لا يكاد يختفي شبح أزمة في لبنان، حتى يطل شبح أزمة أخرى من وسط بركان الأزمات التي تثقل كاهل البلد منذ الحرب الأهلية. بعد أزمة فراغ رئاسي، دامت حوالي عامين ونصف العام، تم حلّ الإشكال على تسوية أوصلت الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا.
إثر ذلك، دخلت البلاد مرحلة الخلاف حول الحقائب الوزارية. ولم تكد تنتهي المسألة حتى عاد الانقسام ليطل من بوابة قانون الانتخابات البرلمانية؛ وفيما لا يزال القانون محل خلاف، عاد الرئيس عون ليفتح نافذة خلاف بشأن إحدى أكبر القضايا محل نزاع في لبنان، وهي سلاح حزب الله.
هل كان ضروريا على الرئيس الجنرال عون أن يثير، عشية إحياء ذكرى اغتيال رفيق الحريري، قضية “شرعية” سلاح حزب الله. وأن يقول، في رد على سؤال بشأن هذا السلاح، إنه “طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح”.
جاءت تصريحات رئيس الدولة اللبنانية خلال مقابلة مع فضائية “سي بي سي” المصرية الخاصة، بثتها الاثنين الماضي، على خلفية زيارة عون لمصر، وقال فيها أيضا إن سلاح حزب الله “مكمّل لعمل الجيش (الوطني اللبناني)، ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية”.
وبردّ ميشال عون الذي أيد فيه وجود سلاح حزب الله في المرحلة الراهنة في مواجهة إسرائيل، عادت قضية هذا السلاح، وبقوة، إلى واجهة الحياة السياسية في بلد يحكمه اتفاق الطائف، الموقع بين الفرقاء اللبنانيين عام 1989، والذي أنهى حربا أهلية امتدت على مدى 15 عاما.
فتحت هذه التصريحات الباب واسعا أمام غضب لبناني واسع رأى أن ميشال عون، الذي وصل إلى سدة الرئاسة إثر تسوية قبل من خلالها تيار المستقبل بمرشح حزب الله رئيسا على البلاد، يرمي من خلالها توجيه رسائل مبطنة، خصوصا للذين توقعوا تغييرا في مواقف الرئيس بعد أن وصل إلى قصر بعبدا.
في تعليقه على هذه التصريحات، قال رئيس الحكومة، سعد الحريري، خلال كلمته في الذكرى الـ12 لاغتيال والده “نعم هناك خلاف حاد في البلد حول سلاح حزب الله وتورطه في سوريا، وليس هناك توافق على هذا الموضوع، لا في مجلس الوزراء، ولا في مجلس النواب، ولا على طاولة الحوار، ولكن ما يحمي البلد هو أنّ هناك إجماعا حول الجيش والقوى الشرعية والدولة فقط”.
ورأى الكاتب السياسي اللبناني أنه “إذا كانت لدى الولايات المتحدة الأميركية نية للبدء بالضغط على حزب الله في سوريا، ومن ثم في لبنان، فإن الجواب على ذلك جاء استباقيا من خارج لبنان ومن داخله”، مشيرا إلى تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تحدث فيها عن “الحاجة إلى حزب الله في سوريا”. وقال إن “المرحلة القادمة بالنسبة إلى سلاح حزب الله لها علاقة بالموضوع السوري”.
والموقف الدولي من تصريحات عون عكسته تغريدة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ قالت فيها إن “قرار مجلس الأمن 1701 واضح ويدعو إلى نزع سلاح كل الجماعات المسلحة، وأنه لا للسلاح خارج الدولة”. ثم وصفت، في تصريحات لصحف لبنانية، ما قاله الرئيس عون بأنه “مقلق”، خصوصا أنه يأتي قبيل أسابيع قليلة من صدور التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ بنود القرار 1701 والتزام لبنان بمفاعيله.
وفي تصريح أممي آخر، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، أن “احتفاظ حزب الله وجماعات أخرى بالسلاح خارج سيطرة الدولة يحد من قدرة لبنان على ممارسة سيادتها الكاملة وسلطتها على أراضيها”. وأوضح أن “الأمم المتحدة تعتقد أن استمرار الالتزام بجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة يشكل أهمية حيوية لاستقرار لبنان”.
ويتوقع الخبراء أن تنخفض القوة العسكرية لحزب الله بعد انتهاء الصراع في سوريا، ما يعني تقليص الدعم السوري والإيراني. لكن الأكيد أن تقلص الدعم العسكري الخارجي لحزب الله لا يعني انتهاء قوته العسكرية. فأهمية سوريا العسكرية للحزب تأتي أساسا من كونها معبرا رئيسيا لأسلحته المرسلة من إيران، وقد استطاع الحزب، وفق بعض التقارير، إيجاد معابر بديلة للمعبر السوري.
ويذهب البعض إلى القول إن إيران، ورغم العقوبات التي قد تفرضها عليها إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا، لو تم تأكيد تنصيف الحرس الثوري جماعة إرهابية، فإنها لن تتوقف عن دعم حزب الله، لأنه سيبقى حليفها الوحيد في المنطقة، وبالتالي لا حلّ أمام السياسيين اللبنانيين إلّا العمل على تفعيل قرارات مجلس الأمن “قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701"، لتفادي دخول البلاد في مرحلة أكثر خطورة من الاستقطابات والأزمات، فسلاحه قد يوقظ “وهم” الأمن الذاتي المسيحي، وفق الكاتب اللبناني رولان خاطر.