معظم الاعلام اللبناني يركّز هذه الأيام على القضايا المعقّدة التي يحاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومجلسا الوزراء والنواب إيجاد حلول لها بالتعاون مع "أسياد" الطبقة السياسية، و"أسياد" طبقة رجال المال والأعمال والمصارف والصناعة، و"أسياد" طبقة مهندسي الصفقات وموزّعي "الكوميسيونات" مالية كانت أو سياسية. كما يركّز على القضايا التي قلّصت الطبقة الوسطى ودورها التوازني والاستقراري في البلاد، والتي تهم الموظفين والعمال والفقراء. ورغم شمولية التركيز المشار إليه فإن المواطن يلاحظ نوعاً من توزّع الأدوار بين هؤلاء، هدفه إمرار قانون انتخاب يناسب مصالحهم رغم إدعائهم العمل لمصالح "شعوبهم"، وإصدار موازنة عامة يدّعون أنها ستعيد الاستقرار الى مالية الدولة واقتصادها، وستوفّر حقوق المواطنين، وستضع خططاً تُبقي الحاضر مستقراً وإن بهشاشة، وتعدّ لمستقبل جيّد لم يعد اللبنانيون واثقين أنهم سيبقون على قيد الحياة لرؤيته. ويستعمل المذكورون أعلاه كل أنواع الحجج من أجل تغليب منطقهم وينجحون في معظم الأحيان، ويلجأون الى الطائفية والمذهبية ويمنعون بواسطتهما ولادة تيارات سياسية وشعبية غير شعبوية، ويتابعون توظيف الناس العاديين الذين يحرمونهم حقوقهم كي يستمرّوا في ممارسة هذا الحرمان. فالقطاع الذي يربح ملياري دولار في السنة يعتبر نفسه خاسراً إذا نقص ربحه بضعة ملايين، ويفعل المستحيل ليس فقط لعدم منح ذوي الدخل المحدود ما يمكّنهم من العيش بكرامة، بل أيضاً لخنقهم بالضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة من أجل تمويل "سلسلة" ما أو انقاذ قطاع ما (الكهرباء مثلاً). والقطاعات الأخرى تفعل مثله وكلها محمية من "أسياد" الطوائف والمذاهب والقبائل في الداخل، المحميين بدورهم من قوى خارجية تعتبرهم امتداداً رسمياً لها. لا اريد في هذا المجال التفسير أكثر لكن أرى ضرورة شرح قضية – مشكلة مزمنة هي قانون الايجارات. فالمالكون القدامى يشكون الغبن. والمستأجرون القدامى يرفضون قانوناً يرميهم خارج منازلهم. والفريقان محقّان. علماً أن المالكين القدامى ليسوا كلهم "أغنياء" ويعيشون من أملاكهم، وأن المستأجرين القدامى ليسوا كلهم فقراء. فمجلسا النواب والوزراء والسياسيون الذين يفترض أن يحلّوا هذه المشكلة يحجمون عن ذلك خوفاً من خسارة بعض الشعبية الانتخابية من جهة، وبعض "المكاسب" المادية من جهة أخرى. وعندما يهلّلون أنهم حلّوا المشكلة بقانون جديد يكتشف المعنيون أكثر من خلل يعطي صاحب الحق أكثر من حقه سواء كان مستأجراً قديماً أو مالكاً قديماً أو مالكاً حديثاً. فالحلّ لا يكون بترك المالك يرفع سعر المأجور على هواه بعد مرور ثلاث سنوات كأن يطلب إيجاراً مضاعفاً أو أكثر كما يحصل حالياً. وذلك أمر غير موجود حتى في الدول الرأسمالية التي تضع نسبة محددة لرفع قيمة الايجارات. ولا يكون أيضاً بزيادة سنوات الايجار للمـستأجر القديم من 9 الى 12 سنة مثلاً وخصوصاً اذا كان المالك في حال "تعيسة"، وذلك موجود. بل يكون الحل بسياسة إسكانية تشترك في وضعها وتنفيذها الدولة والقطاعات الاقتصادية كلها بما في ذلك المصارف، وتؤمّن المسكن الصحي للجميع وتحفظ حقوق الجميع.
إقرأ أيضا : هل أدرك بوتين استحالة التحكُّم بترامب؟
في اختصار أردت من هذه المقدمة الطويلة القول أنني سأستمر في متابعة القضايا الدولية والاقليمية تاركاً للزملاء وما أكثرهم في القطاعات الاعلامية كلها التعاطي مع القضايا التي أثرتها أعلاه. إلا إذا حصل ما يستوجب تناولها بعمق وموضوعية وبمعلومات ومعطيات تشرح حقيقة ما يجري وبعيداً من أي انحياز إلا للحق والعدل والقانون والحقوق المشروعة.
ماذا عن الوضع المتخبّط حالياً في أميركا؟
يجيب الصديق الأميركي نفسه الذي يمتلك الكثير من المعرفة والخبرة بأوضاع بلاده وقبل الجواب عن السؤال بتذكّر رئيسين أميركيين سابقين، فيقول إن الرئيس دوايت آيزنهاور (بعد الحرب العالمية الثانية) حذّر الأمّة في خطابه الوداعي عند انتهاء ولايته من التحالف العسكري – الصناعي. واليوم يبدو الصناعيون والمصرفيون الكبار و"وول ستريت" شارع المال والأعمال والمصارف في نيويورك ورؤساء كبريات شركات النفط في موقع السيطرة جرّاء عدد من التعيينات التي قرّرها الرئيس الجديد دونالد ترامب. ويضيف: بما أن الأخير يريد صرف الكثير من المال على القوات المسلحة (إعادة بناء وتسليح) فإن توقّع قيام تحالف كبير ومدهش كالذي حذّر منه آيزنهاور يصبح في محله. ماذا قال عن الرئيس جورج بوش الأب؟