لا توجد آلية حاليا لتنظيم عمل أئمة القرى و المساجد لدى المسلمين الشيعة في لبنان، بل هناك استباحة عامة من قبل القوى الحزبية و المناطقية لهذه الأوقاف التابعة لإدارة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
فمن ناحية استقالة واضحة من قبل المجلس الشيعي من دوره المنوط به شرعا و قانونا، و من ناحية أخرى هيمنة شبه شاملة من قبل القوى السياسية على هذه المساجد، و هذا ما يؤدي لضياع منافع عامة كثيرة، حيث الإستثمار الخاص لمشاريع فئوية ضيقة، بدل أن تبقى مساجد الأوقاف - على الأقل - واحة مخصصة لعموم أبناء الطائفة !! فحتى هذه الفسحة غير متوفرة ..
و من أهم المداخل الرئيسية لضبط الساحة الشيعية الدينية يكمن في ترتيب مهام أئمة القرى و البلدات و مساجد الأوقاف الشيعية العائدة لسلطة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي(12): هل انتفت الحاجة لوجود المجلس الشيعي?
حيث تنتشر مساجد الأوقاف على امتداد المساحة المسكونة شيعيا في الجمهورية اللبنانية، و الأعم الأغلب من هذه المساجد خارج سيطرة الإدارة الرسمية الدينية الشيعية، التي لها سلطة قانونية و شرعية عليها، بل يمكننا القول بأن المجلس الشيعي هو المؤسسة الأقل تأثيرا على مساجد الشيعة، في الوقت الذي يجب أن يكون المجلس هو الأكثر حضورا في إطار أئمة المساجد.
و مع العلم بأن الأحكام الشرعية الفقهية متشددة جدا في مجال حرمة و عدم صحة الصلاة دون إذن بذلك، في حال كانت الوقفية خاصة، أو محددة لجهة معينة، أو كانت الولاية الشرعية عليها محصورة.. لكن الواقع الراهن يشهد خروجا عن ضوابطنا الشرعية بشكل يؤدي لبطلان عبادات كل من يتصرف بالوقف بخلاف وجهه الشرعي!!
فلا يعقل أن يتبرع محسن ما بأرض لمسجد، أو يتبرع ببناء مسجد، للأوقاف، ثم لاحقا تسيطر على هذا الوقف بعض القوى الحزبية!! علما أنه لو أراد المحسنون التبرع لهذه القوى لما لجأوا للمجلس الشيعي..، و تاليا فهذا الفعل يمثل خيانة اتجاه المتبرعين، فضلا عن كونه تفريطا بحقوق الطائفة بشكل عام.
إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي (11): منعا لطغيان الهيئة التنفيذية على الشرعية
هذا و لا نريد الإسهاب في الحديث عما يتأتى من ترك الأمور مشاعة… حيث التفلت، و عدم ضبط الخطاب الديني، و تلف عوائد مالية ضخمة، و نمو مراكز قوى خاصة بغير قواها المحدودة بل اعتمادا على الإمكانات العامة…
كذلك لا نريد الإسهاب في الكلام حول تأثير عدم تفعيل مساجد الأوقاف، و ضبطها، على انكفاء المحسنين عن التبرع للمجلس الشيعي، نتيجة فشله في هذا الإطار، و اتجاه أهل الخير لقوى أخرى أثبتت كفاءتها و جدارتها التنظيمية العالية!!
و عليه، يبقى المجلس الشيعي أمام تحد مصيري في هذا المضمار، فإذا كانت إدارة المجلس فاقدة للشرعية فهذا لا يعني أن لا تقوم بواجباتها، بل على العكس من ذلك، إن عدم كونها ذات شرعية كاملة، فهذا ما يلزمها بمحاولة التعويض عن ذلك بمزيد من المناقبية و الرزانة و الإخلاص في المهام و الواجبات.
و أخيرا، ينبغي أن لا يقوم أحد بمهام إمامة القرى و المساجد إلا بإشراف المجلس الشيعي، كما لا ينبغي تولية هذه المواقع للمشايخ الحزبيين، و لا يجوز تجاهل القرى و البلدات النائية التي قلما يهتم بها العلماء نتيجة ضعف امكانياتها..، و هنا على المجلس أن يقوم بواجباته المالية اتجاه العلماء، و هذه الخطوات تساهم في ضبط مساجد الطائفة.
على أنه يبقى هناك ضرورة لوضع منهجية موحدة للعلماء الذين يمثلون المجلس الشيعي في المساجد، لناحية التعاطي بحيادية تامة مع كافة قوى الطائفة، و عدم الإنزلاق في المتاهات الضيقة، و عدم تحويل المراكز الدينية لمقرات للقوى السياسية.