إستمرّ ملف قانون الانتخابات النيابية وإمكان الوصول إلى صيغة انتخابية جديدة، وملفّ إقرار الموازنة العامة الذي حطَّ مجدّداً على طاولة مجلس الوزراء أمس، في صدارة الاهتمام والمتابعة، وسط عجزٍ ملحوظ في مقاربة هذين الملفّين، في وقتٍ صعَّدت «هيئة التنسيق النقابية» مواقفَها ودعت إلى إضراب عام واعتصام غداً. وفي حين جالت المرشحة إلى الإنتخابات الرئاسية الفرنسية مارين لوبن على القيادات السياسية على أن تواصل لقاءاتها اليوم، وصل ليل أمس الى بيروت رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي السيناتور روبرت كوركر، آتياً من اربيل حيث سيلتقي عدداً من المسؤولين، ويبحث معهم في شؤون تتعلق بدعم الجيش اللبناني وتقديم المساعدات اللازمة له.
دخلت البلاد في مرحلة مواجهة دستورية واجتهادات مفتوحة بعد توقيع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة السبت الماضي.

وبين الحثّ والإسقاط، وما حكِي عن مهلة الشهر بين 21 شباط و21 آذار، توزّعَت آراء الخبراء الدستوريين وحتى المواقف السياسية، لكنّ وزير الداخلية حسَم هذا الأمر وقال لـ«الجمهورية»: إنّ المهلة تنتهي بـ21 شباط أي اليوم، وقد دعوتُ الهيئات الناخبة إلى إجراء الانتخابات على أساس الـ95 يوماً التي تسبق تاريخ 21 أيار، وليس 21 حزيران لتعذّرِ إجراء الانتخابات في شهر رمضان.

وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري يتّجه إلى توقيع المرسوم خلال ساعات وإحالته إلى رئيس الجمهورية.

وفي رأي مَن استشارَهم رئيس الحكومة، فإنّه لا يستطيع إبقاءَ المرسوم في عهدته في غياب خيار آخَر في الوقت الحالي. وبحسب القانون والدستور واحتراماً للمهَل فإنّ توقيعه وإحالته يصبحان أمراً ملزماً.

وخلافاً لِما تردّد، لا يحتاج هذا المرسوم إلى توقيع وزير المال كونه غيرَ مقترن بنفقات.

في هذا الوقت، أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس مضيَّه حتى النهاية في إنجاز قانون انتخابي جديد «يراعي التعبيرَ عن وجهِ لبنان الحضاري والتاريخي».

وفي السياق، نفَت مصادر مطّلعة على أجواء بعبدا لـ«الجمهورية» الحديثَ عن رسالة يوجّهها عون إلى مجلس النواب للبحث في قانون الانتخاب. وأكّدت أنّ الخطوة غير مطروحة حتى هذه اللحظة وأنّ الحديث عنها هو مجرّد تكهّنات.

«التيارالوطني الحر»

في غضون ذلك، اعتبَر المجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر» بعد اجتماعه برئاسة الوزير جبران باسيل أن «لا مفرّ من إقرار قانون انتخاب جديد لتجنُّبِ أزمة سياسية حقيقية تلوح في الأفق في حال بقيَت القوى السياسية عاجزةً عن الاتفاق على قانون انتخاب جديد، وخصوصاً أنّه ليس لدينا أيّ خيار لا التمديد لمجلس النواب ولا إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين».

وشدّد على أنّ الحلّ الوحيد يَكمن في الاختيار بين قانونين: القانون المختلط القائم على مبدأ أكثري ونسبي إنّما وفقاً لمعايير موحّدة، والقانون التأهيلي الذي يضمّ أكثري على أساس الطائفة ونسبي على أساس الوطني مع تأهيل أوّل وثانٍ.

وأشار إلى أنّ كلّ المداولات والاجتماعات اليوم «تدور حول هذين الموضوعين، وعلى هذا الأساس تبقى الفرصة أمام القوى السياسية أن تتّفق على أحدهما».

