تروي لنا العجائز بأنَّ " خوريَّاً "، كان يُعرف بأناقته ولياقته وتواضع ديره وسكون كنيسته، فَشَغَفَ الناس حبَّاً وتعلُّقاً، وهو المتصل بحبلٍ من الله والناس.
هكذا روت العجائز من أنَّ خوريَّاً كان مسالماً مسالمة الكنيسة، بعد أن هجرت الحروب وطلَّقت التدخُّل كوسيطٍ سياسيٍّ بين الخالق والمخلوق،فارتاحت وأراحت من همِّ الدور الذي لعبته الكنيسة طيلة قرونٍ، فصنعت مأساة ومآسي وهمومٍ ما زالت محفورةً في صدر التاريخ البشري.
إقرأ أيضًا: لبنان وقانون أحزاب المُغيَّط
فروت ما روته من حكاية الخوري الذي رعى الرعيَّة والكنيسة في منطقةٍ محاطة بجمال الدِّين والدنيا، ثمَّة دخالةٍ أردت الخوري قتيل الشهوات والنزوات،بعد أن تعرَّف على بعض شيوخٍ نشأت بينهم علاقة وِدٍّ وإحترامٍ تطوَّرت بإتجاه تحسين العلاقة والصداقة،لتتسع إلى تعرُّفٍ قريبٍ عن أشياء يجهلها بعضٌ من شيوخنا الذين نكنُّ لهم إحترامًا وتقديرًا، وهناك من نذر نفسه فعلًا لخدمة الناس بإتجاه الله تعالى، وبذلوا جهودهم وأقلامهم وقدَّموا ما يملكون من أجل هذه الغاية النبيلة، إلاَّ أنَّ من هذا الصنف من يُتقن فنَّ التجارة مع الله والناس، ويتسترون بأثواب التقوى، فنصبوا الدِّين فخَّاً لهم، حتى إذا لاح لهم الحرام إقتحموه، وهذا ما يجهله كثيرٌ من الناس الطيبين، وهذا ما كان يجهله شيوخ الكنيسة، وخوريِّها، ومن ثم بات الخوري يسألهم عن مسائل شرعية تتعلَّق بمفاهيم الدين الإسلامي في السلطة وإلى المال، وقد روى له شيخٌ عن فهم الإسلام لأمور الحياة، ليتمَّ بعد ذلك مقارنة الإسلام بالمسيحية لجهة رجل الدين والمستحقات التي توفرها له الديانتين، ولمَّا وجد الخوري أنَّ المسيحية لا تعطي الراهب ما يعطيه الإسلام للشيخ من مُتع الحياة ومن حقوقٍ ماليَّةٍ وماديةٍ ومعنويةٍ وشأنيةٍ ورفاهيةٍ عالية الجودة، بدأ خوري الكنيسة يستحسن حياة مشايخ الدين الإسلامي، وإصابته نزعة الدنيا التي يمتلكها الشيخ، فبات يُحدِّثُ نفسه التي حرَّضته على الإتيان بما أوتي رجال الدين في الإسلام...
إقرأ أيضًا: العينُ بالعين، والجِنُّ بالجِنِّ، والآتي أعظم..!
فبات يحسب لنفسه حصة من التبرعات وأموال الصدقات وما ينذر المؤمنون من دَينٍ للمذبح، وهكذا عاش فترةٍ قصيرةٍ من اليُسرِ بعد أن عاش عمره الستين بعُسرٍ كونه نذر نفسه للرهبنة والتخشُنِ والإبتعاد عن الملذات والشهوات، وبعدها شاع وذاع صيت خوري الكنيسة لا كراهبٍ بل كرجل دينٍ يُشبع حاجاته على الطريقة الإسلامية... فقدَّمت الكنيسة المسؤولة وحرَّرت الخوري من قيد الرهبنة، وأخرجته من ديرٍ لازمه عابدًا جريحًا على مذبح المسيح لسنين طويلةٍ زَهِدَ فيها،وكاد أن يكون قدِّيساً لولا دخول الشيوخ عليه وإفساد دينه وزعزعة إيمانه، وأخيراً صدر فرمانٌ بعزله عن الكنيسة، وبات يبيع صلبان الكنيسة والتاج والتيجان والصولجان.