لم يستمر التقارب الإيراني التركي حول المسألة السورية طويلا، ودخلت الدولتان الجارتان في تصعيد كلامي يعكس افتراق المصالح بينهما في الملفات الإقليمية، فضلا عما فهم من أنه اصطفاف تركي وراء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عدائه لإيران ورغبته في تطويق دورها الإقليمي.
ودعت تركيا الثلاثاء إيران إلى “مراجعة سياستها الإقليمية”. واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية طهران “بأنها لا تتردد في إرسال أشخاص لاجئين إلى مناطق حرب”، في إشارة إلى ميليشيات أفغانية وباكستانية تقاتل في سوريا.
وتمكنت أنقرة وطهران رغم الخصومة بينهما، من إقامة تعاون يستند إلى البراغماتية، ورعى البلدان هدنة مع موسكو سمحت بخفض حدة المعارك في سوريا.
وفي نهاية الأسبوع اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إيران بأنها تسعى إلى “تحويل سوريا والعراق إلى بلدين شيعيين”. وقبله أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال جولة زار فيها عدة دول خليجية إلى خطر “القومية الفارسية”.
وردا على هذه التصريحات استدعت طهران الاثنين السفير التركي لديها.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قال في وقت سابق “لصبرنا حدود” منددا بـ”تصريحات غير بناءة” صادرة عن المسؤولين الأتراك.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية تراقب التوتر المستجد على العلاقات التركية ـ الإيرانية إنّ السؤال المطروح الآن مرتبط بردّ الفعل الروسي على التدهور بين أنقرة وطهران.
واعتبرت أن موسكو التي أوجدت توازنا بين القوى الإقليمية المتصارعة في الداخل السوري تجد نفسها مضطرة إلى إيجاد نوع من التهدئة بين الأتراك والإيرانيين في ضوء حاجتها إلى الجانبين من أجل متابعة لعب دورها كقوّة قادرة على الإمساك بكلّ الأوراق.
أوكتاي يلماز: رغبة تركيا بالتقارب مع دول الخليج أحد أسباب التصعيد الإيراني
وذكرت هذه المصادر أنّ روسيا تشعر أكثر من أيّ وقت بضرورة استيعاب التوتر التركي ـ الإيراني، خصوصا ببعده المذهبي.
وأشارت إلى أنّ موسكو سعت دائما إلى التقليل من أهمّية البعد المذهبي للصراع القائم في سوريا وذلك منذ اندلاع الثورة الشعبية قبل ست سنوات تقريبا.
ولاحظت أن روسيا ركّزت دائما على أن الحرب الدائرة في سوريا هي حرب على الإرهاب والعناصر الإسلامية المتطرّفة، على رأسها داعش.
ونقلت هذه المصادر عن قريبين من النظام السوري أنّ “رأس النظام يرحّب بأي توتر بين تركيا وإيران ويعتقد أنّ مثل هذا التوتّر ستكون له انعكاساته السلبية على التحالف القائم بين الكرملين والقيادة التركية”.
وأضافت أنّ هؤلاء القريبين من النظام السوري يعتقدون أنّ أي خلط للأوراق في الداخل يصبّ في مصلحة النظام ويسمح لبشّار الأسد باستعادة المبادرة بعدما أدت التفاهمات بين روسيا من جهة وكلّ من تركيا وإيران من جهة أخرى إلى تهميشه.
وقال مراقبون للشأن السوري إن الخلاف التركي الإيراني كان متوقعا خاصة أن التقاءهما في سوريا لم يكن سوى نوع من تحالف الضرورة وتحت ضغط من روسيا التي فرضت تسوية على مقاسها وألزمت بها مختلف اللاعبين على الأرض السورية.
واعتبر المراقبون أن إيران منزعجة لأنها كانت طرفا ثانويا في اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وبدا أن روسيا ألزمتها بما لا يحقق مصالحها.
وقال الباحث التركي المختص بالعلاقات الدولية أوكتاي يلماز إن الصراع بين تركيا وإيران ظل لفترة طويلة غير معلن بخصوص سوريا والعراق، وبقيت العلاقات بين البلدين مقبولة حتى خلال الأزمة السورية.
وعزا يلماز في تصريح لـ”العرب” التصعيد الظاهر بين البلدين إلى أن إيران تقدم دعما للفصائل الكردية في تركيا مما أزعج الحكومة التركية، فضلا عن رغبة تركيا بالتقارب مع دول الخليج العربي في ظل توتر علاقات هذه الدول مع إيران.
وأشار إلى أن طموح تركيا بلعب دور أكبر في سوريا لمحاربة داعش، الأمر الذي يقلق إيران بوجود دولة إقليمية منافسة لها.
وأكد على أن تركيا تحاول التقرب من الطرح الأميركي بإقامة مناطق آمنة في سوريا، وتعمل على إرسال رسائل لترامب برغبتها في التعاون معه في هذا المشروع حتى لو أدى إلى تشنج مع إيران.
ولا يخفي مسؤولون إيرانيون اعتقادهم بأن موسكو وضعت يدها على مكاسب حققتها طهران في سوريا، وقد كانت تفكر بإلحاقها بنفوذها تماما مثلما هو الحال في العراق.
لكن تركيا التي أنقذها التقارب مع روسيا من ورطة في المستنقع السوري، تحاول الآن أن تنقلب على مسارها الأخير، والاستجابة لإشارات ترامب عن المناطق الآمنة، والعودة مجددا إلى الحلف الأميركي الذي يضع على رأس أولوياته شل الدور الإيراني في المنطقة.
ولم تستبعد أوساط سورية موجودة في تركيا أن تبادر الأخيرة إلى نقض تفاهمها مع روسيا بخصوص جلب المعارضة السورية “المعتدلة” إلى حوار أستانة وجنيف على قاعدة ما بعد نتائج معركة حلب.
ولفتت المصادر إلى أن أنقرة تراقب عن كثب تحويل إشارات ترامب إلى مواقف قبل أن تعلن عن خطتها، والتي قد تكون من بينها إعادة تسليح المعارضة المحسوبة عليها.