثانية، وفيما بَدا انّ القضية الفلسطينية تتجه الى عود على بدء، مع النعي الاميركي لـ«حل الدولتين»، تبدو الساحة اللبنانية مُربكة بين تطورات الداخل والخارج، ما ينعكس تعقيداً في معالجة الملفات المطروحة، أقلّها قانون الانتخاب المرشّح السجال حوله الى مزيد من التصاعد، وسلسلة الرتب والرواتب التي بدأت تتحول نذير حراك مستدام في الشارع مفتوح على احتمالات شتى، فيما تبدو الحكومة عاجزة عن تحقيق أي إنجاز، أقلّه في ملفّي قانون الانتخاب ومشروع الموازنة الذي لم ينته النقاش فيه فصولاً بعد.
رسمت مصادر سياسية لـ«الجمهورية» المشهد الانتخابي على الشكل التالي:

أولاً، كلّ ما يطرح من صيَغ ما زال على الطاولة بلا بَتّ، ولا يتّسم بالصفة الصلبة التي تجعله آيلاً للنقاش.

ثانياً، كل الصيغ التي تُطرح ليست اكثر من تسلية سياسية لا قيمة لها، خصوصاً انها تكاد تكون بِنت ساعتها، ولم يسجّل على طاولة البحث حتى الآن ايّ نقاش جدّي في صيغة جدية.

واكدت مصادر سياسية لـ«الجمهورية» انّ «طبخة قانون الانتخاب هي طبخة من صوّان وليس من بحص، ولا توجد إرادة جدية سياسية او غير سياسية في كسر هذا الصوّان، خصوصاً انّ اللغة المشتركة بين القوى هي لغة حضّ ظاهري على التعجيل بقانون انتخابي جديد، فيما هي في الباطن وداخل الغرف لغة مصالح وتناقضات، ما يعني انّ قانون الانتخاب ما يزال بعيد المنال.

واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد وَفى بوعده بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، فإنّ المصادر ذاتها تتوقع ان تكون له خطوة تالية لعدم التوقيع، خصوصاً في الاسابيع القليلة المقبلة.

اذ انّ عون يعتبر انّ لغة قتل الوقت التي يلاحظها لدى بعض القوى السياسية بعدم الذهاب الى قانون جديد هي لغة قاتلة للبلد وللعهد. وعليه، فإنّ ما رَشح لهذه المصادر، أنّ عون قد يكون في صدد التحضير لخطوة نوعية، من دون ان تدخل في تفاصيلها او تحديد ماهيتها.

بري

وتؤكد المصادر ذاتها على ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري من أنّ الأوان حان لخطوة حكومية، مُنتقدة ما وَصفته بالاسترخاء في هذا الجانب وكأنّ الامر لا يعني الحكومة، مع انّ قوى سياسية رفيعة المستوى وجّهت نصائح مباشرة وغير مباشرة لأهل الحكومة بوجوب ان تلتزم بيانها الوزاري وبما أعلنه رئيس الحكومة سعد الحريري في هذا المجال، خصوصاً انّ كل تأخير يضعها في موقع المتهم بالتقاعس عن أداء هذا الواجب.

وأشارت المصادر الى «انّ بري عبّر عن أنّ المسألة لم تعد تتحمّل اي نوع من المماطلة، لا سياسياً ولا «مُزايداتياً». وآن الأوان ليقرر أهل السياسة بأنّ قانون الانتخاب لا بد من ان يكون قانوناً جديداً وهذه المسألة حُسمت.

وبالتالي، لا بدّ من سلوك الطريق المؤدية الى إعداد قانون جديد. صحيح انّ هذه المسألة من مهمات النواب والسياسيين، لكن لا عذر للحكومة في أن تبادر أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، لتسهيل حضورها الفاعل لقانون انتخابي يحقق ما ينادي به جميع اللبنانيين: العدالة والمساواة والتمثيل الصحيح والسليم لكلّ المكونات».

المشنوق

وجَدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» التأكيد انه يقوم بكلّ ما هو مطلوب منه في وزارة الداخلية بما خصّ الانتخابات، نافياً علمه بأيّ جديد، قائلاً: «أنا لست من الفريق المفاوض، وأنا اسير بالقانون وكأنّ الانتخابات حاصلة في 21 أيار على اساس القانون النافذ، الّا اذا أقرّوا قانوناً جديداً قبل هذه المهلة».

