أنه قدر الشعب اللبناني أن يعيش في بلد على حدود دولة فلسطين التي تم اغتصابها من قبل العدو الإسرائيلي، وأن يتصدر لائحة الشعوب التي دفعت اثمانا باهظة جراء هذا الإحتلال تحت شعار التحرير الذي رفعته أنظمة عربية وغير عربية تاجرت بفلسطين وبشعبها تحت مسمى القضية الفلسطينية سيما وأن النظام الطوائفي اللبناني ممزوج بنفحة من حرية التعبير عن الرأي مما شكل ثغرة واسعة لتسلل النزاعات العربية والصراعات الإقليمية والدولية إليه. ذلك أن أجهزة استخبارات العالم كله وجدت في هذا البلد الصغير والضعيف موطىء قدم لها ومرتعا لنشاطاتها في ظل سلطة هشة ومهترئة يتقاسم مغانمها زعماء طوائف ومذاهب غابت عن قواميسهم الروح الوطنية وحلت محلها نوازع الجشع والطمع لجمع ثروات طائلة على حساب مصلحة الوطن وعوامل التوحش للاستئثار بالسلطة، ولو أدى ذلك للاستعانة بالخارج والعمالة له على حساب العيش المشترك وضرب المؤسسات في البلد، وخصوصا المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. ما أتاح للعديد من الدول العربية والإقليمية إنشاء أحزاب وتنظيمات وميليشيات مسلحة مرادفة للجيش اللبناني ولباقي القوات العسكرية والأجهزة الأمنية.
ولم تسِتطع عقود من الزمن أن تمحي من ذاكرة اللبنانيين الشعارات التي ملأت شوارع العاصمة وأكثر المدن اللبنانية أن طريق فلسطين يمر في بيروت وجونية التي رفعتها منظمة التحرير الفلسطينية التي حطت رحالها على الأراضي اللبنانية واستخدمتها منطلقا لعملياتها الفدائية ضد إسرائيل كباقي المنظمات الفلسطينية الأخرى.
إقرأ أيضا: حزب الله يثير هواجس الغرب
هذا الواقع أعطى ذريعة للعدو الإسرائيلي لقيام طيرانه الحربي باستباحة الأجواء اللبنانية مستهدفا شخصيات فلسطينية بارزة ومواقع ومراكز تشغلها قيادات سياسية ووحدات عسكرية وامنية تابعة لمنظمات فلسطينية على الأراضي اللبنانية، عدا عمليات الاغتيال التي كانت تتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع السلطة اللبنانية بكافة أجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية الغارقة في خلافاتها المذهبية والطائفية والحزبية والتي كانت سببا في تشتيت اللبنانيين وتحويلهم إلى شعوب وقبائل متنازعة ومتفرقة تضعف قوة تأثيرها في صناعة القرارات المصيرية التي من المفترض أن تحفظ البلد وترعى مصالح أبنائه وتؤسس لمستقبل زاهر لأجياله الناشئة.
إلى أن جاء الاجتياح الإسرائيلي ووصلت جحافل الجيش الإسرائيلي إلى مشارف العاصمة بيروت واحتلت نصف الأراضي اللبنانية فيما النصف الباقي واقع تحت الاحتلال السوري فيما أطلق عليه بالوصاية السورية التي عاثت أجهزتها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها فسادا وافسادا للنفوس ولمقدرات البلد وخيراته.
واليوم وفي ظل هيمنة حزب الله على البلد والذي أقدم على الإمساك بمفاصله بعد الانسحاب السوري منه وانكفاء إسرائيل عن الجنوب فإنه استطاع ومن خلال امتلاكه جيش من المتفرغين يقدر بعشرات الآلاف ومزود بأسلحة متطورة ومنظومة صاروخية بتقنية عالية الفعالية والدقة إضافة لامتلاكه كتلة نقدية هائلة أن يصادر قرار البلد ويربطه بالمشروع الإيراني في المنطقة مستخدما الساحة اللبنانية منطلقا لتوزيع الرسائل في الاتجاهات التي تخدم الإستراتيجية الإيرانية متغافلا عن المخاطر التي تهدد البلد في نهضته العمرانية واقتصاده ومصلحة اللبنانيين في امنهم واستقرارهم.
إقرأ أيضا: رسائل نصرالله إيرانية المنشأ.
وليس خافيا أنه وفي هذه اللحظة الإقليمية أن التهديدات التي يطلقها حزب الله بتوجيهات إيرانية فهي لا تخدم سوى التوجهات العدوانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ولا يمكن أن تؤدي سوى إلى جر المآسي والويلات على لبنان وتعريضه لمخاطر حرب إسرائيلية قد لا تبقي ولا تذر سيما وأن إسرائيل دائما تبحث عن طرف يطلق التهديدات ضدها لتبرير سياسة فرض احتلالها الضفة الغربية ولتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن أرضهم.
مع الإشارة إلى أن إيران تدرك جيدا عمق التغيير الذي حصل في واشنطن مع وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة واختياره لفريق عمل ممن يكنون العداء الواضح لطهران واتهامها بأنها راعية الإرهاب مقابل علاقتهم الوثيقة بأسرائيل.
لا شك أن إستمرار وقوع طهران ضحية وهم يتمثل بدور اقليمي لإيران في المنطقة سوف لن يعود عليها وعلى الشعوب العربية بغير الويلات والخيبات وأولى ضحايا هذه السياسة الإيرانية يتصدر لبنان قائمة الدول المتضررة لالتحاقه بركاب هذه السياسة التي فرضها عليه حزب الله.