الطريق إلى «الفنان السابق» المتواري فضل شاكر ليس وعراً ولا خطراً. فالرجل يقيم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. يقيم داخل المخيم، وليس عند أطرافه التي تسيطر عليها المجموعات الإسلامية المتشددة. فشاكر ابن المخيم على رغم أنه لبناني. نشأ وترعرع في أزقته، وكان باشر غناءه في حفلات زفاف في عين الحلوة. وهو حين لجأ إلى المخيم بعد أحداث عبرا، لم يقصد فيه المناطق التي لجأت إليها جماعة أحمد الأسير في تعمير المخيم، وقرر الابتعاد من مناطق نفوذ «جند الشام»، واختار إقامة «أهلية» يمكنه فيها أن يُجري مراجعة لتجربة يقول أنها كانت مريرة.
الشبان الرشيقون الذين يصطحبونك إلى المنزل الذي يقيم فيه فضل شاكر، غير ملتحين ولا مسلحين. أحدهم مغنٍّ أيضاً وصديق فضل من عالم الغناء. يمشون في الأزقة الضيقة للمخيم، وتمشي أنت الزائر الليلي خلف أحدهم، فيما الآخرون يتفرقون ليعودوا ويلتقوا عند تقاطعات ضيقة في سير تمويهي يفضي في نهاية الطواف المتعرج إلى منزل الحاج فضل.
الحاج فضل صار «فناناً سابقاً»، وها هو اليوم في مخبئه يتولى تدريب ابنه محمد على الغناء. ومحمد الذي يبلغ من العمر 23 سنة أطلق أغنية «وجدانية» يقول فضل أنه راضٍ عنها، وأن لدى بكره «إحساساً» على رغم أنه يحتاج مزيداً من التدريب والجهد. والأغنية «وجدانية»، أي أنها لا ترغب في الإفصاح عن انتمائها، بين أن تكون امتداداً لأغاني فضل قبل «توبته» أو جزءاً من مرحلة تحوّله إلى «منشد». لكن محمد منجذب إلى صورة أبيه المغني ويسعى إلى إحيائها مجدداً.
يؤكد فضل شاكر أنه لم يشارك في أحداث عبرا بين الجيش اللبناني وجماعة أحمد الأسير في حزيران 2013. ويشير إلى أنه كان باشر ابتعاداً وخلافاً مع الشيخ أحمد الأسير قبل شهرين من الأحداث. وقبل أسبوعين منها، طلب منه الجيش اللبناني تسليم الأسلحة التي في حوزة «مجموعة حمايته»، والتي يبلغ عدد أفرادها حوالى ثلاثين مسلحاً، فوافق وطلب من قيادة الجيش إلغاء مذكرات الجلب في حق مرافقيه، وبدأت عملية تسليم الأسلحة مقابل إلغاء المذكرات، لكن أحداث عبرا استبقت استكمال العملية.
لا يخفي شاكر تذمُّره من أحمد الأسير، لكنه يُبدي تذمراً أكبر من «ممثلي الطائفة السنّية في السلطة»، وهو بذلك يشير إلى «تيار المستقبل» من دون أن يسميه. «لقد تعاملوا مع ما جرى معنا كأننا المتسبّبون الوحيدون به، وتُركنا لقمة سائغة لخصومهم المفترضين». لكن شاكر يُصر على أنه بريء، وأن التُّهمة الموجّهة إليه هي «الإساءة إلى العلاقات مع دولة شقيقة».
ولكن، لماذا لا يُقدِم شاكر على تسليم نفسه إلى السلطات اللبنانية، على رغم يقينه من براءته؟ يقول أن ما حصل معه خلال سنوات التواري الثلاث، دفعه إلى بعض الريبة من نيات كثيرين. ويشكو شاكر أيضاً من استغلال كثيرين قضيتَه، وهو ما استنزف ثروته، إذ إنه اضطر لبيع معظم أملاكه لينفق على محامين ووسطاء تركوه في منتصف الطريق بعدما تقاضوا منه أموالاً طائلة.
يُفضّل شاكر أن يجيب عن سؤالٍ عما إذا كان نادماً على تجربته مع أحمد الأسير، بأنه يُجري مراجعة لتلك التجربة، وأن إقراره بالندم يعني اعترافه بأنه كان جانياً، في حين يُصر هو على أنه استُدرِج إلى مواجهة مع جماعة «حزب الله»، وليس مع الجيش اللبناني، وأنه ومجموعته لم يُطلق رصاصة على الجيش ولا على الحزب، وكل ما أقدم عليه هو مشاركته في تظاهرات احتجاج على نفوذ «حزب الله» في صيدا، وتنديد بجرائم النظام في سورية. وهذا كما يقول، ما لا يستحق ما طلبه له القاضي في القرار الظنّي، وهو السجن لخمس سنوات.
«أنا فنان سابق» يجيب فضل شاكر عن سؤال عما إذا كان سيعود إلى الغناء في حال خروجه من مخبئه، ويضيف: «لكن ابني محمد سيُكمل مسيرتي وأنا سأكون إلى جانبه في رحلته».
يبدو فضل شاكر مرهقاً في مخبئه بمخيم عين الحلوة. وهو غاضب على قريبين منه أكثر من غضبه على خصومه. يقول أن دولة معادية لـ «حزب الله» كانت عرضت عليه قبل أحداث عبرا تمويل ترشُّحه إلى الانتخابات في صيدا، لكنه رفض وأكد لموفد هذه الدولة أنه «مجرد فنان متضامن مع الشعب السوري». لكن خبر هذا العرض وصل إلى «تيار المستقبل»، فأثار غضباً ما زال شاكر يدفع ثمنه.