في فترة قياسية، أصبح موقع "صراحة" الذي انتشر بين مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حديث الناس، وبات همّهم الوحيد قراءة الرسائل "المجهولة المصدر" لمعرفة ما يخبّؤه أصدقاؤهم تجاههم.
فكرة الموقع بسيطة للغاية وهي تقوم على فكرة أن يشترك المستخدم بالموقع، فيصبح هناك إمكانية لأصدقائه أن يرسلوا له رسائل يبدون رأيهم به دون أن يعرف هوية المرسل، لكنّ المفارقة أنّ فكرة "صراحة" البسيطة جعلت أرقام المشتركين فيه خيالية وفي فترة لم تتجاوز الشهر من إطلاقه.
هذا في الشكل، أمّا في المضمون فالرسائل التي أرسلت للمشتركين بـ"صراحة"، تشكّل مادة للبحث والتدقيق، حيث قام بعض المشتركين بنشر بعض الرسائل على حساباتهم والرد على الأشخاص "المجهولين"، فظهرت رسائل النقد على البعض، كما ظهرت رسائل العتاب على أيام من الصداقة لم تستمر، إضافة إلى رسائل الحب والغزل. كما أنّ هنالك رسائل تتضمّن إيحاءات جنسية.
فماذا يقول علم النفس عن هذه الظاهرة؟ ولماذا وجد الناس في هذا الموقع فرصة للتعبير عن بعض الأمور التي لم يكن بإمكانهم التعبير عنها وجهاً لوجه أو بوضوح و"صراحة" لأصدقائهم؟
"المساحة الآمنة"
تقول المعالجة النفسية لينا عوض في حديث لـ"لبنان 24" أنّ "هناك أشياء تكون داخلنا نخاف من إعلانها، ونخاف مواجهتها مع الآخر، لأننا نجهل ردّة فعله، وحكمه علينا، فتبقى مكبوتة في "لاوعينا"، وبالتالي لا نستطيع الوصول إلى مرحلة "التداعي الحر" وهي مرحلة التعبير براحة تامّة عن أفكار اللاوعي".
وتؤكّد عوض أنّ "منصّةً كموقع "صراحة" تكون فرصة لـ"التداعي الحر" لدى الشخص الذي يكبت "لاوعيه"، لذلك في علم النفس ينصح دائماً بأن يعمل المعالج النفسي بعيداً عن منطقته حيث لا يكون هناك أي احتكاك بينه وبينهم خارج إطار العيادة، وألا يكون هناك أي علاقة سابقة شخصية معهم، فيشعر المريض بالراحة أكثر في التعبير عمّا يجول في داخله".
وبناءً على ذلك، تشير عوض إلى أنّ "موقع "صراحة" يشكّل مساحة آمنة للتعبير عن كل ما يختزنه الشخص في "لاوعيه"، لأنّه لا يوجد حواجز تمنعه من التعبير كما أنّه لم يعد هناك خوف لديه بسبب أنّ هويته لن تكشف للطرف الآخر".
الغرائز الجنسية
وعن بعض الرسائل التي تصل إلى بعض المشتركات في الموقع، والتي تحمل طابعاً جنسياً، تشرح عوض أنّ "الغرائز الجنسية موجودة لدى الجميع بالمطلق لكنّ العقل يضبطها، وتظهر في الأحلام واللاوعي، لكن عندما يجد الوعي فرصة للتعبير فيقوم بإطلاقها، دون خشية من عقاب أو ردّ فعل من الطرف الآخر".
الرقابة وعقدة الذنب
من جهتها توضح المعالجة النفسية الإجتماعية مارسيل متلج لـ"لبنان 24" أنّه "اجتماعياً، الشخص عندما لا يكون عليه رقابة من أحد، فيقوم مثلاً بمشاهدة الأفلام الإباحية، ولا يشعر بعقدة ذنب لأنّه يشاهدها سراً دون معرفة أحد، وبالتالي كلّ ما زادت الرقابة المجتمعية في المنزل تزيد حالة الكبت، ما يؤدّي إلى إخراج هذا الكبت عبر هذا الموقع مثلاً".
وتؤكّد متلج أنّ "الشباب ليسوا وحدهم الذين يعبّرون عن مكبوتاتهم تجاه الجنس الآخر، بل إنّ هذا الموقع قد يكون فرصة للفتيات أيضاً ليعبّرن عن إعجابهنّ بشاب بطريقة غرائزية لم يكن باستطاعتهنّ التعبير عنها سابقاً".
مكان لـ"التفريغ"
وتصف متلج الموقع بأنّه "مكان للتفريغ"، مشيرة إلى أنّه "عندما يكون هناك شخص تظهر أنّك تحبّه، لكنّ الحقيقة عكس ذلك تماماً، ولا تستطيع التعبير له وجهاً لوجه تفادياً لمشاكل مستقبلية، فيكون هذا الموقع هو المكان المناسب للتعبير، لذلك عند الخروج من عيادة المعلج النفسي تسأل نفسك: لماذا قلت كل ذلك أمامه؟ والجواب هو أنّك وجدت مكاناً ومساحة لقول كل ما هو مكبوت داخلك".
انعكاسات مستقبلية
وتوضح متلج أنّ "مستخدمي هذا الموقع، منهم من يعاني من قلّة ثقة بالنفس، إمّا من الثقة الزائدة، وإمّا من عقدة نقص ما، وبالتالي فالرسائل التي تصلهم من الممكن جداً أن تؤدّي إلى انعكاسات عليهم مستقبلاً، قد لا تظهر في القريب العاجل لأن الموقع ما زال حديث العهد، لكن من المؤكد أن يؤدي إلى ذلك في المدى المنظور".