وتندرج في ذات السياق الزيادات التي أُدخِلَتْ على ضرائب ربح التحسين وأرباح التفرّغ عن الأصول الثابتة بما فيها التفرّغ عن العقارات. ورفعت هذه الزيادات مجمل هذه الضرائب من معدَّل 10% إلى 15%، أي بزيادة نسبتُها 50% ! فلماذا لا تُرفع تدريجياً أسوةً بضريبة القيمة المضافة التي زيدت من 10% إلى 11%.
وحبّذا لو تضمّن مشروع الموازنة تخفيضاً لموجب التصريح عن القيمة المضافة بحيث يترتّب على كل قطاع المؤسّسات، فلا يصبح رقم الأعمال (حتى 150 ألفاً) حجّةً للالتفاف على موجب التصريح وتالياً على أداء الضريبة! هل يمكن الإدارة الضريبيّة أن تعلن عدد المؤسّسات التي تصرّح عن هذه الضريبة من أصل أكثر من 370 ألف مؤسّسة عاملة.
يضاف إلى ذلك أن المادة 68 تُلغي حق الاسترداد والإعفاءات كلّها عن الجرائد والمستشفيات والمؤسّسات التربوية، وبخاصة الجامعيّة منها، ما سيرفع كلفتها وتنعكس تالياً على كلفة الاستشفاء والتعليم..
وترهق التعديلات الضريبيّة نواحٍ حياتية كثيرة للناس العاديّين. فهي تفرض (المادة 69) رسم 6000 ل.ل. على كل طن من الإسمنت ، أي ما يوازي 4% على السعر؛ وها هي تُضاعِفُ خمس مراتٍ الرسوم على المشروبات الروحية (المادة 70) ما يؤثّر على عمل العديد من المؤسّسات التجارية والسياحية وما يشجّع التهريب بأبشع صوَرِه.
تضع الموازنة في موادها 71، 72، 73 و74 رسوماً على المغادرين عبر الجو بقيمة 75 ألف ل.ل. للدرجة السياحية. ورسوماً على الحاويات (80 ألفاً لـ 20 قدماً و 120 ألفاً لـ 40 قدماً).
ومن شأن هذه الرسوم المتزايدة أن تحدّ من تنافسيّة السفر إلى لبنان، إذ باتت بطاقات السفر الى بيروت من الأعلى عالمياً قياساً الى المسافة. وحتى جوائز اليانصيب الوطني تخضعها المادة 74 لنسبة ضريبة قدرها 20% لما تعدّى 10 آلاف ل.ل.
أخيراً وليس آخراً، لقد تمَّ ابتداع رسم قدره 2% (المادة 75) من أصل قيمة رسم الفراغ العقاري، وفي حال عدم تسجيل العقد في الصحيفة العينية خلال سنة واحدة يسقط حق الاسترداد ويصبح عملياً رسم التسجيل 7% بدلاً من 5%.
يكمن مِسكُ الختام في المادة 83 التي تنصّ على تقسيط ديون الدولة للضمان الاجتماعي على عشر سنوات وبدون فائدة. ما يعني تآكل قيمة هذه الديون من خلال التضخّم. وتعطي هذه المادة لوزير المالية سلطة تقرير الأقساط السنوية.
إنها أموال المضمونين، فكيف يقبل الاتحاد العمالي العام بأن يتخلّى ببساطة وبسهولة عن حقوق المضمونين أي عن حقوق العاملين بأجر في البلد! وليتذكّر أعضاء مجلس إدارة الضمان كيف واجهنا بالرفض القاطع هذا الطرح المتكرّر من قبل حكومات سابقة.
بالعودة إلى الضريبة على الفوائد التي يقترح مشروع موازنة العام 2017 في المادة 67 رفعها من 5% إلى 7% كما يفرض طريقة احتساب جديدة للضريبة في ما يخصّ المصارف.
وطبعاً، لجمعية المصارف في هذا الموضوع موقف يتلخّص بأربع نقاط: ترتكز الأولى على كون طريقة الاحتساب الخاصة بالمصارف تخلق تمييزاً مزدوجاً بين المصارف والمؤسّسات الأخرى الخاضعة للضريبة على الأرباح المحققة، إذ سيكون معدّل ضريبة الأرباح لدى المصارف في المتوسط 34% مقابل 17% لقطاع المؤسّسات؛ وتخلق تمييزاً فيما بين المصارف ذاتها، إذ ستراوح هذه الضريبة من 17% إلى 76% تبعاً لحجم المصرف ولتكوّن بنية توظيفاته. وتتمثل المأخذ الثاني في عدم جواز التكليف بمفعول رجعي.
فالأدوات موضع التكليف أي سندات الخزينة وشهادات الإيداع تحملها المصارف في محافظها لفترة زمنية تبلغ 7 سنوات في المتوسط؛ وترى الجمعية ثالثاً أن تثقيل أرباح المصارف بهذه الأعباء الضريبية الجديدة يجعل الاستثمار في القطاع غير جاذب للمستثمرين الجدد في فترة تحتاج المصارف إلى زيادة كبيرة في رساميلها للالتزام بمعايير الصناعة المصرفية العالمية: معايير بازل للملاءَة والسيولة والمعايير المحاسبية المالية الدولية IFRS9 وغيرها.
وترى الجمعية رابعاً وأخيراً أن هذه التعديلات الضريبية ستزيد كلفة موارد المصارف وتوظيفاتها بالضرورة، ما يرفع كلفة تمويل الاقتصاد وتالياً يحدّ من النمو في الفترة القادمة في حين أن سياسة الدولة المعلنة في بيانها الوزاري ورئاسة الجمهورية في خطاب القسم التزمت تحفيز الاقتصاد لا قمع الاستثمار أو ردعه.
يتساءل المواطن لمَن ولماذا كل هذه الضرائب والرسوم؟ فزيادة الضرائب في اقتصاد منعدم أو قليل النمو يعمِّق الركود ويطيل فترة انطلاق الحركة الاقتصادية.
ويتساءَل المواطن كيف نحمِّل الاقتصاد والناس هذا الكمّ من الضرائب والرسوم دفعةً واحدةً فيما الدولة قاصرة عن وقف التهرّب الضريبي من قبل شرائح واسعة من المكلّفين بل وغير قادرة على جباية ضرائبها من مناطق واسعة في البلد.
فالهدر المنظَّم في المرافق والمرافئ العامة بات واضحاً وفاضحاً. والضرائب والرسوم الجديدة تعني في النهاية مضاعفة أعباء فئات ومناطق بعينها تلتزم تأديتها.
ويُضعِف مثل هذه التمييز الشعور بالمواطنة ما يقوّي الانكفاء والهجرة ويؤدّي في النهاية الى ضمور قاعدة التكليف الضريبي. فلا يستسهلنَّ أحدٌ زيادة وفرض الضرائب والرسوم.
أخيراً، معلومة لمن يستهدف القطاع المصرفي عمداً أو جهلاً: المصارف تحتاج إلى تقوية أموالها الخاصة واحتياطاتها ومؤوناتها من خلال أرباحها واستثمارات جديدة لكي تستمرّ في تمويل الدولة (39 مليار دولار) والاقتصاد 55 (ملياراً) وفي دعم احتياطات مصرف لبنان فيتمكّن من تثبيت سعر صرف الليرة.
ذلك أن قواعد المحاسبة المالية العالمية الجديدة IFRS9 التي ستطبّق عام 2018 تصنّف مخاطر القطاع الخاص والدولة اللبنانية والبنك المركزي بمستوياتٍ عالية جداً، بما يتطلّب رسملة عالية في موازاة هذا التصنيف.