كثيرة هي الأسماء التي لمعت في سماء الأغنية العربية خلال تسعينات القرن العشرين، ولم تعد موجودة اليوم. مطربون حققوا شهرة واسعة وانتشاراً عربياً ملحوظاً، لكنهم يعيشون اليوم على أمجاد الماضي، فلا يصدرون أعمالاً جديدة ولا يعرفهم الجيل الجديد.
فمن لم يسمع مثلاً أغنية «لولاكي» للمصري علي حميدة. تلك الأغنية التي صدرت في نهاية الثمانينات وعاشت طويلاً، استعملها عشاق ومحبون للتعبير عن مشاعرهم لفرادتها آنذاك، ولحنها السريع. لا يعرف جيل اليوم علي حميدة، وإذا مرّ في الشارع قد لا يلاحظه أحد من الشبان.
ماذا حصل وكيف فقد نجوم كثر بريقهم؟
شهدت فترة التسعينات بروز أسماء كثيرة في عالم الغناء، خصوصاً في لبنان ومصر، وتطورت الموسيقى، وباتت القوالب الغنائية أكثر تميزاً وانفتاحاً على التجارب الغربية، وتأثر بعض الملحنين بالموسيقى اليونانية والتركية والإيقاعات الصاخبة، فقدموا أعمالاً كان أبرزها «حبيبي يا نور العين» لعمرو دياب، وفتحت آفاقاً جديدة في الأغنية العربية الحديثة. لكن عمرو دياب لم يكن النجم الوحيد في مصر، إذ كان ينافسه مصطفى قمر وإيهاب توفيق وهشام عباس وفارس ولؤي ومحمد محيي وسيمون وعلاء عبدالخالق وحسام حسني الشاب الذي قدّم نموذجاً جديداً في الأغنية الشعبية المصرية، وكان مميزاً بشكله ولحيته الكثة وتضمينه أغانيه كلمات أجنبية.
ولم يختلف الوضع في لبنان حيث برز فنانون كثر على رأسهم وليد توفيق وعيسى غندور ومايز البياع ومحمد العبد وعاصي الحلاني وأمل حجازي ونجوى كرم ونوال الزغبي ومايا نصري... لكن النجومية شكلاً ومضموناً كانت من نصيب علاء زلزلي الذي قدّم لدى انطلاقته نموذجاً للشاب العصري المهتم بأزيائه وتسريحة شعره التي كانت تتغير دوماً، والموسيقى الشبابية الحديثة مع تطعيمها بإيقاعات مغربية، وهي كانت سابقة في لبنان. كما برز عربياً كل من رجاء بلمليح وأصالة ونوال الكويتية وعبدالله رويشد ونبيل شعيل.
هؤلاء الفنانون الذين أحيوا حفلات في شرق الكرة الأرضية وغربها، وعاشوا الشهرة والمجد، باتوا اليوم يسكنون منازلهم، ويستمتعون بذكريات الماضي، علماً أن فئة قليلة منهم ما زالت تصدر أعمالاً لكنها لا تلقى النجاح المطلوب، وبعضهم يشارك في حلقات تلفزيونية كضيوف من الدرجة الثانية.
مع بداية الألفية الثالثة، تغيّر مفهوم النجومية، فلم يعد الصوت الجميل كافياً، وبات هناك ما يسمى صناعة النجم، والتي تشمل إدارة الأعمال والترويج والعمل على المظهر الخارجي، والاستشارات الفنية وغيرها. ومع التطور التكنولوجي بات تعديل الصوت وإخفاء النشاز ممكناً.
ومع فورة الفضائيات العربية، صار الانتشار سهلاً، خصوصاً مع صعود موضة فنانات الإغراء، وهي أسوأ مراحل انحطاط الأغنية العربية في السنوات الأولى من الألفية الثالثة وساهمت فيها فنانات من لبنان ومصر وتونس، قدمن كليبات أقل ما يقال عنها إنها خلاعية.
ومع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، فقد الفنان ميزة الشهرة، إذ بات باستطاعة أي شخص لديه موهبة الانتشار من خلال «يوتيوب» أو «فايسبوك» أو «تويتر» أو «انستغرام». تطبيقات بسيطة حلت مكان شركات الإنتاج، وباتت الشهرة أقل كلفة، والانتشار نتيجة جهد شخصي. ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، منافسة صفحات الطبخ مثلاً على «إنستغرام» بعدد متابعيها لأشهر الفنانات العربيات.
كل هذه الأسباب، دفعت نجوم التسعينات إلى التراجع، بدءاً من صعوبة الإنتاج، وعدم القدرة على التمويل الذاتي، والثورة التكنولوجية التي لم يستطع كثر منهم أن يركبوها، فيما فهم آخرون اللعبة، ومضوا فيها وواكبوها وتفوقوا فيها. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، مسيرة الفنان عمرو دياب الذي عرف كيف ينتقل بجمهوره من حقبة التسعينات إلى القرن الحادي والعشرين، محافظاً على مظهره اللائق ومطوراً موسيقاه، وتعاونه مع ملحنين وكتاب شباب. وهذا ما لم يستطع فعله كثيرون، كمصطفى قمر وإيهاب توفيق وعلاء زلزلي ووليد توفيق.
لم تكن مفهومة أسباب تقوقع نجوم التسعينات، وتوجه بعضهم إلى التمثيل أو إلى تأسيس مشاريع تجارية أو الاكتفاء بالغناء في حفلات الأعراس. إذ كان بإمكانهم الاستعانة بملحنين وكتاب شباب ليواكبوا نظرية «ما يطلبه المستمعون».
ويبقى الاحتكار الإنتاجي سبباً مستتراً لتقوقع كثير من المغنين، فغابت أصوات جميلة استسلمت لواقع الحال والمعادلات الاقتصادية الجديدة. وفي المقابل استفاد فنانون من ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، فبات تصوير الأغنية وعرضها عبر «يوتيوب» غير مكلف، مع حرية العرض والاختيار. وأثرت أيضاً «الثورة الاجتماعية الرقمية» سلباً في شركات الإنتاج، وتقلصت بالتالي موازنة تصوير الكليبات.
الحياة