أبرز المفارقات التي ميزت الشهر الاول من ولاية الرئيس دونالد ترامب، تعيينه عدداً من الجنرالات المتقاعدين في مناصب حساسة في مجال الامن القومي، كل منهم يحظى بسمعة جيدة ويتحلى بصفات شخصية، مثل التأني والحكمة في صنع القرار وتفادي التهور وثبات المواقف، وهي صفات تختلف جذرياً عن صفات الرئيس الذي يميل الى القرارات الاعتباطية، والكسل الذهني، والتهور، والمبالغة وحتى الكذب. هذه المقارنات عادت الى الواجهة مع تعيين الجنرال أيتش. آر. ماكماستر مستشاراً لشؤون الامن القومي، لان ماكماستر مثله مثل "الراشدين" في الحكومة ومن بينهم وزراء الدفاع جيمس ماتيس والامن الوطني جون كيلي والخارجية ريكس تيلرسون، لا يشاطرون ترامب مواقفه الايجابية من روسيا، أو تشكيكه في التحالفات والمؤسسات الدولية التي استخدمتها أميركا لايجاد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية والمستمر منذ 70 سنة. منتقدو ترامب الكثر من الحزبين يعولون على هذا الفريق العقلاني لحماية مصالح أميركا وحلفائها، وموازنة أعضاء الفريق الايديولوجي في البيت الابيض المحيط بترامب وأبرزهم مستشاره للشؤون السياسية ستيفن بانون. هذه المجموعة تؤمن بان شعار: "أميركا أولاً" يعني اتباع سياسة قومية (ذات وجه أبيض) وان العلاقات الدولية تكون أفضل اذا بنيت على أسس قومية، وثنائية، وليس على تحالفات دولية.
ولكن حتى المتفائلون يعترفون بان الرئيس، تقليدياً، هو الذي يصوغ السياسة الخارجية والأمنية للبلاد، وان ترامب لم يشرح للاميركيين ما هي ركائز سياسته الخارجية والامنية، وهو أمر مقلق، لان الرئيس في الأسابيع الاخيرة اتخذ مواقف سياسية، ثم عاد لينقضها دونما تفسير مقنع. كما لا ضمانات قط أن أي موقف يتخذه وزراء أمثال ماتيس وتيلرسون، لن تنقضِ علناً بتغريدة واحدة من ترامب. الرئيس الاميركي اتخذ أكثر من موقف عن الصين خلال أسابيع، كما تخلى عن التزام واشنطن حل الدولتين للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي.
في الاسبوع الماضي أكد نائب الرئيس مايك بنس للدول الاوروبية في بروكسيل استمرار دعم الولايات المتحدة للاتحاد الاوروبي (ولاحقاً التزامها حلف شمال الأطلسي) ولكن كشف ان مستشار الرئيس ستيفن بانون، قبل أسبوع من تأكيدات بنس، ابلغ السفير الالماني في واشنطن ان الاتحاد الاوروبي هو بنية اصطناعية وان واشنطن تفضل التعاون مع الدول على أساس ثنائي.
خلال مؤتمر ميونيخ للامن، دعا وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الى نظام دولي يتخطى الغرب، أي النظام الذي أوجدته أميركا قبل 70 سنة. واذا تخلت واشنطن عن الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي فانها ستسمح للمرة الاولى لدول غير غربية بانشاء نظام دولي لا يتمحور على الغرب.