«القوات»

وفي موقفٍ بدا أنّه متمايز عن موقف «التيار الوطني الحر»، قالت أوساط «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ عدم توقيع رئيس الجمهورية مرسومَ دعوة الهيئات الناخبة كان أمراً متوقّعاً وبديهياً، الأمر الذي يؤكّد مدى جدّية تعاطيه مع هذا الملف، ومن يتوقّع خلافَ ذلك عليه أن يعيد حساباته، والأمور لن تقفَ عند هذا الحدّ لأنه من غير المقبول بعد ثماني سنوات أن تواصل بعض القوى السياسية التهرّبَ من الوصول إلى قانون جديد، وبالتالي تتحمّل وحدَها أمام الرأي العام مسؤولية التعطيل الحاصل ودفع البلادِ إلى أزمة وطنية».

وأكّدت الأوساط نفسُها أنّه «ليس مقبولاً التلطّي بقشور «قانوناتية» من قبيل حصول الانتخابات في موعدها من أجل التملّصِ من إقرار قانون جديد يعيد تصحيحَ الخَلل التمثيلي»، وأكّدت «على ثبات موقفِها لجهة تأييدِها للمختلط الذي يَحظى بأوسع توافق وطنيّ لغاية اليوم، ومَن لديه تعديلات فليضَعها على هذا الاقتراح».

ودعَت «إلى حصر النقاش في المختلط من أجل الخروج بنتيجة سريعة»، وشدّدت على رفضِها للاقتراح التأهيلي، ودعَت «كلَّ من لا يزال يراهن على بقاء الستّين أو التمديد، إلى الإقلاع عن هذه الرهانات»، وأكّدت أنّ العمل على هذا المسار جدّي جداً والاتصالات لم تتوقّف وكلّ القوى باتت متيقّنة لدقّة المرحلة والحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتحصينه بدلاً مِن كشف البلد بجرِّه إلى انقسام وطني في لحظة دولية - إقليمية ساخنة».

مكاري

وفي المواقف، قال نائب رئيس مجلس النواب النائب فريد مكاري لـ«الجمهورية»: «إنّ قانون الانتخاب في النهاية هو قرار سياسي أكثر ممّا هو قرار تقنيّ، وعندما يصبح القرار السياسي موجوداً تصبح الأمور أسهل.

وأضاف: «في كلّ الأحوال، أنا على قناعة بأنّ هذا القرار سيأتي، وأنّ الانتخابات ستجري، لكن لا أعرف إذا كانت ستجري في موعدها إنّما بالتأكيد في العام 2017 وليس على أساس قانون الستّين، بل على أساس قانون جديد، لكنّني أجهل هوية هذا القانون».

واعتبَر مكاري «أنّ الخبراء التقنيين لا يستطيعون حلَّ المشكلة، هم يستطيعون التخريج إذا كان هناك من اتّفاق سياسي على الموضوع».

الحوت

وقال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ«الجمهورية»: «لم نتوصّل إلى قانون انتخاب جديد بعد لأنّ القوى السياسية لا تزال تتعامل معه وفق مقصّات، كلّ طرفٍ يمسك بالمقصّ لرسمِ خريطة تؤمّن له كتلةً وازنة في المجلس النيابي، ليس وفق معايير موحّدة أو متوازنة تحفظ حقوقَ الجميع بالتنافس للحصول على ثقة الناس».

إلّا أنّ الحوت أبدى اعتقاده بـ«أنّ هناك قراراً سياسياً ضمنياً بالوصول إلى قانون انتخابي جديد، وذلك لسببين: الأول الموقف الحاسم لرئيس الجمهورية برفضِ الستّين وعدم تسهيل جعلِه أمراً واقعاً من خلال عدمِ توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، والسبب الثاني موقفُ الناس الذي أصبح قانون الستين مُشيطناً لديهم، وهم على حقّ في ذلك، وبالتالي باتوا يشكّلون نوعاً من الضغط المعنوي على القوى السياسية».

«الكتائب»

واعتبَر حزب «الكتائب» أنّ الوضع «شارَف المحظور»، ورأى أنّ البحث عن قانون للانتخاب «يفتقد إلى الجدّية السياسية والدستورية، وما يحصل حتى الآن مناورات معيبة في حقّ الديموقراطية وصحّة التمثيل».

