تتخذ أزمة قانون الانتخاب من اليوم بعداً مختلفا عن الابعاد المبدئية والنظرية التي طبعت المرحلة السابقة، اذ ان مرور الحادي والعشرين من شباط المصادف اليوم من دون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الاقتراع وفقاً لما يقتضيه القانون النافذ سيطلق مزيداً من التداعيات السلبية في أفق هذه الازمة. وعلى رغم كل ما أثير وما يثار من اجتهادات سياسية وقانونية حول مهلة 21 شباط واعتبارها مهلة حث غير نهائية لانطلاق العد العكسي للاستحقاق الانتخابي قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 21 حزيران المقبل، يبدو واضحاً ان ثمة مخاوف واسعة من ان يشكل مرور هذا اليوم من دون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة سقوطاً للمهلة "القاتلة" الاولى في سياق سلسلة المحطات والمهل الزمنية المتعاقبة التي يلحظها قانون الستين النافذ. وهي مخاوف تجد صدى صدقيتها الكاملة نظراً الى الدوران في حلقة المراوحة الذي يطبع المحاولات المتكررة للتفاهم على قانون انتخاب جديد من شأنه ان يشكل المخرج القانوني البديل من قانون الستين ومهله النافذة. كما يبدد المخاوف من تمديد "أمر واقع" قسري يلوح هاجسه بقوة على رغم الكثير من محاولات الطمأنة الى انتفاء هذا الاحتمال.
في هذا السياق بات في حكم المؤكد ألا يوقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي وقعه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق واحاله على رئيس الوزراء سعد الحريري الذي تريث بدوره في توقيعه منتظراً انتهاء المهلة اليوم. وأوضحت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية لـ"النهار" ان امتناعه عن توقيع المرسوم يندرج في اطار التزام خيار أساسي لا يمكن تجاوزه ودعمه فيه معظم الافرقاء السياسيين. ولاحظت ان من حق رئيس الجمهورية وصلاحياته عدم توقيع المرسوم وابقائه لديه لانه مرسوم عادي غير مقيد دستوريا بمهل زمنية مطمئنة الى أن انه لا داعي للذعر والخوف في الحديث عن مهل لان المهل لا تنتهي في 21 شباط (اليوم) بل في 21 آذار اذا اعتمدت الاشهر الثلاثة الفاصلة عن تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب وبذلك يصبح 21 شباط مهلة حث فيما تنطبق على 21 آذار بداية مهلة التسعين يوماً قبل نهاية ولاية المجلس ولا شيء يمنع في حينه من اتخاذ الموقف المناسب. وتضيف المصادر ان هامش التحرك لا يزال واسعاً ما دام أي اتفاق على قانون جديد يمكن ان يتزامن مع تعديل المهل أو تعليق العمل بها أو اعتماد أي اجراء آخر وخصوصاً اذا كان مرتكزاً على اتفاق سياسي.
بري
ولا يبدو رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً من بعض هذه الاجواء مع انه يؤكد ان اي تطور لم يحصل في شأن قانون انتخاب جديد. ومع بدء زيارته امس لطهران حيث يشارك في "مؤتمر دعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته " نقل موفد "النهار" رضوان عقيل عن بري ان مسؤولية وزير الداخلية تتطلب منه تطبيق واجباته لانه اذا لم يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة انطلاقا من القانون الساري والحالي فانه سيحاسب هو ورئيس الحكومة. ولا يعني ذلك في رأيه ان توقيع الرئيس الحريري للمرسوم سيكون موجها ضد رئيس الجمهورية "وفخامته أيضاً معه حق لان موقفه الساعي الى ضرورة التوصل الى قانون جديد ينبع من تحفيز للافرقاء وتشجيعهم على اقرار قانون جديد والاتفاق عليه". ويشترط بري لتعديل المهل ان يكون ذلك ضمن القانون الجديد ليحصل التمديد التقني. ومع استبعاده بلوغ احتمال عدم التوصل الى قانون جديد ، قال: "مش راح يصير هيك ومن غير المنطق ومن غير المقبول ان يصل البلد الى فراغ في البرلمان وعندها لا تبقى هناك دولة".
الموازنة
في غضون ذلك، استبقت ردود الفعل المسار الحكومي الجاري لدرس مشروع موازنة سنة 2017 واقراره في جلسات متعاقبة يعقدها مجلس الوزراء كانت آخرها أمس على ان تستكمل في جلستين اخريين الاربعاء والخميس. ووسط اتجاه الى فصل سلسلة الرتب والرواتب عن مشروع الموازنة، تصاعدت الضجة النقابية والاقتصادية حول مسألتي السلسلة والسلة الضريبيبة الواسعة الملحوظة في مشروع الموازنة. وقررت هيئة التنسيق النقابية أمس تنفيذ اضراب عام غدا وتنظيم تظاهرة تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء للمطالبة باقرار السلسلة. كما ان الهيئات الاقتصادية حذرت "من مغبة تكبيد الموازنة وارهاق المواطن والاقتصاد بالضرائب " متخوفة من ان تكون للزيادات الضريبية الواردة في مشروع الموازنة "انعكاسات سلبية جداً على تعزيز آفاق النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الخارجية وعلى مستوى معيشة المواطنين".
لوبن
وسط هذه الاجواء الداخلية اكتسبت الجولة التي قامت بها أمس رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية (اليمينية المتشدد) المرشحة للرئاسة الفرنسية مارين لوبن على المسؤولين الرسميين والسياسيين طابعاً لافتاً من حيث ادخال الواقع اللبناني ومسألة المسيحيين في الشرق في معركة السباق الى الرئاسة الفرنسية. وقد ركزت لوبن مواقفها عقب لقاءيها مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على العلاقات اللبنانية - الفرنسية والوضع في سوريا من زاوية "نمو التطرف الاسلامي وسبل مواجهته" معتبرة ان "لبنان وفرنسا يجب ان يشكلا حجر الاساس في تنظيم النضال ضد هذا التطرف". وأعربت عن أملها "في ان تتسنى لها الفرصة لاستقبال الرئيس عون شخصياً في زيارة رسمية بعد انتخابي في ايار المقبل". وفي الموضوع السوري كررت لوبن موقفها من "انه حل قابلاً للحياة خارج الاختيار بين الثنائي بشار الاسد من جهة والدولة الاسلامية من جهة اخرى". وقالت انه "في الاطار الاقل ضرراً أرى ان بشار الاسد يشكل اليوم حلاً يدعو الى الاطمئنان اكثر بالنسبة الى فرنسا".