لا مؤشرات جنوباً تدل على توتر أمني أو استنفار عسكري علني لـ حزب الله أو لجهة الاحتلال الاسرائيلي. لكن ذلك لا يعني أن الأمور هادئة، فكل المعطيات تشير الى تحضيرات لمواجهة قد تشتعل جبهاتها من الجنوب الى الجولان في أي وقت.
ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله من استهداف العمق الإسرائيلي في حال ضرب اسرائيل للداخل اللبناني، فهو أعلن في خطاب سابق أن الحزب سيضرب خزانات "الأمونيا" في حيفا اذا استهدفت اسرائيل لبنان، ما أدى الى إفراغها بقرار من الحكومة الاسرائيلية. لكن التهديد يأتي هذه المرة في ظل متغيرات دولية، لعل أهمها وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة الأميركية وإعلانه أن لا ضرورة لحل الدولتين، وإعلانه دعماً غير مشروط لإسرائيل، إضافة الى إجراءات الحظر التي اتخذها، وهو أمر يدعو وفق سياسي لبناني عتيق الى شد الأحزمة والإستعداد لمرحلة مختلفة ستشهدها المنطقة ومن بينها لبنان.
تجارب سابقة
يكفي وفق السياسي أن يعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن أي اعتداء على لبنان سيرد عليه بالمثل، ليؤمن التغطية السياسية لـ"حزب الله" ليس في لبنان فقط بل في سوريا أيضاً، لكنه أيضاً يشير الى أن التطورات المقبلة قد تفتح على احتمالات عدة، من دون أن تكون الحرب قريبة. وإذا كان الوضع هادئاً على الحدود الجنوبية، إلا أن ذلك لا يطمئن بالإستناد الى تجارب الحروب السابقة، خصوصاً حرب تموز 2006 التي اشتعلت شرارتها بعد عملية "حزب الله" أسر جنود إسرائيليين، حيث امتدت الحرب لأكثر من شهر، فكيف بالوضع الراهن الذي تظهر فيه الاستعدادات قابلة للحرب.
تحريك الصواريخ
لكن الأمور ليست مستقرة لبنانياً لمواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة، أو أي مواجهة إيرانية أميركية قد يكون لبنان جزء منها. ففائض القوة والاستعداد العسكري لدى "حزب الله" لا يمكن تجييره كاملاً في أي مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي، وفق السياسي اللبناني، خصوصاً وأن الحزب منخرط بقوة في الحرب السورية التي تستنزف مقاتليه ونخبه العسكرية المدربة، وإن كان امتلك خبرة وتجارب إضافية في القتال على الأرض.
ان اي مواجهة قد تكون محتملة في أي وقت لا يستطيع "حزب الله" أن يديرها على قاعدة الجيش النظامي بما يمتلكه من صواريخ وسلاح ثقيل ومعدات قتالية حديثة، فالصواريخ التي يحكى عنها، ليست متطابقة مع الواقع، إذ أن هذا النوع من الصواريخ القادر على ضرب العمق الإسرائيلي لا يمكن أن ينقل الى لبنان نظراً لحجمه الكبير، إذا كنا نتحدث عن أن وزن رأس الصاروخ الحربي المفجر يبلغ 400 كيلوغرام. وهذه الصواريخ تحتاج الى قواعد لإطلاقها، ما يعني أنها قد تكون مكشوفة أمام الطائرات الحربية الإسرائيلية، ولذا، لن يكون "حزب الله" قادراً في أي معركة محتملة على استخدامها إذا كانت بحوزته، وهو يفضل الحصول على صواريخ أقل حجماً وفاعلة، تكون لديه قدرة على تحريكها سريعاً وفقاً لمقتضيات المعركة. لذا، ما كان يميّز الحزب في السابق أن سلاحه وبنيته القتالية غير مرئيين، وباتالي كان يمتلك القدرة على المباغتة والقتال من دون أن يعرف الاحتلال الاسرائيلي عناصر قوته وتجهيزاته وعتاده. أما اليوم، فإنه يجاهر بالقدرة على ضرب مفاعل ديمونا في عمق الأراضي المحتلة، ويكشف علناً عن امتلاكه صواريخ كبيرة، علماً أنه لا يستطيع أن يحركها خلال القتال بحكم سيطرة اسرائيل على الجو، وبالتالي سيكون الأمر نقطة ضعف وليس قوة تحت عنصر المفاجأة.
ضعف ثانٍ
ويبدو أن نقطة الضعف الثانية في المواجهة ترتبط بالوضع اللبناني الداخلي في ظل الانقسام السياسي وفي الصراع الطائفي في المنطقة ولبنان. ففي الفترة السابقة كان مفهوماً أن "حزب الله" استمر في ساحته في الجنوب متسلحاً بخصائصها أو منزله اذا جاز التعبير، لكن، وهو يدفع بالألوف من مقاتليه الى ساحة أخرىاليوم، أي الساحة السورية، يفقد هذه الخاصية، ويفقد معها ايضاً جزءاً من ساحته، في الداخل اللبناني الذي لم يعد كله ساحة للحزب، بعدما فقد قسماً كبيراً من غطائه الذي استند اليه لسنوات طويلة. ولا يخفى على أحد أن انتشار آلاف المقاتلين من النخبة والمتطوعين والأنصار يرتب كلفة كبيرة وتجهيزات ومتابعة وتأمينات لوجستية وغيرها مما تفرضها عمليات ساحة القتال، بالإضافة الى الاستنفار في القرى القريبة من الحدود السورية، والتبديل، ما أفرغ قرى كثيرة لبنانية من شبابها انتقلوا للقتال في سوريا. وهذا الأمر يظهر المزيد من القلق والخوف من مستقبل أي مواجهة في الداخل اللبناني.
احتمالات التصعيد
هل تفتح التهديدات وتطوراتها على احتمالات تصعيد وحرب في الجنوب؟ يستبعد السياسي اللبناني الأمر في هذه المرحلة، إذ أن الأجواء لا تشير الى تطورات من هذا النوع، خصوصاً وأن الحزب ليس في صدد تنفيذ عمليات، إلا في حال حصول هجمات تستهدفه مباشرة، وأولويته تبقى اليوم في سوريا. لكنه لا يستبعد تطورات قد تسرّع المعركة، وهو ما سيدفع "حزب الله" الى الرد، ليس من الجنوب فحسب، بل من جبهة الجولان أيضاً، علماً أن تجربته هناك لإنشاء مقاومة في المنطقة كقاعدة شبيهة بالجنوب، لم تنجح من دون أن تكون قد باءت بالفشل، خصوصاً وأن الساحة ليست ساحته ولا جمهوره ولا هو يستطيع أن يقاتل خارج منزله الى ما لا نهاية.