عادت الساحة الداخلية تتلقى صدمات لا تتصل فقط بالأجندات الداخلية موضع الخلاف، مثل قانون الانتخاب ومشروع موازنة العام 2017، بل ما يجري من تحولات إقليمية ودولية تجعل من البلد مرآة لتظهير صور هذه المتغيّرات وأجنداتها.
وبقدر ما كان الوسط السياسي يتابع مسار التباين حول مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، والسجالات السياسية الباردة والساخنة حول قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب، استأثر «السلوك المسرحي» للمرشحة الرئاسية الفرنسية ممثلة اليمين المتشدد مارين لوبان، امام دار الفتوى بالاهتمام والاستياء على حد سواء، لدرجة ان النائب وليد جنبلاط الذي التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قال لـ«فرانس 24»: «كنا بغنى عن زيارة لوبان إلى بيروت فهي أهانت الشعب اللبناني، ولو بالشكل، عندما رفضت ارتداء الحجاب عند المفتي، كما اهانت الشعب السوري عندما طالبت بترحيل اللاجئ السوري، وكان عليها ألا تنسى جرائم النظام السوري في لبنان وفي مقدمها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
وطرح الحادث غير المسبوق الذي اثارته لوبان على مدخل دار الفتوى صباح أمس، برفضها وضع غطاء الرأس عند لقاء المفتي عبداللطيف دريان الذي قبل بتحديد موعد لها، مع مراعاة البروتوكول المعتمد، اكثر من علامة استفهام حول المرشحة اليمينة المتطرفة للرئاسة الفرنسية.
وقالت مصادر إسلامية في دار الفتوى لـ«اللواء» انه لا يمكن فصل مثل هذا التصرف الانفعالي والخبيث في آن عن جملة مواقف لوبان وحزبها المتطرّف، الرافضة اساساً لارتداء الحجاب من قبل الطالبات المسلمات في المدارس والجامعات الفرنسية، فضلاً عن دعواتها المتكررة إلى طرد مئات الألوف من الفرنسيين المسلمين، ذات الاصول المغاربية الإسلامية في اطار سياستها العنصرية المكشوفة ضد المهاجرين العرب والمسلمين إلى فرنسا، والذين أصبحوا جزءاً من المجتمع الفرنسي، وأحد الأطراف المنتجة في الاقتصاد الفرنسي.
وذكرت أوساط الدار أن السيدات اللبنانيات اللواتي يقابلن البابا في الفاتيكان يرتدين غطاء على رؤوسهن، وبالتالي فان هذه العادة ليست وقفاً على دار الفتوى اللبنانية فقط.
وفيما وصف عضو كتلة «المستقبل» النيابية عمار حوري تصرف لوبان «بالأرعن» و«بخرق البروتوكول والعادات»، معرباً عن رفضه لمثل هذا التصرف، مشيراً إلى انه كان على الزائرة الفرنسية ان تحترم المكان الذي تزوره، وان تتقيد بالعادات، سارع الرجل الثاني في حزب الجبهة الوطنية الفرنسية F.N فلوريان فيلبو الى تهنئة لوبان، وكتب عبر تويتر «انها رسالة حرية وتحرر موجهة الى نساء فرنسا والعالم».
ونفت لوبان، في مؤتمر صحفي عقدته في ختام زيارتها أن تكون معادية للاسلام، لكنها قالت انها «تعارض الاسلام كمشروع سياسي وتخوض حرباً ضد الأصولية الاسلامية».
وأثارت هذه الحادثة استياء لبنانياً شاملاً، إذ امتنع الصحافيون اللبنانيون عن تغطية المؤتمر، وعبر الشبان على مواقع التواصل عن سخطهم واستنكارهم لتصرف لوبان، الأمر الذي حملها على تغيير مكان المؤتمر الصحفي من «زيتونة باي» الى فندق «سمول فيل» في شارع بدارو لأسباب أمنية.
وساهمت تصريحاتها في ما خص مصير الرئيس السوري حيث قالت ان مصلحة بلادها تقضي ببقائه حيث هو، استنكاراً أيضاً في أوساط 14 آذار، ومن بينهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي ذكّرها بجرائم الأسد في لبنان واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنبها على الخلط بين الاسلام والإرهاب.
(راجع ص3)
زيارة كوركر
في هذا الوقت، كان السيناتور الأميركي روبرت كوركر جينيور، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ يلتقي تباعاً الرئيس ميشال عون وكل من وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس «المردة» النائب سليمان فرنجية، ثم مساء الرئيس سعد الحريري، وذلك في حضور الوفد الأميركي المرافق للسيناتور كوركر، ولا سيما سفير الولايات المتحدة اليزابيث ريتشارد، وكان من بين حاضري اللقاء النائب السابق فارس سعيد.
