بشكل تصعيدي، أعاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التركيز في خطاباته على قضية فلسطين وأهميتها. وأعاد رفع لهجته التهديدية ضد الكيان الإسرائيلي. لم تغب هذه المواقف طوال الاطلالات السابقة لنصرالله، لكنها هذه المرة، الخميس 16 شباط 2017، جاءت على شكل يذكّر بخطابات ما قبل الإتفاق النووي. قد تكون المناسبة تستدعي ذلك، من الناحية الشكلية والبسيطة، إلا أن القراءة الواقعية للمتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، قد تستدعي اتخاذ مواقف على هذه الشاكلة، وفق مصادر متابعة.
تعتبر المصادر أن المرحلة الإقليمية والدولية بمثابة مرحلة من الوقت الضائع وإعادة ترتيب الأوضاع والأوراق، في انتظار اتضاح حقيقة السياسية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. من حيث الشكل، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن مواقف عالية السقف ضد إيران، ويتهمها بلعب أدوار سيئة في المنطقة، ولم تكن تمر ساعات قليلة على كلام نصرالله، حتى كان لترامب موقف واضح، بأن إيران هي أكثر دولة داعمة للإرهاب في العالم. بالتالي، فإن هذا التوجه الأميركي الجديد هو الذي حتّم التصعيد في خطاب نصرالله.
ركز نصر الله في خطابه، على المواجهة مع العدو الإسرائيلي. وأعاد مهاجمة دول الخليج بخلاف فترة التهدئة السابقة، إذ اتهم المملكة العربية السعودية بأنها شريكة في دعم تنظيم داعش مع الولايات المتحدة. وشن هجوماً على الدول الخليجية والعربية متهماً إياها بالتقاعس عن نصرة فلسطين. ووضع السعودية وإسرائيل وأميركا في خندق واحد. ما هو ثابت بالنسبة إلى المصادر، أن أي توتر في العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي، كان ينعكس تلقائياً في لبنان من خلال تصعيد حزب الله، سواء تجاه المجتمع الدولي، أو التشدد في مواقف محلية.
رفع نصرالله السقف إلى أقصى الحدود التهديدية ضد إسرائيل، وشملت توجيهه دعوة لها إلى تفكيك معامل ديمونة، الذي سيكون عرضة للقصف. وتوعد بأن كثيراً من المفاجآت تنتظرها في حال ارتكبت أي حماقة. لكنه، في المقابل، طمأن بأنه لن يحصل أي شيء على الحدود رغم التهديدات والتحليلات التي تتحدث عن قرب حرب إسرائيلية. وهذا ما تعتبره المصادر أنه يندرج في سياق معرفة الجميع أن اللحظة الحالية لا تسمح بإشعال أي جبهة قد تؤثر على إسرائيل، والحفاظ على التهدئة الحدودية معها سواء في لبنان أم في سوريا. هذا على الأقل حالياً، أما في المستقبل فإن الأمور مرهونة بالتطورات، وإذا ما استمرت بالتصاعد.
لكن اللافت أيضاً، أن كلام نصرالله ضد دول الخليج، جاء بالتزامن مع زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الكويت وعمان، في ضوء تداول معلومات عن سعي إيراني للتقارب مع دول الخليج، والبحث عن نقاط مشتركة، يمكن البناء عليها لتخفيف التوتر، وبعد مواقف عديدة لمسؤولين إيرانيين تحدثوا عن سعيهم لتحسين العلاقة مع السعودية، وعن أهمية التقارب بين البلدين.
وهناك من يقرأ الهجوم، بالتزامن مع الزيارة، ضمن صراع الأجنحة في إيران، بين المتشددين والمعتدلين، ورفض المتشددين سياسة المعتدلين الإنفتاحية. أي أن الهجوم يندرج في إطار الرد على زيارة روحاني الخليج ورفضها استثمار ذلك في الانتخابات الإيرانية المقبلة. فيما هناك من يعتبر أن هذا الأسلوب لا يخرج عن سياق توزيع الأدوار والمواقف بين الجناحين الإيرانيين، إذ إنه ليس غريباً على إيران، التي عملت في أكثر من مرة على التراخي في مكان معين، مقابل التصعيد والتشدد في مكان آخر.
كذلك، هناك من يعتبر أن إيران تدرك أن الوضع الأميركي رغم تصعيد ترامب قد لا يسمح لواشنطن بشن حروب، أو تصعيد الجبهات إنما أكثر ما يمكن فعله هو تشديد العقوبات. لذلك، فإن المواقف التصعيدية توضع في سياق تحسين الموقع التفاوضي.
شكل كلام نصر الله محطة لإعادة بناء وضعية قتالية في مواجهة إسرائيل، وذلك لتعويض ما يمكن أن تشكله التطورات السورية من خسائر على الحزب على المدى البعيد، خصوصاً في ظل وجهة النظر القائلة إن المسار المتسارع للتطورات السياسية والتوافقات الدولية حول سوريا، سيؤدي في نهاية المطاف إلى إخراج حزب الله من سوريا، وتطويق النفوذ الإيراني هناك، بناء على إتفاق أميركي، خليجي، روسي تركي. وهذا، إذا ما صح ونفّذ، سيستدرج رداً إيرانياً متصاعداً في كل الميادين التي تستطيع طهران الرد فيها. وفي هذا السياق، لا تفصل المصادر كلامها عن اللقاء الذي عقد بين وزيري الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون والسعودي عادل الجبير، الذي قال: "إننا نتطلع إلى العمل مع إدارة الرئيس ترامب حول قضايا المنطقة".
في التوصيف الواقعي للحظة السياسية الراهنة، فإن الوقت الآن ليس لاتخاذ القرارات، إنما هي لحظات استعراض القوة وتجميع الأوراق لإبرازها، في انتظار اتضاح ملامح السياسة الأميركية تجاه المنطقة. بالتالي، إذا تطابقت الأفعال مع الأقوال لدى ترامب، فبالتأكيد، لن يخفض حزب الله السقف، إنما قد يرفعه. بالتالي، إن استمرار التصعيد الأميركي، وعدم الوصول إلى أي تقارب إيراني خليجي في المستقبل، بالإضافة إلى استمرار التصعيد ضد إيران ونفوذها في سوريا، فإن ذلك قد يحتم لجوء إيران وحزب الله إلى سياسة مواجهة من جديد. وقد يقتضي ذلك في حينها تحريك إحدى الجبهات مع إسرائيل.