وأسفَ «لوصول الأمور إلى ما وصلت إليه من محاولات مكشوفة لفرضِ أمرٍ واقع ابتزازيّ يضعُ اللبنانيين أمام حتميةِ التمديد للمجلس النيابي الحالي، إنْ لم يكن بالتمديد المباشر فبإعادة إنتاجٍ للطبَقة السياسية الحالية من خلال قانون مفصّل على قياس هذه الطبقة».

وكشفَ مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» أنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميّل سيكون له في الساعات القليلة المقبلة «موقفٌ جديد يحمّل فيه المسؤولية إلى كلّ المعنيين بإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه من تعقيدات تهدّد أسسَ النظام الديموقراطي، وهو لن يتوقّف عن وضعِ النقاط على الحروف، ولا عن وضع الجميع أمام مسؤولياتهم الدستورية والسياسية والوطنية والوقوف في صفوف الشباب والمجتمع المدني والرأي العام التوّاق إلى تداولِ السلطة واحترام المواعيد الدستورية».

ويأتي موقف الجميّل بعد مناشدته رئيسَ الجمهورية استخدامَ صلاحياته بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب تحثُّه على القيام بواجباته الدستورية في التصويت على قانون للانتخاب، وبعد اقتراحه عقدَ خلوةٍ طارئة لرؤساء الكتل النيابية بدعوةٍ من رئيس الجمهورية، ودعوة الحكومة إلى احترام تعهّدِها الوارد في البيان الوزاري بإعطاء الأولوية لقانون الانتخاب».

الموازنة

إلى ذلك، واصَل مجلس الوزراء أمس النقاش في مشروع الموازنة العامة للعام 2017. وعلمت «الجمهورية» أنّ البحث تمحورَ حول البنود المتعلقة بالإيرادات، واستعرضَ وزير المال علي حسن خليل الضرائبَ المطروحة بنداً بنداً، لكن لم يحصل نقاش حولها بانتظار الانتهاء من عرضِها، على أن يبدأ الوزراء ببحثِها وإعطاء الملاحظات حولها في جلسة الغد عند الرابعة عصراً في السراي الحكومي، مع الإشارة إلى أنّ الجلسة الثالثة للموازنة هذا الأسبوع حُدّدت يوم الخميس بدل الجمعة بنفس التوقيت في السراي.

وأوضَحت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ المناقشات في جلسات الموازنة تتّسم بالهدوء والجدّية ووصَفتها بأنّها تقنية بامتياز، فحتى الجدل الذي دار حول الفوائد على سندات الخزينة وكيف تُحسَب كان علمياً وبالأرقام وبعيداً من الخلفيات السياسية.

وتوقّعت المصادر أن يأخذ البحث منحىً مختلفاً عن مقاربة سلسلة الرتب والرواتب مع انقسام الوزراء بين مؤيّدين لبقائها ضمن مشروع الموازنة ومصرّين على فصلِها بمشروع خاص.

هيئة التنسيق النقابية

ودخلت هيئة التنسيق النقابية أمس على خط الضغط المباشر على الحكومة من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وقرّرت الإضرابَ العام والاعتصام غداً بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء.

وكان لافتاً في البيان المسهَب الذي أصدرَته الهيئة تهجُّمها على الهيئات الاقتصادية من دون أن تسمّيها، وتهجّمها على القطاع المصرفي، واتّهام القيِّمين عليه بأنّ «همَّهم زيادة أرباح مصارفِهم دون أن يتحمّلوا أيَّ ضريبة حقيقية كتلك المقترحة على أرباح المصارف حاليّاً».

وخاطبَت هيئة التنسيق المسؤولين بالقول: «لقد طفحَ الكيل، فتارةً تدفَعون بمشروع السلسلة إلى المجلس النيابي وتارةً تدفعون بها إلى مجلس الوزراء، والحقيقة أنّكم لا تريدون لهذا الشعب أن يحيا بكرامة... الآن، وبعد كلّ ما جرى نحن على ثقة بأنّ حقّنا لن نأخذه إلّا في الشارع، فمن أراد حقّه لينزلْ إلى الشارع، ولتكنْ المشاركة الكثيفة في الإضراب الأربعاء (غداً) تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، رسالةً واضحة أنّنا لن ندع وسيلةً ديموقراطية إلّا وسوف نلجأ إليها لتحصيل حقوقنا وإقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة».