فقَدَ راجي والده منذ أسبوعين، إلّا أنّ حالة ابنه جورج (8 أعوام) تقلق الوالدة، مع العلم أنها احتاطت لهذا الأمر، وأبعدته من البيت لمدة 3 أيام، فترة الدفن والعزاء. على رغم ذلك، يعاني جورج من مشاعر وأفكار سلبية شبه دائمة وعدم رغبة في الخروج والتسلية. «يعيش ابننا في عزلة وحزن شديدين، وهو لا يتوقّف عن البكاء، مع أننا قررنا ألّا نبكي أمامه كي لا يتعذب. يُصاب جورج بنوبات من الغضب الشديد، على رغم محاولتنا حمايته. كيف أحمي إبن الثماني سنوات من الحزن والأسى؟»يتساءل كثيرون هل يفهم الأطفال معنى الموت؟ كيف نخبرهم به؟ وهل يجب أن يشاركوا بمراسم العزاء؟
الموت حق
يحتل الموت المرتبة الأولى في مسبّبات القلق لدى الإنسان، فمهما طال عمره، هو مائت. إلّا أننا على رغم حتمية الموت، ترانا نتهرّب من تقبّل هذه الحقيقة، فنلجأ إلى شغل أنفسنا عنها بالأعمال والإنجازات، بالأفراح وتفاصيل الحياة بطريقة لاواعية، وذلك هرباً. أمّا الأشخاص الذين يركّزون على حتمية الموت فيُصابون باضطرابات القلق والخوف وصولاً إلى الإكتئاب.
كيف يتلقّى الأولاد خبر الموت؟
يعاني الآباء والأمهات من ردّة فعل أبنائهم بعد فقدان أحد الأقارب أو الأصدقاء، بصورة خاصة الجد والجدة، فيحاولون حمايتهم بكلّ ما أوتوا من قوى. ومع ذلك يتخبّط الأولاد ويعانون الفقد.
إنّ إخفاء وقوع الموت «خطأ»، إذ لا يمكن تجنّب حدوثه والإبتعاد عن هذه الحقيقة. ويجب أن يبدأ الأهل بتحضير الأبناء منذ الصغر على التعامل مع الموت بشكل حقيقي وواقعي. فليشارك الأطفال في الوداع الأخير، ويعيشوا حقيقة الأمر الواقع، ليصدقوه ويتأقلموا معه.
كما نعلّم أبناءنا القراءة والكتابة والنظام في الحياة اليومية، ونترافق وإياهم في المناسبات السعيدة، علينا تنشئتهم على تقبل الخسارة والحزن، ما ينمي المرونة لديهم، ويبعدهم عن الإصابة بصدمة عاطفية على أثر موت أحد المقرّبين.
لنتذكّر بأننا كآباء وأمهات القدوة والمثل الأعلى لأولادنا، هم يقلّدوننا في عاداتنا وطريقة كلامنا وتفاعلنا مع الأفراح والأتراح، وبالتالي، كلما تمتعنا بالقدرة على التحمل وتقبل الخسارة، كلما خفّت وطأة الحزن عليهم.
خطأ
• عدم إخبار الأطفال بموت أحد الأقرباء.
• إبعادهم من المنزل وأمكنة العزاء.
• كبت الحزن والبكاء في حضورهم.
• إشراكهم في المناسبات المفرحة فقط.
كيف ننقل خبر الموت للأولاد؟
أكثر الأمور أهمية في تنشئة الأبناء هو تنمية ثقتهم بأنفسهم، واعتمادهم على ذواتهم، مع إشعارهم الدائم بالأمان والإستقرار. وتساعدهم النشاطات الرياضية والترفيهية، على التخطي والإستمرار في الحياة اليومية على رغم الطوارئ السلبية التي لا بد منها، كما تُبعدهم عن الوحدة والإنعزال، لأنّ ذلك يشعرهم بغياب المفقود، الذي تعلقوا به، وأغناهم وجوده عن العديد من الأقارب والأصحاب.
وهذه بعض من السلوكيات التي يجب اتباعها مع الأولاد حتّى يتقبّلوا الفقد.
• نتصرف أمامهم بشكل طبيعي، حتى لو أصيبوا ببعض القلق.
• نشركهم بمراسم الوداع الأخير.
• نبكي على مَن رحل، ونعترف بحبّنا واشتياقنا له.
• نشرح مراحل الحياة المفصلية للأطفال منذ الصغر، كالولادة، المرض، الزواج والموت، كما الأحداث غير المنتظرة، مع مراعاة مراحلهم العمرية.
• 1 لغاية 6 سنوات
لا يفهم الأطفال معنى الموت الحقيقي، بل كأنّ الآخر ذهب في رحلة، وبالتالي تكون إجابات الأهل البسيطة دائماً مفيدة، دون أن يعدوهم بأنه سوف يعود.
• بين 7 و12 عاماً
من الأفضل أن يشارك الأطفال في العزاء، مع تأكيدنا لهم بأننا (كأهلهم) لن نموت قبل أن يتقدّموا كثيراً في العمر، وتصبح لهم عائلة خاصة وأولاد. كما من مسؤوليتنا أن نخفّف من قلقهم بقولنا إنّ جميع الناس يموتون في النهاية، لكنّ أكثريتهم تعيش طويلاً. ونؤكد لهم بأننا سنكون دائماً إلى جانبهم للإهتمام بهم، فيعيشون طويلاً.
تفاعل الأولاد
يزيد من حدة صدمة الأطفال العاطفية على أثر موت قريب، نوعية العلاقة التي كانت تربطهم به، ومستوى التعلق. فكلما كانت العلاقات مميّزة معه، كلما زاد حزنهم وصَعُب عليهم تقبّل الأمر الواقع.
وتؤدي طريقة عيش كلّ طفل للفراقات السابقة في الحياة ومنها الفطام، الذهاب إلى المدرسة أو سفر أحد الأبوين دوراً في تقبّله فراق الموت... بالإضافة إلى شخصية الطفل، وبنيته الذاتية، وبنية عائلته ومجتمعه ككلّ. من الأفضل أن نشرح له بأنَّ مَن مات لم يعد باستطاعته أن يعيش بسبب كبر سنه، أو مرضه لدرجة أنه لم يعد بإمكانه التنفّس والأكل والشرب.
ينتج عن وفاة قريب شعور الأطفال بالذنب لأنهم لم يتمكنوا من فعل شيء لإنقاذ من فقدوا، وتخليصه من الموت. كذلك هم يخافون من فقدان من يحبون أو من أن يموتوا هم أنفسهم.
يكمن دور الأهل في إشعار الطفل بالأمان والإستقرار، السماح له بتذكر الشخص الراحل والإشتياق له، والأمور التي كانا يقومان بها معاً، والنظر إلى الصور لتذكر الماضي، ما يخفف من الحرقة واللوعة، خصوصاً إذا توفر من يستمع للطفل ويشاركه ذكرياته.