كما في أي حلبة لمصارعة الثيران، لن تكون نهاية المبارزة الحالية سوى بإنهيار الثور الهائج تحت وطأة الطعنات المتلاحقة التي يتلقاها في رقبته من مصارع بارع، رشيق ، أنيق، يحمل السيف في يده اليمنى ، والوشاح الاحمر في اليد اليسرى، وينحني للجمهور المتحمس الذي لا يتوقف عن الهتاف ..
لم يعد السؤال هو كيف سيسقط الرئيس دونالد ترامب، بل متى سيكون ذلك السقوط المدوي، الذي سيسدل الستار على واحد من أغرب فصول التراجيديا السياسية الاميركية وأشدها إثارة: الاعلام الاميركي، لن يتملكه أدنى شعور بالرحمة او الشفقة، عندما سيوجه الطعنة الاخيرة للثور الذي خرق قواعد اللعبة وقوانينها، وهو يهدد بتحطيم الهيكل ومدرجاته على رؤوس الجميع.
المبارزة التي تقترب من جولاتها الاخيرة لا تبدو سهلة أبداً. الاعلام الاميركي الذي إستفزه ترامب وأهانه وصنفه في خانة الاعداء، يترقب تلك اللحظة الختامية الحرجة، ولا يدري ما إذا كان الرئيس الطارىء، الذي لا يمكن التنبوء بسلوكه، يخفي مفاجأة، او مباغتة ما، قبل ان ينهار على أرض الحلبة. المؤكد، حسب الزملاء الاميركيين، أنه لن يكون مثل الراحل ريتشارد نيكسون، الذي كان واحداً من ألمع رؤساء اميركا في القرن العشرين، لكنه قرر التنحي عن منصبه، في ذروة إحساسه بالكرامة الشخصية، وشعوره بالازدراء للاعلام الذي إنقض عليه وجرده من قوته.
ترامب، على ما قالت صحف أميركية وبريطانية في الايام الماضية، هو نيكسون الثاني، لكن من دون دماغ. لن يستقيل من منصبه حتماً، وسيتشبث بالرئاسة حتى الرمق الاخير ، بكل ما أوتي من مكر ودجل. ما يعني أن أمام أميركا خياراً من إثنين: إما السجن او مستشفى الامراض العقلية. الفوضى الحالية لا يمكن ان تستمر طويلاً . فالولايات المتحدة ليست دولة هامشية في المجتمع الدولي. ومركزية السلطة العالمية التي تتمتع بها في السياسة والاقتصاد والمال والامن، لا تسمح بالمزيد من التهور ولا بالمزيد من التردد. لا بديل من العودة الى النظام السابق، لسد الفراغ ووقف التدهور وحصر الاضرار.
حتى الان، لم يمض يوم من رئاسة ترامب من دون فضيحة او خطيئة محرجة لاميركا والاميركيين. رئيس يمضي الليل في مشاهدة برامج التلفزيون المناهضة له او الساخرة منه، فيرد على الفور ب140 حرفاً على "تويتر"، ثم يستيقظ في اليوم التالي ليحول تلك الاحرف الى قرارات وسياسات خرقاء لا تسبقها استشارة ولا مراجعة. فتهب "المؤسسة" للدفاع عن نفسها وعن البلد وعن المجتمع، ما يضطره الى التراجع والانكفاء، مطلقاً المزيد من الاتهامات للاعلام ومكيلاً المزيد من الاهانات للاعلاميين.
يوماً بعد يوم تفقد المبارزة طابعها التقليدي المميز وروحها الرياضية المفترضة، وتتحول مجرياتها الى صراع تستخدم فيه مختلف انواع الاسلحة غير المشروعة أو غير المألوفة لا في اميركا ولا حتى في أي بلد في العالم. تخلى الاعلام الاميركي عن آخر محظوراته ومعاييره المهنية، وقرر المواجهة الحاسمة، بفتح النقاش العلني والمباشر حول الصحة العقلية للرئيس وحول أمراضه النفسية وحول أعراضه السياسية الخطرة على رفاهية أميركا والاميركيين، وبطرح السؤال الصريح على المراجع والخبراء حول سبل إعلان عدم أهليته للبقاء في البيت الابيض.
المبارزة تزداد تشويقاً وخطراً ، بحيث تُنحى جانباً أسئلة مصيرية كبرى في العالم حول سلوك الدب الروسي المفترس، أو مستقبل الاتحاد الاوروبي المضطرب، أو حول ما اذا كانت الحرب السورية قد إستنفدت، او الحرب العراقية قد طوقت، او الحرب اليمنية قد حوصرت، او الحرب اللبنانية التي يخطط نتنياهو لشنها قد إقتربت، أو الازمة الايرانية قد انفجرت.. في مركز العالم ومصدر قراره الرئيسي معضلة داخلية لم يسبق لها مثيل في التاريخ. كل ما عداها تفاصيل صغيرة، تحتمل الانتظار، حتى تُفتح لترامب إحدى البوابتين: بوابة السجن او بوابة مستشفى المجانين.