وكان من اللافت ما سمعه الوفد من الرئيس عون من حرص على استمرار العلاقات اللبنانية – الأميركية والتعاون على استقرار لبنان، معرباً عن أمله بأن «يستمر الدعم الأميركي للجيش اللبناني عدّة وعتاداً حتى يصبح قادراً لوحده على الدفاع عن لبنان، خصوصاً وانه لا يوجد راهناً اي توازن بين قدرات الجيش اللبناني وقدرات جيوش الدول المحيطة بلبنان».
وقال الرئيس عون رداً على سؤال من السيناتور الأميركي أن الاتصالات قائمة لتذليل الصعوبات التي تواجه الاتفاق على قانون انتخاب جديد، وأن الانتخابات ستحصل.
وقال مصدر دبلوماسي لموقع «اللواء» أن زيارة السيناتور كوركر (انفردت «اللواء» في الإشارة لها الاثنين الماضي)، تحمل في طياتها معان لافتة. فهو أولاً ارفع مسؤول أميركي يزور لبنان في عهد الرئيس عون. وهو ثانياً، والأهم، داعم بقوة للحرب على الإرهاب والتطرف، الموقف الذي كرره مراراً في الفترة الاخيرة، وخصوصاً في زيارته الى بغداد قبل وصوله الى بيروت. وهو ثالثاً كان من بين الذين دعموا وسهلوا وصوتوا على الاتفاق النووي مع إيران.
ورأى المصدر الدبلوماسي أن السيناتور كوركر يملك مروحة ممتازة من العلاقات العربية ويملك عن المنطقة رؤية سلسلة وواضحة، ما يجعله قادراً على تسويق الأولويات العربية في واشنطن ولدى الإدارة الأميركية الجديدة التي لا تزال تتلمس استراتيجيتها للمنطقة، وهي تحتاج إلى موثوقين لمساعدتها في ذلك.
مرسوم دعوة الهيئات الناخبة
انتخابياً، كان الحدث الأبرز، إلتزام الرئيس الحريري بالدستور وليس بالتحدي عندما وقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي احاله إليه وزير الداخلية نهاد المشنوق.
وقبل ان ينتصف الليل كان المرسوم على طاولة رئيس الجمهورية في بعبدا، لكنه لم يوقعه ولن يوقعه، وسط تضامن أعلنه معه تكتل «الاصلاح والتغيير» الذي اجتمع أمس، وأصدر بياناً بهذا الخصوص.
لكن المستغرب، وفقاً لمصدر نيابي، ان تستعيد الدوائر العونية كلاماً قاله الرئيس عونه عندما كان قائداً للجيش ورئيساً للحكومة العسكرية من انه «بإمكان العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي».
وتساءل المصدر: هل ان توقيع الرئيس على مرسوم عادي بدعوة الهيئات الناخبة يعادل توقيعه على أمر أو مسألة تتعلق بسيادة لبنان أو استقلاله، ولماذا الكلام الشعبوي الذي يذكر بمرحلة حافلة بالصدامات السياسية والدموية؟
وأعاد الرئيس عون امام وفد ترأسه الوزير السابق عبد الرحيم مراد التذكير بأن مهلة دعوة الهيئات الناخبة لا تنتهي في 21 شباط، لأن ولاية المجلس النيابي تنتهي في 20 حزيران المقبل، والمعركة الآن سياسية وهي معركة التغيير، وسنبذل جهدنا لتمثيل جميع اللبنانيين في الندوة البرلمانية تمثيلاً عادلاً، بحيث لا يعتمد أي قانون يسحق الأقليات بين الطوائف وفي داخلها.
ونقل زوّار بعبدا عن عون ان لا انتخابات وفق النظام الأكثري، لا الستين ولا بغيره، ولا مانع من النظام المختلط، وقال انه في ما خص التمديد للمجلس، كما حصل في المرتين السابقتين، وكل ما يمكن القبول به تمديد تقني لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
ومن جهتها، نفت مصادر مقربة من قصر بعبدا لـ«اللواء» أن يكون توقيع الرئيس الحريري لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة بداية خلاف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. مشيرة الى ان موقف الرئيس عون كان واضحا منذ البداية وهو رفض التوقيع على المرسوم، وإلى أن لكل من الرئيسين موقفهما.
وعما اذا كان قد حصل تشاور بينهما في ما خص المرسوم، فإن المصادر اشارت إلى أن مصادر وزارية تحدثت عن ذلك وربما يكون قد حصل اتصال هاتفي بينهما عن خطوة الرئيس الحريري.
الحريري ملزم بالتوقيع
وبحسب مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» فإن الرئيس الحريري ملزم بتوقيع المرسوم، وهو لا يمكنه الا ان يوقعه احتراماً لمندرجات القانون الانتخابي النافذ حالياً، اما بالنسبة للمهل التي حددها المرسوم، فإن للرئيس عون وجهة نظر صحيحة وهي ان المهل لا تنتهي في 21 شباط، طالما ان ولاية المجلس الحالي مستمرة حتى منتصف ليل 20-21 حزيران المقبل.
