ولعل اكثر البرامج التي استوقفتني، وفي خلفية فكري الوضع في لبنان، اعلان الشيخ محمد عن تشكيله لجنة موسعة من كبار الخبراء في جميع مجالات التخطيط، مهمتها جمع برامج السنوات العشر المقبلة (٢٠٣٠) المقررة في المدن العشر الاكبر والاهم في العالم، بينها نيويورك، لندن، باريس، فرانكفورت، شنغهاي، سنغافورة، طوكيو وغيرها، واستخلاص برنامج يستوحي جميع تلك البرامج والخطط العشرية لوضع برنامج لمدينة دبي يعمل على تنفيذ جميع بنودها بشكل متزامن وفورا! أراد حاكم دبي ان يقول ان ما تخطط له المدن الكبرى في العالم، تعتزم دبي تحقيقه فورا ومن دون اي ابطاء! بمعنى آخر، تحقيق قفزة عشرة اعوام دفعة واحدة.
طبعا لن اتحدث عن اعلان الشيخ محمد بن راشد في حضور الشيخ محمد بن زايد ولي عهد امارة ابو ظبي عن اطلاق برنامج الامارات لارتياد كوكب المريخ، ولا حتى عن اطلاق اول "تاكسي" طائر آليا جرت تجربته خلال المؤتمر، وهدفه تجاوز زحمة السير الخانقة في امارة دبي. فللمراقب اللبناني ان يلمس بنفسه كم تقدم بعض العرب فيما تأخر لبنان الذي يعجز حتى الان عن تأمين الاساسيات مثل الكهرباء والمياه والطرق والهاتف والانترنت، ناهيك بحل ازمة النفايات المستفحلة.
شارك لبنان الرسمي في "القمة العالمية للحكومات" عبر حضور نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني الذي يعرف جيدا دول الخليج العربي، وخصوصا انه عمل فيها مديرا لشركات كبرى، ولعل مشاركته في مؤتمرات كهذه كانت أكثر افادة من مشاركة غيره من الوزراء نظرا الى خلفيته في مجال العمل، والتقنيات، والادارة، حيث لمس معنا خلال القمة المشار اليها كم ان الفجوة كبيرة بين ما وصل اليه بعض العرب وما نحن عليه في لبنان! ولم يخف حاصباني خلال لقاء جمعني به، وببعض رجال الاعمال اللبنانيين المقيمين في دولة الامارات الى مائدة القنصل اللبناني النشيط في دبي سامي نمير، أن لا حلول عجائبية في لبنان سترى النور في المدى القصير، وان افضل ما يمكن الحكومة الحالية القيام به اليوم هو وضع الحلول على السكة الصحيحة. فلا حلول سريعة في المجالات التي مضى على الازمة فيها أكثر من اربعة عقود مثل الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت والنفايات، قبل عامين، اي قبل وضع البرامج الصحيحة وإقرارها، لكي ترى النور في مدى عامين ليس أقل. وبحسب حاصباني، فإن حجم المشكلات الكبير يبرر مدة الانتظار هذه، لان الحلول باتت أكثر صعوبة وجذرية من ذي قبل مع تفاقم المشكلات، وتراكمها عاما بعد عام. ولم يبد نائب رئيس الحكومة تشاؤما حيال رؤية لبنان بحلول ٢٠٢٠، وقد تمكن من وضع الازمات الآنفة الذكر المتعلقة بالقطاعات الحيوية الاساسية وراءه لينطلق نحو تحسين القطاعات الاخرى. قد يكون تفاؤل حاصباني في مكانه في ظل اقتناع جامع لدى أركان الحكومة بأن لبنان تأخر كثيرا مقارنة بغيره من الدول العربية، وحان الوقت لمحاولة اللحاق بالعصر. لكن السؤال المطروح: هل تحل سنة ٢٠٢٠ وقد وضعنا خلفنا ازمات الكهرباء والمياه والاتصالات والنفايات؟ يا للاسف، إن التجارب لا تدعو الى التفاؤل!