في حال الإنقسام إلى ثنائيات، والفرز الجديد الذي أحدثته التسوية الرئاسية، يبدو الطرف السنّي هو الطرف الأضعف، والمضطر إلى تقديم تنازلات للحفاظ على إتفاق الطائف والتركيبة القائمة وعدم الخروج من المعادلة. وإذا تم تعداد القوى تسلسلياً، يظهر أن الثنائي الشيعي هو الطرف الأقوى والقادر على اقفال ساحته. كما أنه القادر على فرض ما يريده على الآخرين.
في المرتبة الثانية، يحل الثنائي المسيحي الذي بقيت لديه بعض الثغرات في بيئته، فيما تبقى المرتبة الثالثة للطرف السني المتمثل بتيار المستقبل، الذي تشكل القوى السنية الأخرى منافساً له. بالتالي، تبقى ترجمة واضحة للخاصرة الرخوة بالنسبة إلى تيار المستقبل، الذي قد يعوّض ذلك بالتحالف مع النائب وليد جنبلاط في مختلف المحطات لسد بعض الفراغات.
منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وفي خضم الصراع على قانون الانتخابات، استشعر الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري الخطر من طموح الثنائي المسيحي، الذي يسعى لاستعادة صلاحيات ما قبل الطائف، وإن بشكل غير معلن. وذلك عبر السعي لفرض ثلث ضامن أو معطلّ حكومياً وبرلمانياً، من بوابة قانون الانتخابات، لتصبح هذه الكتلة التي ستنتج عن الانتخابات هي الكتلة المقررة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهذا يعني، بشكل أو بآخر، إلتفافاً ضمنياً على الطائف، لأن هذه الكتلة إذا بقيت موحدة يمكنها، إذا تحالفت مع أي طرف آخر، أن تتخذ القرارات الأساسية والمفصلية في البلد. وهذا ما يلتقي على رفضه كل من بري وجنبلاط والحريري. وذلك رغم أن الصورة المعكوسة لواقع الحال، تشير إلى أن هناك تركيبة ثلاثية ولدت، كأنها تحيي ترويكا التسعينات، وأطرافها الثنائي المسيحي مع الثنائي الشيعي بالإضافة إلى تحالف الحريري- جنبلاط. إلا أن الخلافات والصراعات بينها لاتزال مفتوحة.
تخوف البعض من النتائج السياسية البعيدة المدى التي قد تفرزها الانتخابات على أساس قانون الستين أو المختلط لمصلحة الثنائي المسيحي، هي ما دفع الحريري وجنبلاط إلى الإنفتاح على النسبية، رغم أنها قد تؤدي إلى خسارتهما عدداً من النواب. لكن الهم الأساسي بالنسبة إليهما، هو عدم خسارة الفعالية السياسية ضمن التركيبة اللبنانية. وفور طرح صيغة المختلط المقدمة من الثنائي المسيحي، رفضت من الأطراف الأربعة، حزب الله، حركة أمل، تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. ولكل من هؤلاء أسبابه. لكنهم اجتمعوا أيضاً على ضرورة حجب احتكار الساحة المسيحية من قبل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
بالتالي، فإن الحرص على اتفاق الطائف ومضمونه والتمسك بالمناصفة السياسية والعددية، هو ما قد يدفع الحريري إلى التوافق مع حزب الله وحركة أمل والاشتراكي، في مواجهة أي تغييرات بنيوية، وإن من الناحية الضمنية لا العلنية. وهذا ما يدفع الحريري إلى تقديم مزيد من التنازلات، التي قد تتكلل في ما بعد بالتنازل لمصلحة قانون يقوم على 13 دائرة على أساس النسبية، على أن يقرن ذلك بالبحث في كيفية تقسيم الدوائر وتوزيع التحالفات.
وهذا القانون إذا أقر، سيبقي الثنائي الشيعي الطرف الأقوى في المعادلة. لكن جنبلاط والحريري، يفكران في الهدف الأبعد، أي ساحة الثنائي المسيحي، التي ستكون مخترقة بنسبة تراوح بين 30 و40 في المئة، لأن النسبية لن تهمّش القوى المسيحية الأخرى.
ويقود هذا المنطق إلى خلاصة واحدة، هي أن الثنائي الشيعي سيتكرس مرجعية لكل المسائل المفصلية. إذ إن الحريري وجنبلاط سيبقيان بحاجة إلى التفاهم والتحالف معه، لأن أي مكسب يمكن للثنائية المسيحية تحقيقه سيكون على حساب الطرف السنّي، الذي عزز الطائف من دوره وصلاحيته. وكذلك الثنائي المسيحي، سيكون في حاجة دائمة إلى الثنائي الشيعي، لتعزيز الدور والمكتسبات.