وكشف ان عدم توقيع الرئيس عون المرسوم يعني عملياً انه لم تعد هناك إمكانية لاجراء الانتخابات في 21 أيّار، بحسب الموعد الذي حدده مرسوم الوزير نهاد المشنوق، لاعتبارات تتعلق بصعوبة اجراء الانتخابات في شهر رمضان الذي يصادف في 26 أيّار أو قبل هذا التاريخ، أي مطلع أيّار لتزامنها مع الامتحانات الرسمية لطلاب شهادتي البكالوريا والبريفيه، وانه لم يكن امام الوزير المشنوق سوى يوم الأحد في 21 أيّار لاجراء الانتخابات في يوم واحد، وذلك استناداً إلى القانون الذي يُحدّد اجراء الانتخابات في آخر شهرين من انتهاء ولاية المجلس، وأن تتم دعوة الهيئات الناخبة قبل ثلاثة أشهر أي 90 يوماً من اجرائها.
ومع ذلك، يرى المصدر انه قانوناً لا شيء يمنع من اجراء الانتخابات، في أي وقت خلال مُـدّة الشهرين التي تسبق انتهاء الولاية، باستثناء وجود عقبة فعلية تتمثل بشهر رمضان المبارك، استناداً إلى القانون النافذ.
اما في حال التفاهم على قانون آخر جديد، فإنه بالإمكان تحديد مهل جديدة قد تتجاوز حزيران إلى أيلول أو تشرين، علماً ان المفاوضات الجارية حول الصيغة الجديدة للقانون، ما تزال في الربع الأوّل، بحسب المصدر النيابي الذي لاحظ في المناسبة، ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري سبق ان امتنع عن توقيع مرسوم الزواج المدني الذي اقره مجلس الوزراء في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، رغم ان الدستور يلزمه بذلك، بخلاف مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي هو مرسوم عادي وتوقيعه اختياري.
وفي السياق، كشفت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان سلسلة اجتماعات عقدت بعيداً عن الأضواء للتفاهم على صيغة لقانون الانتخاب، وحققت هذه اللقاءات تقدماً، من دون حدوث خرق في هذا الشأن.
الموازنة
في هذه الاثناء، يعود مجلس الوزراء إلى عقد جلسة خامسة له والمخصصة لدرس مشروع الموازنة، وسط إضراب شامل ينفذه الأساتذة في مختلف المدارس والثانويات والهيئات الرسمية والخاصة، ويشاركون في الاعتصام الذي دعت إليه هيئة التنسيق النقابية عند الساعة الثالثة والنصف، بالتزامن مع الجلسة، وذلك للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب للاساتذة وموظفي القطاع العام.
وفيما فهم ان الجلسة ستكون مخصصة لقراءة في واردات الموازنة، أوضح الرئيس الحريري لوفد الهيئات الاقتصادية الذي زاره أمس، برئاسة الوزير السابق عدنان القصار، ان النقاش حول موضوع فرضرسوم وضرائب جديدة يسير بشكل إيجابي داخل مجلس الوزراء، وأن النقاش ما يزال في إطار الأخذ والرد، وهو يأخذ بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين مصلحة المواطنين والقطاعات الاقتصادية وتوفير موارد إضافية لتمويل الموازنة.
ولفت إلى ان التوجه ليس لفرض رسوم وضرائب جديدة فقط، وإنما اجراء مناقشة دقيقة وعملية لتحديد ماهية الضرائب والرسوم المفترض اقرارها للجهة التي لديها أقل وقع على النمو الاقتصادي وذوي الدخل المحدود وتأمين الواردات اللازمة للخزينة.
وبالنسبة لسلسلة الرتب والرواتب أشار الرئيس الحريري ان اقرار هذه السلسلة ما يزال يدرس في مجلس الوزراد، وانه فيحال اقرارها لا بدّ ان يرتبط ذلك بحملة إصلاحات إدارية وتوفير الموارد المالية المطلوبة لتمويلها، وانه من دون ادراج هذه الإصلاحات والالتزام بتنفيذها لا يمكن إقرار السلسلة.
اما القصار فنقل عن الرئيس الحريري تفهمه لهواجس الهيئات الاقتصادية من التوجه نحو فرض ضرائب لتمويل عجز الموازنة، الأمر الذي من شأنه ان يؤدي إلى مزيد من ارهاق الاقتصاد الوطني الذي يُعاني من ركود وانكماش حاد، مشيراً بأن الوفد أكّد لرئيس الحكومة ان المدخل الرئيسي لتمويل عجز الموازنة يكون من خلال وقف الهدر في مؤسسات الدولة وتحسين الجباية».