قلق كتائبي ومحاسبة

وأبدى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل قلقه على لبنان والاستقرار فيه، ونَبّه الى «اننا أمام مأزق وخطر حقيقيين على البلد». ولاحظ «انّ اهل السلطة لم يتفقوا الّا على المحاصصة، داعياً الشعب الى المحاسبة».

وقال انّ كل فريق «ما زال على رأيه في ما خصّ السلاح والاستقرار، ولا اتفاق على قانون انتخابات والبحث مستمر في آلية تمكّنهم من العودة الى السلطة وحصرها بهم». وأضاف: «اذا كان قانون الانتخابات لا يُبحث في المجلس النيابي ومجلس الوزراء ولا يُستفتى الشعب من خلال انتخابات نيابية فمن يحكم لبنان اليوم؟ ومن يقرّر؟

وما هو دور السلطة السياسية؟ وما هو موقع الدستور والمؤسسات؟». وأكّد «أن الحزب أعطى فرصاً كافية وحاول ان يكون ايجابياً «أمّا وقد رأينا أداء السلطة السياسية والمحاصصة فيها فنقول إن لا بديل عن المحاسبة الشعبية في الانتخابات النيابية المقبلة، ليس بهدف محاسبة أفراد انما لتغيير منطق التعاطي بالحياة السياسية في لبنان وإيصال شخصيات لديها روح تغييرية ومستوى عالٍ على الصعيد الأخلاقي».

وجَدّد الدعوة الى «خلوة مفتوحة» في مجلس النواب والقصر الجمهوري والحكومة للاتفاق على قانون انتخاب، واكد انّ «المراوغة ستكون خاضعة للمحاسبة».

الموازنة و«السلسلة»

واقترب مجلس الوزراء من البنود الملتهبة، وبدأ بباب الرسوم والغرامات والضرائب بعد إنجاز برامج القوانين، فعرضَ لجزء منها وأرجأ النقاش الى جلسة تعقد يوم الاثنين الرابعة عصراً في السراي الحكومي، تليها جلستان الاربعاء والجمعة ايضاً للموازنة.

وتوافق المجتمعون على استبدال المادة المتعلقة بفرض غرامات على الاملاك البحرية بمادة قانونية لتسوية المخالفات على الاملاك البحرية، بناء على اقتراح لجنتي الادارة والعدل والاشغال العامة، على ما اعلن وزير المال علي حسن خليل لدى خروجه.

وعلمت «الجمهورية» انّ المادة 14 من قوانين البرامج أخذت حيّزاً كبيراً من النقاش، وهي تلحظ مجموعة قوانين برامج تتعلق بمشاريع خدماتية وإنمائية فتمّ تعديلها، فألغيت قوانين واضيفت أخرى. وتمّت الموافقة على طريق القديسين بين جبيل والبترون، على ان يبدأ العمل بها عند إقرار الموازنة في مجلس النواب.

امّا فيما خَصّ السلسلة، علمت «الجمهورية» انّ اتصالات جرت خارج مجلس الوزراء تمّ الاتفاق فيها على صيغة تسمح للحكومة بفتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة لتغطية نفقات السلسلة مع إقرار قانون الموازنة.

كما تمّ الاتفاق على ربط الضرائب المتعلقة بتمويل السلسلة مع الاخيرة لإقرارها مع ايراداتها، إضافة الى عدد من الاصلاحات التي طرحت سابقاً في لجنة المال والموازنة.

وفيما اكّد خليل انّ الحكومة أنجزت تقدماً كبيراً في نقاش الموازنة، متوقعاً قرب الانتهاء منها، أشار الوزير غسان حاصباني لـ«الجمهورية» الى انّ البحث بدأ يأخذ وتيرة أسرع، كاشفاً انه تمّ إيجاد حلول عملية ستلحظ في نص قانوني واضح ضمن مادة الموازنة وليس الاحتياط.

