ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل بعد الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس الإيراني حسن روحاني لكلّ من سلطنة عُمان والكويت، خصوصا مع ترافق الزيارتين والحملة التي شنّها الأمين العام لـ“حزب الله” في لبنان السيّد حسن نصرالله على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتّحدة ومملكة البحرين.
ليس سرّا أن نصرالله يمثّل، باعترافه الشخصي، مجموعة تأخذ أوامرها من إيران، هو الذي لم ينكر يوما أنّه جندي لدى “الولي الفقيه”، أي لدى “المرشد” الأعلى علي خامنئي.
لا يمكن في أيّ شكل الفصل بين كلام الأمين العام لـ“حزب الله” في لبنان، وبين السياسة الحقيقية لإيران. إنّها سياسة تقوم على أن لبنان ليس أكثر من “ساحة” تُستخدم لأغراض إيرانية وتحقيق أهداف لا علاقة للبلد ولمواطنيه ومصالحهم بها من قريب أو من بعيد.
في الواقع، لا يمكن لإيران أن تقول الشيء وعكسه في آن. إمّا تريد إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها العرب… وإما تريد ممارسة دور القوّة المهيمنة التي تستطيع فرض إرادتها على الدول العربية انطلاقا من مشاركتها في الحرب الأميركية على العراق في العام 2003.
من الطبيعي أن تستقبل الكويت الرئيس الإيراني. لم تكن الكويت في يوم من الأيّام في قطيعة مع أحد، خصوصا عندما يطلب هذا الأحد الدخول في حوار. الحوار شيء، والتوصل إلى نتائج إيجابية شيء آخر. المهمّ توافر حسن النيّة. هل لدى إيران حسن نيّة، من أي نوع كان، كي تسفر زيارة روحاني للكويت عن نتائج إيجابية، أم أن كل المطلوب هو دق إسفين بين الدول الأعضاء في “مجلس التعاون لدول الخليج العربية”؟
الأكيد أن الكويت ليست المدخل المناسب لدقّ مثل هذا الإسفين، خصوصا أنّ أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد يمتلك ما يكفي من الخبرة والحنكة وبعد النظر. هذا يعني أنّه يعرف التفريق بين ما هو رغبة صادقة في إقامة علاقات ذات طابع صحي بين إيران ودول الخليج من جهة، وبين السعي إلى القيام بمناورات سياسية من جهة أخرى.
كان من الطبيعي أن يبدأ روحاني جولته بسلطنة عُمان. لم يكن سرّا في يوم من الأيّام الدور الذي لعبته سلطنة عُمان في التقريب بين إيران والولايات المتّحدة. ما كان للاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين مجموعة الخمسة زائدا واحدا أن يرى النور من دون الدور العُماني. ما لا يمكن تجاهله أن المفاوضات التمهيدية بين الولايات المتحدة وإيران في شأن الملف النووي كانت في سلطنة عُمان وليس في أيّ مكان آخر. ولكن مع الوقت، تبيّن لعُمان أن مصلحتها لا يمكن أن تكون بقطيعة مع جيرانها العرب، حتّى لو كانت سياستها الثابتة تاريخيا تقوم على المحافظة على نوع متميز من العلاقات مع إيران، بغض النظر عن النظام القائم فيها. كانت العلاقات أكثر من ودّية مع إيران الشاه، وبقيت هذه العلاقات متميّزة بعد قيام “الجمهورية الإسلامية”.
في كل الأحوال، لا يمكن الفصل بين التحركات الإيرانية الأخيرة والمواقف الصادرة عن رجال الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب. تعكس هذه المواقف رغبة في تفادي السقوط في الفخّ الإيراني الذي سقط فيه باراك أوباما. بكلام أوضح، لم يعد مسموحا لإيران استغلال الملف النووي للحصول على تغطية أميركية لمشروع سياسي ذي طابع توسّعي يقوم على تفتيت الدول العربية الواحدة تلو الأخرى.
