على وقع سقوط المهل والسير السريع الى تأجيل الانتخابات النيابية، بفعل تعذّر الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، يدخل الوضع الداخلي في مرحلة يتَّسم إيقاعها بالرقص على أنغام التطوّرات المتغيّرة في المنطقة.تلك التغيّرات التي استهلّها «حزب الله» برفع حرارة الاشتباك الكلامي مع اسرائيل، وبخفض حرارة قانون الانتخاب وكل الاستحقاقات الداخلية حتى التجميد، بما يُشبه الدخول بين حدَّي الانقلاب على التسوية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً، أو تخفيف انطلاقتها الى الحدّ الأدنى، تناغماً مع التصعيد المتوقع في المنطقة.
عملياً، يَبدو أنّ البحث الجدي في قانون الانتخاب قد توقّف فعلياً عند آخر العروض التي تَقدَّم بها الوزير جبران باسيل، الذي قدَّم صيغة المختلط ورفضها «حزب الله»، ثمّ أعقبها بصيغة التأهيل من القضاء للمحافظة إرضاءً للحزب، ورفضتها «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط.
وإذا كان النقاش حول القانون قد توقف حتى إشعار آخر، فإنّ ما حصل يدلّ على أنّ التباساً قد حصل في التنسيق الانتخابي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، خصوصاً في ما يتعلّق بقانون التأهيل والنسبية.
فإذا كان «التيار» يؤيّد النسبية والتأهيل اللذين يشكلان مطلباً لـ»حزب الله»، فإنّ «القوات» جاهرت برفض الصيغتين، اللتين ستؤدّيان وفقاً لحسابات الماكينات الانتخابية الى فوز «حزب الله» وحلفائه (من دون التيار) بأكثر من ثلث مجلس النواب، فيما ستؤدّي الصيغتان الى إنقاص كتلة «القوات» و«التيار الوطني الحر» مجتمعين من 55 نائباً الى 45 نائباً، ولن تتوافر هذه الحصة الكبيرة إلّا وفق القانون المختلط مع بعض التعديلات، هذا القانون الذي بات ينال حسب بعض الأوساط أكثرية تفوق الـ65 نائباً فيما لو طرح على التصويت في الهيئة العامة للمجلس النيابي.
وفي المعلومات، أنّ «القوات اللبنانية» أبلغت الى معظم الأطراف من حلفاء وغير حلفاء تمسّكها بالقانون المختلط، خصوصاً أنّ جنبلاط أبدى مرونة في الموافقة على التعديلات التي طرحت في الشوف وعاليه، ويمكن الحزب إذا صفَت النيات أن يطرح تعديلاته على صيغة المختلط، لكن يبدو أنه يذهب أكثر الى التشدّد والتمسّك بالصيغ التي تؤمّن له «الثلث النيابي الضامن الصافي»، حيث يريد أن ينال مقاعد سنّية ومسيحية خاصة به وبتحالفاته.
ويرى مطّلعون أنّ المناخ المتشنج الذي عكسته الايام الماضية، بعد إطلاق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مواقفه تجاه السعودية، وتهديداته لإسرائيل، إنما يعكس سعياً إلى التجميد الداخلي، بقصد الاحتفاظ بأوراق للتفاوض والمساومة، في ظلّ توقّع حصول تصعيد إقليمي كبير.
ويشير هؤلاء إلى أنّ «حزب الله» يستعدّ لمرحلة طويلة من الجمود، مهَّد لها بتوجيه رسالة واضحة ومباشرة إلى عون مفادها أنّ أيّ سعي لاعتبار المجلس النيابي فاقداً للشرعية إذا لم تُجرَ الانتخابات في موعدها، ستتمّ مواجهته، وأنّ الفراغ ممنوع، وأنّ المجلس النيابي سيكمل مهماته بنحو عادي اذا تعذَّر إجراء الانتخابات، لأنّ المرحلة تقتضي الحفاظ على الهدوء والاستقرار، وعدم التورّط في جدل دستوري حول عمل المؤسسات.
ويضيف هؤلاء أنّ رسالة الحزب تعكس استعداداً لمرحلة مقبلة سيسودها كثير من علامات الاستفهام ومن الفوضى الدستورية، ويسألون عمّا سيكون عليه موقف عون الذي فضّل الفراغ على إجراء الانتخابات بقانون الستين، إذا ما استمرّ عمل المجلس النيابي، سواءٌ مدّد لنفسه ام عدّل المهل الدستوية.
فهل سيرضى عون بالتمديد المقنع الذي يؤيّده «حزب الله» تحت عنوان استحالة الاعتراف بالفراغ وتسيير المرفق العام، أم أنّه سيخوض مواجهة حول تفسير الدستور، أم أنّ كتلته ستقدّم في هذه الحال استقالتها من المجلس النيابي مع كتلة «القوات اللبنانية»؟
علماً أنّ أيّ إجراء سيتّخذه عون لن تكون له القوة الدستورية اللازمة، لسهولة الالتفاف عليه بمواد دستورية مضادة، ولأنّ عون نفسه خرق المحظور بامتناعه عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وهو ما يشكّل في نظر كثير من خبراء الدستور خرقاً واضحاً للدستور.