إجتماع ثلاثي

وكان عقد اجتماع ثلاثي أمس في وزارة المال بين خليل، ووزير الاتصالات جمال الجرّاح ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان. وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» انّ «تقدماً كبيراً سُجّل على محوري الموازنة والسلسلة، بحيث تمّ الاتفاق على إدراج قضية السلسلة في صلب الموازنة بدل الاحتياط على أن يُجاز للحكومة فتح اعتماد بقيمة 1200 مليار تمثّل كلفة السلسلة مع إقرار قانون السلسلة في المجلس النيابي».

واشارت المصادر الى انه «تمّ التوافق على إعادة صوغ المادة 5 المتعلقة بالاقتراض كما المواد 7 و8 و9 و10 من مشروع الموازنة والمتعلقة بالهبات والقروض وصلاحية نقل الاعتمادات والقروض الاستثمارية بنحو يتوافَق مع نقاشات لجنة المال والموارنة وتوصياتها».

«القوات»

وعبّرت مصادر «القوات اللبنانية» عن سرورها لتبنّي مجلس الوزراء وجهة نظرها في موضوع الموازنة، لجهة الإجازة للحكومة وضع مادة في صلب الموازنة تقضي بفتح اعتماد بمبلغ 1200 مليار ليرة لبنانية فور إقرار السلسلة في مجلس النواب، حيث انّ الإنجاز تمثّل بنقل هذا المبلغ من الاحتياط إلى صميم الموازنة، لأنّ كل الخوف كان بنقل هذا الاعتماد إلى مكان آخر.

وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «التطور هو في إقرار الموازنة والسلسلة معاً، وانه لن يكون هناك ضرائب قبل إقرار السلسلة، فيما الضرائب لن تشكل عبئاً على كاهل الناس كون التركيز سيكون على إقفال أبواب الهدر وتخصيص الكهرباء وتحصيل الضرائب وجباية الرسوم المتأخرة وضبط المرفأ والمطار والمرافق الحيوية وترشيد الإنفاق وترشيق الإدارة».

محادثات لبنانية ـ فلسطينية

وفي قراءة سريعة للقاء اللبناني ـ الفلسطيني بين عون والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمحادثات اللبنانية ـ الفلسطينية التي أعقبته، سجّلت دوائر القصر الجمهوري عبر «الجمهورية» ارتياحها الى النتائج التي أفضت اليها، وقالت انّ تفاهماً حصل على تعزيز التعاون في كل المجالات ولا سيما تلك التي ترعى العلاقة بين سكان المخيمات والدولة اللبنانية ومحيطها عبر المؤسسات اللبنانية الأمنية والإجتماعية والإنسانية.

وأكّد عباس «قراره المركزي بمنع القوى الفلسطينية من التدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية واحترام القوانين التي ترعى وجودهم في لبنان ومَنع ايّ توجّه لاستغلال المخيمات تحت ايّ ذريعة لتكون مصدر ايّ خلل أمني يمكن أن تشهده الساحة اللبنانية مع التزام كل أشكال التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية».

وشكّلت القمة مناسبة لتنسيق الموقفين اللبناني والفلسطيني من القضايا المطروحة على القمة العربية، ولا سيما منها التي تعني الملف الفلسطيني في النزاع القائم بين الدولة الفلسطينية الناشئة واسرائيل وقضايا القدس والاستيطان.

وبعدما نَوّه الرئيسان بحضور دولة فلسطين والاعتراف بها، جرت مقاربة للمواقف الدولية التي أدّت الى ما تحقّق على هذا المستوى.

وعلمت «الجمهورية» انّ عباس أجرى تقويماً مفصّلاً لحصيلة جولاته الدولية ومواقف الدول الكبرى من النزاع مع اسرائيل، خصوصاً الحديث الأميركي المتسرّع للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سقوط «حل الدولتين» بما فيها الموانع الدولية التي ستدفع به الى الاعتراف بالأمر الواقع الذي تجاوز القضية في كثير من المجالات.

واستعرض عون وعباس مستجدات الحلول المطروحة للأزمات العربية ولا سيما الازمة السورية، وما هو متوقع من مؤتمرات جنيف بعد مؤتر أستانة، ووجدا انّ هناك صعوبات تحول دون الوصول الى مخارج تسرّع الحلول السلمية.