سألت مصادر سياسية لبنانية مواكبة لاجتماعات اللجنة الرباعية، ومن خلالها فريق الخبراء، في محاولتهما التوافق على قانون انتخاب جديد، عن الأسباب الكامنة وراء إصرار رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على مجاراة «حزب الله» في طروحاته الانتخابية، بالنسبة إلى اعتماد النسبية الكاملة بعد التأهيل في الدائرة الانتخابية والتي لقيت رفضاً من «تيار المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» اللذين يصران على القانون المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، وهما يتناغمان في طرحهما هذا مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، الذي كان تقدم إلى رئيس المجلس النيابي بأفكار يقارب فيها المختلط؟
وقالت المصادر المواكبة إن طروحات باسيل الانتخابية تكاد تكون متطابقة مع طروحات «حزب الله»، مع تباين طفيف يتعلق بالنسبة التي يحصل عليها المرشح في الدائرة ليكون في وسعه التأهل لخوض الانتخابات على المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية شرط اعتماد النسبية الكاملة.
ولفتت إلى أن «حزب الله» يقترح على المؤهل لخوض الانتخابات على أساس المحافظة، الحصول على 10 في المئة من أصوات الناخبين في الدائرة، بينما يقترح باسيل حصر التأهيل بمرشحين عن كل مقعد في الدائرة الانتخابية.
وعزت المصادر نفسها تمسك «حزب الله» بموقفه من التأهيل إلى أنه يريد حجز مقاعد لحلفائه من غير الشيعة، نظراً إلى صعوبة حصول حلفائه على نسبة عالية من أصوات المقترعين تؤهلهم لخوض الانتخابات في أي محافظة.
وإذ اعترفت بأن اجتماعات اللجنة الرباعية، ومن خلالها فريق الخبراء، وصلت إلى حائط مسدود، أكدت أن هذه الاجتماعات معلقة الآن لأن لا جدوى من استمرارها طالما أن هناك صعوبة في التوصل إلى حد أدنى من القواسم المشتركة التي تدفع نحو التوافق على قانون انتخاب جديد.
ونقلت المصادر عينها عن بعض الأطراف المشاركين في اللجنة الرباعية استغرابهم إصرار باسيل على التمسك بطروحاته على رغم أنه تبلغ من معظم الأطراف المعنيين بقانون الانتخاب، باستثناء «حزب الله»، أن ما يطرحه غير قابل للتسويق.
وسألت كيف يتطلع باسيل إلى وضع قانون انتخاب جديد في الوقت الذي يمضي في طروحاته التعجيزية، ويصر على الدفاع عنها طالما أن «المستقبل» و «القوات» و «اللقاء الديموقراطي» ليست في وارد الموافقة عليها أو القبول ببعض ما فيها من بنود؟
وكشفت أن الرئيس بري كان كلف معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل التواصل مع الأطراف الرئيسيين المعنيين بالتوافق على قانون انتخاب جديد للوقوف على رأيهم حيال الأفكار الانتخابية التي أودعه إياها جنبلاط، وقالت إن مجرد تكليفه مهمة استطلاع رأي هؤلاء الأطراف، ينم عن رغبة رئيس البرلمان في تبني ما طرحه حليفه الذي ارتأى أن هناك ضرورة لمقاربة المختلط بانفتاح وإيجابية، ما يعني أن لديه أكثر من تحفظ على مشروع باسيل.
وقالت المصادر هذه إنها لا تعرف من أين يستمد باسيل قوته لفرض قانون انتخاب على قياس طموحاته السياسية، وسألت عن مدى صحة رهانه -كما قال عدد من الوزراء على قدرته على تنعيم موقف «المستقبل» وصولاً إلى إقناعه بضرورة تبنيه مشروعَه، وعندها سيضطر جنبلاط إلى التسليم به أمراً واقعاً.
ورأت أن رهان باسيل ليس في محله، وأن قدرته على فرض مشروعه لا تستند إلى معطيات بمقدار ما أنه يتبع سياسة تهبيط الحيطان، مستفيداً من قرار لدى «المستقبل» بعدم الانجرار إلى خلاف معه، وهذا ما ينسحب أيضاً على «القوات»، مع أنهما أبلغاه بأن مشروعه غير قابل للحياة.
واعتبرت أن إصرار باسيل على ممارسة سياسة العناد التي تتجلى في تمسكه بمشروعه الانتخابي والدفاع عنه ستؤدي في نهاية المطاف إلى إغراق البلد في اشتباك سياسي. وقالت إن وزير الخارجية يحاول الإفادة من المواقف الداعمة لـ «حزب الله» التي كانت صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال عون والتعامل معها على أنها بمثابة فائض قوة يوفرها له الحزب لتسويق مشروعه الانتخابي.
وأكدت المصادر المواكبة أن أي قانون انتخاب جديد يجب أن يأخذ بالظروف السياسية، أكانت داخلية أم خارجية، لأنها تبقى أقوى من القانون، باعتبارها تشكل الإطار السياسي العام له.
وفي هذا السياق، سألت المصادر هذه ما إذا كان «حزب الله» سيتصرف مع قانون الانتخاب الجديد على أساس أن لديه فائض قوة يستمده من تبدل الأوضاع في سورية لمصلحة محور الممانعة الذي هو أساسي فيه، وهو يحاول توظيفه في العراك الدائر حول قانون الانتخاب ليؤتى ببرلمان جديد يعكس الواقع السياسي المستجد في البلد، على قاعدة أن هناك منتصراً يراهن على قدرته على أن تؤدي الانتخابات إلى نتائج لا تشغل بال الحزب، ليس لتشريع وجوده السياسي الذي لا غبار عليه والجميع يعترف به، وإنما لتكون له اليد الطولى في اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصاً في مرحلة ما بعد انسحاب مقاتليه من سورية.