ثمّة إدراك في طهران لعمق التغيير الذي حصل في واشنطن، وذلك بغض النظر عن قدرة ترامب على إكمال ولايته الرئاسية. الثابت أن هناك أعمدة لهذه الإدارة لن تتزحزح عن مواقف معيّنة تجاه إيران سواء بقي ترامب أم لم يبق في البيت الأبيض طوال السنوات الأربع المقبلة. هذه الأعمدة هي نائب الرئيس مايك بنس الذي سيخلف الرئيس في حال اضطراره إلى الاستقالة، ووزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ركس تيلرسون. كان بنس في غاية الوضوح عندما تحدث في المؤتمر الأمني الذي انعقد في ميونيخ حديثا عن الدور الإيراني في زعزعة الاستقرار الإقليمي. كذلك الأمر بالنسبة إلى الجنرال ماتيس الذي يعتبر أن إيران هي القوة الأكبر التي تهدْد الاستقرار في الشرق الأوسط، كما أن سياستها “تخالف مصالحنا”. أما تيلرسون، فلم يخف في شهادته أمام إحدى لجان الكونغرس نظرته السلبية لإيران.
بعيدا عن اللفّ والدوران واستخدام “حزب الله” في لبنان لإطلاق تهديدات لإسرائيل لا تخدم سوى التوجه العدواني لبنيامين نتانياهو، ولا يمكن أن تؤدي سوى إلى جرّ الويلات على لبنان، هناك طريق آخر تستطيع إيران انتهاجه. لم يكن سرّا في يوم من الأيّام أن إسرائيل تبحث عن طرف يطلق تهديدات لها لتبرير سياسة فرض الاحتلال للضفة الغربية، وصولا إلى تهجير أكبر قسم من الفلسطينيين من أرضهم. يتمثّل الطريق الآخر الذي يُفترض بـ“الجمهورية الإسلامية” اتباعه، بخطوة أولى تعتبر إيران نفسها بموجبها دولة طبيعية من دول العالم الثالث تبحث عن الرفاه لشعبها، وعن التعاطي الإيجابي مع جيرانها ومحيطها القريب والبعيد، أي وصولا إلى اليمن.
هل تستطيع إيران أن تكون دولة طبيعية أم تبقى ضحية وهم اسمه الدور الإقليمي لـ“الجمهورية الإسلامية” التي ليس لديها ما تصدّره سوى إثارة الغرائز المذهبية التي تبقى في نهاية المطاف الأرض الخصبة التي ينمو فيها الفكر “التكفيري”. هذا الفكر الذي تدعي إيران محاربته، علما أنّ الميليشيات المذهبية التابعة لها تعتبر أهمّ حليف له.
أكثر من ذلك، هذه الميليشيات على رأسها تلك المنضوية تحت شعار “الحشد الشعبي” في العراق هي من يوفر حاضنة للفكر التكفيري وكل ما يتفرّع عنه، خصوصا “داعش”.
يتظاهر روحاني بأنّه يبحث عن علاقات طيّبة مع دول الخليج، فيما تتابع إيران حربها على الشعب السوري، وتُقدم على خطوات تصب في عملية تغيير طبيعة المدن والمناطق العراقية، من بغداد إلى الموصل، إلى البصرة… بينما يطلق حسن نصرالله التهديدات الموجهة إلى كلّ دولة عربية يمكن أن تكون عونا للبنان وداعما له في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ فيها.
تغيّرت أميركا. لماذا لا تتغيّر إيران وتباشر عملية نقد للذات. لا يختلف اثنان على أن إيران تمتلك حضارة عظيمة. هذا ثابت. الثابت أيضا أنّ ليس في الإمكان مواجهة التغيير الأميركي بجولة مثل الجولة الخارجية لروحاني، وبتهديدات من النوع الذي يطلقه الأمين العام لـ“حزب الله”. هذه لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على أحد، خصوصا على المملكة العربية السعودية التي قالت الكلام الذي يجب أن يقال بلسان وزير الخارجية، عادل الجبير، في أثناء مؤتمر ميونيخ. هذه لعبة تعود بالضرر على إيران نفسها وعلى دول المنطقة.
الخيار واضح. إنّه بين خروج إيران من لعبتها القديمة، وبين البقاء في أسر الشعارات التي تطلقها والتي لا تعني سوى المتاجرة بفلسطين وشعبها، والتسبب بكل ما يمكن أن يلحق الأذى بالعراق وسوريا ولبنان والبحرين… واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر.