توقّفت إبرة البوصلة الانتخابية في نقطة الوسط بين اتجاهين: الأول يقود نحو الاستمرار في المراوحة والدوران في الحلقة الفارغة وصولاً إلى التسليم بالأمر الواقع، بما يعني إعادة اعتماد قانون الستّين أساساً للانتخابات النيابية التي يفترض أن تجري في الربيع المقبل. أمّا الثاني فيقود نحو تكرار محاولات البحث عن القانون المفقود في متاهات السياسة وتعقيداتها وتبايناتها التي لا حصرَ لها، في وقتٍ سَقط التحذير الأميركي من السفر إلى لبنان ثقيلاً على المشهد السياسي وأثارَ تساؤلات.
توقّف البلد بكلّ قطاعاته في نقطة رصد المسار الذي ستسلكه الموازنة العامة للسنة الحالية، التي تقف عند تقاطع طرق ستحدد الجلسات المتتالية لمجلس الوزراء سلوك إحداها، إن في اتجاه موازنة مثالية تعيد الانتظام للواقع المالي وتفتح باباً للانتعاش الاقتصادي، وهذا بمثابة حلم بالنسبة الى اللبنانيين، او في اتجاه موازنة ثقيلة قائمة على سلّة قاسية من الضرائب والرسوم، وهنا الطامة الكبرى على المواطن وذوي الدخل المحدود. أو في اتجاه موازنة أقلّ من عادية اشبَه بالقاعدة الإثني عشرية، وهذا يعني إبقاءَ البلد على حاله من الشلل الضارب فيه منذ سنوات طويلة.
وعلى مقربة من هذا التقاطع، تكمن سلسلة الرواتب، التي تبدو مقاربتها مضغوطة بـ«شاقوفين»: «شاقوف» التقديمات المتوجّب إعطاؤها للموظفين الذين لطالما انتظروها، و«شاقوف» المبالغ والأرقام وشبح التضخّم الذي قد يذهب بكلّ العطاءات وينخر خزينة الدولة. وأمام هذا الحائط يُطرح السؤال: أيّ مصير ستؤول إليه؟
وإذا كان نقاش الموازنة يبشّر نظرياً بولادة موازنة للمرّة الأولى منذ إحدى عشرة سنة، فإنّ الأجواء المحيطة بها لا تؤشّر إلى ولادة ميسّرة لها، إذ إنّ تشريحَها ومقاربة أبوابها يتطلب عناية مركّزة، كما تؤكّد مصادر وزارية، وهذا يعني في رأيها أنّ جلسات مجلس الوزراء التي ستُستأنف اليوم وتُستكمل بجلسات ثلاث الاسبوع المقبل، قد لا تكون كافية وربّما يتطلّب الأمر مزيداً من الجلسات، خاصةً وأنّ بنوداً عدة فيها، وتحديداً في باب تغطية النفقات، تحتاج إلى إجابات دقيقة لتوضيح بعض الالتباسات التي تعتريها.
الحظر الأميركي
امام هذا الانسداد الاقتصادي، مضافاً اليه الإرباك السياسي الذي بلغ أشدّه انتخابياً، تعرّض المشهد الداخلي لطلقة اميركية أصابَته في معنوياته الأمنية، وتجلّت بدعوة الادارة الاميركية الجديدة للرعايا الاميركيين بعدم السفر الى لبنان «على خلفية ما سمّاها بيان الخارجية الاميركية «التهديدات الارهابية، وتفشّي العنف، وعمليات الخطف، وتجنّب المنطقة الحدودية خصوصاً بين لبنان وسوريا، والحدود الواقعة مع إسرائيل».
ودعا البيان الرعايا إلى «رصد التطورات السياسية والأمنية في كل من لبنان وسوريا، وأن يبقوا بعيداً من المخاطر الموجودة وتجنّب وادي البقاع، بسبب الاشتباكات التي تحصل في هذه المنطقة من بعض العناصر الإجرامية، حيث هناك وجود قوي لـ«حزب الله» في وادي البقاع والمناطق الحدودية، بالإضافة إلى مناطق في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت».
وحذّرت الخارجية الرعايا الأميركيين «من أنّ الحكومة اللبنانية غير قادرة على ضمان حمايتهم تجاه بعض أحداث العنف التي يمكن أن تحدث في أيّ وقت في لبنان، وتحدّثت عن انّ التوتر في طرابلس، والأحياء من باب التبانة إلى جبل محسن ما زال قائماً، إضافةً إلى السلاح المتفلّت والموجود في أيدي عناصر غير حكومية».
كما دعت الرعايا إلى «تجنّب مناطق التظاهرات التي قد تتحوّل إلى عنيفة، وتوَخّي الحذر في محيط أيّ تجمّعات واسعة، خصوصاً أنّه قد يتمّ خفضُ الوصول إلى المطار حالاً إذا تدهوَر الوضع الأمني».
وقد لقيَ هذا الموقف الاميركي استغراباً على كل المستويات اللبنانية، وأثيرَت تساؤلات حول مغزى وأبعاد الحظر الاميركي في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً وأنّ مضمون بيان الخارجية الاميركية يتناول محطات توتّر قديمة باتت هادئة كلياً مثل طرابلس وباب التبانة وجبل محسن، وأكثر الملاحظات الصارخة فيه إشارته الى منطقة الحدود الجنوبية مع اسرائيل».
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «إنّ ما يبعث على «النقزة» من بيان الخارجية الاميركية انه يأتي في وقت ينعم فيه لبنان باستقرار ملحوظ ومشهود من كلّ العالم، ويسجّل خطوات الى الامام على صعيد انفتاح الخارج عليه وعودة الرعايا العرب، فضلاً عن انّه يتناقض مع الإشادات التي تطلقها الديبلوماسية الاميركية في اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، بالوضع اللبناني وبالاستقرار السياسي والامني، ومع النصائح الذي تسديها للّبنانيين بضرورة الحفاظ على هذا الاستقرار».
بدوره، قال مرجع امني لـ«الجمهورية»: «بكلمة مختصَرة لبنان آمن، وهذا الإجراء ربّما يكون تقليدياً، ولا دخل لنا في الاسباب التي حملت الادارة الأميركية على اتخاذ هذا الإجراء اليوم، لكن ما يهمّنا التأكيد عليه هو أنّ الوضع في لبنان افضل من الناحية الامنية من كثير من الدول، عربيةً كانت او إقليمية او غربية.
والعالم كلّه، وفي مقدّمه الولايات المتحدة الاميركية شهد للبنان دورَ الجيش اللبناني والاجهزة الامنية للحفاظ على امن لبنان واستقراره، والإنجازات التي حققها في حربه على الإرهاب، وحتى الأمس القريب كان الجيش والأجهزة يتلقّيان الإشادة والتهاني من المؤسسات العسكرية والامنية الغربية والاميركية على ما حقّقاه على هذا الصعيد».
وكشفَت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» أنّ الإدارة الأميركية كانت تُزمع إصدارَ البيان أواخر الشهر الماضي، لكنّها آثرَت تأخيره لكي لا يُـفسّر وكأنه ملحق لقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بحظر سفر رعايا الدول الست إلى الولايات المتحدة. غير أنّ مواقف عدد من المسؤولين اللبنانيين حيال سوريا و«حزب الله» أعادت وسرَّعت صدور البيان.
وانتظرت الادارة الاميركية صدور توضيحات حول تلك المواقف خصوصاً من رئيس الحكومة وحلفائها، إلّا انّ ذلك لم يحصل، ما حدا بها الى إعادة التأكيد على تصنيف «حزب الله» على لائحة الإرهاب قارنةً ذلك بإعلان تجميد حسابات مصرفية لعدد من مسؤوليه، وبدعوة لبنان إلى الالتزام بقرارات الامم المتحدة من القرار 1559 وصولاً إلى القرار 1701 الذي تعتبره مع الأمم المتحدة يشمل نزع سلاح حزب الله.
وحول توقيت البيان الاميركي، لاحظت مصادر سياسية مطّلعة على آلية عمل الإدارة الأميركية في لبنان والشرق الأوسط ما يلي:
أوّلاً، البيان يأتي في إطار الموقف الدوري الذي تصدِره الخارجية الاميركية عبر سفارتها مرّةً كلّ 6 أشهر، وحين تدعو الحاجة، حفاظاً على أمن رعاياها في لبنان، خصوصاً وأنّ عدداً من ديبلوماسيّيها ومواطنيها تعرّضوا سابقاً للخطف والحجز والاغتيال، وسفارتها للتفجير. والإدارة الأميركية ملزَمة قانوناً بإصدار مِثل هذه البيانات.
ثانياً، هو أوّل بيان يصدر بعد انتخاب ترامب في أميركا والرئيس ميشال عون في لبنان، ما يعني أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان، لا سيّما بوجهها الأمني، لم تتغيّر بتغيير الرؤساء. فواشنطن لا تزال تصنّف لبنان بين البلدان المرتفعة المخاطر استناداً إلى تقارير مخابراتها ووزارة الخزانة. كما يعني أنّ الوضع الأمني اللبناني لم يتغيّر مع العهد الجديد.
ثالثاً، يفترض بالمسؤولين اللبنانيين ألّا يُنَقِّبوا عن الخلفيات السياسية للبيان، إنّما الاهتمام بتحسين الوضع الأمني بدءاً من المطار والمرفأ مروراً بالمربّعات الأمنية وصولاً إلى الحدود.
رابعاً، ما يميّز بيان الإدارة الأميركية اليوم عن بيانها التحذيري لرعاياها في تموز الماضي، هو أنها عدّدت هذه المرة الأسباب التي دفعتها إلى إصدار بيانها، فجاء التعداد بمثابة محضر ضبط توصيفي للحال اللبنانية (تهديدات الإرهاب، الاشتباكات المسلحة، الخطف، تفشّي العنف، ولا سيّما قرب حدود لبنان مع سوريا وإسرائيل).
والملاحظ في هذا السياق، تزامُن البيان الاميركي مع بدء عودة رعايا بعض الدول الخليجية تدريجاً إلى لبنان، لا سيّما الرعايا السعوديين والكويتيين والقطريين. فضلاً عن أنّ النقطة غير السلبية في البيان الأميركي تتبدّى في أنه لا يدعو الرعايا الأميركيين الموجودين حالياً في لبنان إلى مغادرته.
تصنيف التحذير
إلّا أنّ مصادر في وزارة الخارجية الأميركية قالت لـ«الجمهورية» إنّ التحذير الاميركي واحد من تدبيرين يحملان صفة التحذير تعتمدهما واشنطن في التخاطب مع مواطنيها في مختلف انحاء العالم. الأول، يوجب على الادارة توعية مواطنيها لتحاشي التنقّل الى المناطق التي يمكن ان تشكّل بيئة خطرة على هؤلاء الرعايا، والثاني تطلقه الإدارة عندما تتوفّر معلومات استخبارية استباقية عن أحداث متوقّعة قد تهدّد امنَ ايّ دولة في العالم، ويمكن ان تستهدف الأميركيين تحديداً وتهدّد سلامتهم. والخطوات الاميركية التالية هي التي ستحدّد التصنيفَ الدقيق لهذا التحذير.
عون
سياسياً، جدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه لن يقبل في عهده أن يخرق أحد الدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء. وأكّد أنّ نظام النسبية هو الأفضل للقانون الانتخابي الجديد، مشيراً إلى وجود عوامل إيجابية في السعي إلى الاتفاق على هذا القانون.
مكانك راوِح
إنتخابياً مكانك راوِح، ولا اجتماعات، بل مشاورات محدودة حول بعض الصيغ. وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية»: «أن لا اتفاق نهائياً أو حتى مبدئياً، والأمور ليست سهلة، هناك تعقيدات لم يتمّ تجاوُزها».
«التكتّل» و«الكتائب»
وإذ أشار «تكتّل التغيير والإصلاح» الى «بحث متقدّم يوازن بين الأكثري والنسبي، وضمن معيار صحة التمثيل وفعاليته. وقال: «نحن اليوم في انتظار الاجوبة الناجعة على هذا الطرح»، أكد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل من السراي الحكومي بعد لقائه الرئيس سعد الحريري أنّه «إذا لم يقرّ قانون انتخابي في 21 شباط الحالي فهذا يعني أنّنا متّجهون الى خيارات كلّها سيئة».
أضاف: «أيام معدودة تفصلنا عن مرحلة مهمّة، وبعدها سيتعرّض لبنان لمشاكل في نظامه الديموقراطي، ونحن امام معضلة ستبدأ بعد 21 شباط ، ودعا الحكومة الى تحمّل مسؤوليتها كفريق عمل وتقديم مشروع قانون الى مجلس النواب.
وأوضَح مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» انّ زيارة الجميّل الى الحريري تندرج في إطار تحرّكِه في اتجاه القيادات الرسمية مع اقتراب انتهاء المهلة الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة من دون الاتفاق على قانون يصار على اساسه الى المباشرة بالخطوات الدستورية المطلوبة لإجراء الانتخابات في موعدها.
وأوضَح انّ الحزب سيزيد من وتيرة تحرّكاته الشعبية والسياسية للدفع بالحكومة والمعنيين في اتجاه وضعِ قانون يضمن صحّة التمثيل وشموليته.
ولفتَ المصدر الى انّ نهاية الاسبوع الجاري ستشهد تحرّكاً طالبياً وشبابياً كتائبياً بالتنسيق مع عدد من القوى الشبابية الحزبية وجمعيات المجتمع المدني، لمطالبة الحكومة ومجلس النواب بتحمّلِ مسؤلياتهما لتأمين متطلبات إجراء الانتخابات في موعدها.
كذلك كشفَ المصدر انّ الجميّل سيستهلّ الاسبوع المقبل بمزيد من الضغط السياسي والإعلامي لوضع الرأي العام في صورة ما يتعرّض له من محاولات لمصادرة حقّه في إنتاج طبقة سياسية تترجم أفكاره وتطلعاته وتضمن له تمثيلاً صحيحاً في المجلس النيابي بما يمكنه من ممارسة حقّه في التشريع والرقابة والمحاسبة».
وعلى مقربة من هذا التقاطع، تكمن سلسلة الرواتب، التي تبدو مقاربتها مضغوطة بـ«شاقوفين»: «شاقوف» التقديمات المتوجّب إعطاؤها للموظفين الذين لطالما انتظروها، و«شاقوف» المبالغ والأرقام وشبح التضخّم الذي قد يذهب بكلّ العطاءات وينخر خزينة الدولة. وأمام هذا الحائط يُطرح السؤال: أيّ مصير ستؤول إليه؟
وإذا كان نقاش الموازنة يبشّر نظرياً بولادة موازنة للمرّة الأولى منذ إحدى عشرة سنة، فإنّ الأجواء المحيطة بها لا تؤشّر إلى ولادة ميسّرة لها، إذ إنّ تشريحَها ومقاربة أبوابها يتطلب عناية مركّزة، كما تؤكّد مصادر وزارية، وهذا يعني في رأيها أنّ جلسات مجلس الوزراء التي ستُستأنف اليوم وتُستكمل بجلسات ثلاث الاسبوع المقبل، قد لا تكون كافية وربّما يتطلّب الأمر مزيداً من الجلسات، خاصةً وأنّ بنوداً عدة فيها، وتحديداً في باب تغطية النفقات، تحتاج إلى إجابات دقيقة لتوضيح بعض الالتباسات التي تعتريها.
الحظر الأميركي
امام هذا الانسداد الاقتصادي، مضافاً اليه الإرباك السياسي الذي بلغ أشدّه انتخابياً، تعرّض المشهد الداخلي لطلقة اميركية أصابَته في معنوياته الأمنية، وتجلّت بدعوة الادارة الاميركية الجديدة للرعايا الاميركيين بعدم السفر الى لبنان «على خلفية ما سمّاها بيان الخارجية الاميركية «التهديدات الارهابية، وتفشّي العنف، وعمليات الخطف، وتجنّب المنطقة الحدودية خصوصاً بين لبنان وسوريا، والحدود الواقعة مع إسرائيل».
ودعا البيان الرعايا إلى «رصد التطورات السياسية والأمنية في كل من لبنان وسوريا، وأن يبقوا بعيداً من المخاطر الموجودة وتجنّب وادي البقاع، بسبب الاشتباكات التي تحصل في هذه المنطقة من بعض العناصر الإجرامية، حيث هناك وجود قوي لـ«حزب الله» في وادي البقاع والمناطق الحدودية، بالإضافة إلى مناطق في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت».
وحذّرت الخارجية الرعايا الأميركيين «من أنّ الحكومة اللبنانية غير قادرة على ضمان حمايتهم تجاه بعض أحداث العنف التي يمكن أن تحدث في أيّ وقت في لبنان، وتحدّثت عن انّ التوتر في طرابلس، والأحياء من باب التبانة إلى جبل محسن ما زال قائماً، إضافةً إلى السلاح المتفلّت والموجود في أيدي عناصر غير حكومية».
كما دعت الرعايا إلى «تجنّب مناطق التظاهرات التي قد تتحوّل إلى عنيفة، وتوَخّي الحذر في محيط أيّ تجمّعات واسعة، خصوصاً أنّه قد يتمّ خفضُ الوصول إلى المطار حالاً إذا تدهوَر الوضع الأمني».
وقد لقيَ هذا الموقف الاميركي استغراباً على كل المستويات اللبنانية، وأثيرَت تساؤلات حول مغزى وأبعاد الحظر الاميركي في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً وأنّ مضمون بيان الخارجية الاميركية يتناول محطات توتّر قديمة باتت هادئة كلياً مثل طرابلس وباب التبانة وجبل محسن، وأكثر الملاحظات الصارخة فيه إشارته الى منطقة الحدود الجنوبية مع اسرائيل».
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «إنّ ما يبعث على «النقزة» من بيان الخارجية الاميركية انه يأتي في وقت ينعم فيه لبنان باستقرار ملحوظ ومشهود من كلّ العالم، ويسجّل خطوات الى الامام على صعيد انفتاح الخارج عليه وعودة الرعايا العرب، فضلاً عن انّه يتناقض مع الإشادات التي تطلقها الديبلوماسية الاميركية في اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، بالوضع اللبناني وبالاستقرار السياسي والامني، ومع النصائح الذي تسديها للّبنانيين بضرورة الحفاظ على هذا الاستقرار».
بدوره، قال مرجع امني لـ«الجمهورية»: «بكلمة مختصَرة لبنان آمن، وهذا الإجراء ربّما يكون تقليدياً، ولا دخل لنا في الاسباب التي حملت الادارة الأميركية على اتخاذ هذا الإجراء اليوم، لكن ما يهمّنا التأكيد عليه هو أنّ الوضع في لبنان افضل من الناحية الامنية من كثير من الدول، عربيةً كانت او إقليمية او غربية.
والعالم كلّه، وفي مقدّمه الولايات المتحدة الاميركية شهد للبنان دورَ الجيش اللبناني والاجهزة الامنية للحفاظ على امن لبنان واستقراره، والإنجازات التي حققها في حربه على الإرهاب، وحتى الأمس القريب كان الجيش والأجهزة يتلقّيان الإشادة والتهاني من المؤسسات العسكرية والامنية الغربية والاميركية على ما حقّقاه على هذا الصعيد».
وكشفَت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» أنّ الإدارة الأميركية كانت تُزمع إصدارَ البيان أواخر الشهر الماضي، لكنّها آثرَت تأخيره لكي لا يُـفسّر وكأنه ملحق لقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بحظر سفر رعايا الدول الست إلى الولايات المتحدة. غير أنّ مواقف عدد من المسؤولين اللبنانيين حيال سوريا و«حزب الله» أعادت وسرَّعت صدور البيان.
وانتظرت الادارة الاميركية صدور توضيحات حول تلك المواقف خصوصاً من رئيس الحكومة وحلفائها، إلّا انّ ذلك لم يحصل، ما حدا بها الى إعادة التأكيد على تصنيف «حزب الله» على لائحة الإرهاب قارنةً ذلك بإعلان تجميد حسابات مصرفية لعدد من مسؤوليه، وبدعوة لبنان إلى الالتزام بقرارات الامم المتحدة من القرار 1559 وصولاً إلى القرار 1701 الذي تعتبره مع الأمم المتحدة يشمل نزع سلاح حزب الله.
وحول توقيت البيان الاميركي، لاحظت مصادر سياسية مطّلعة على آلية عمل الإدارة الأميركية في لبنان والشرق الأوسط ما يلي:
أوّلاً، البيان يأتي في إطار الموقف الدوري الذي تصدِره الخارجية الاميركية عبر سفارتها مرّةً كلّ 6 أشهر، وحين تدعو الحاجة، حفاظاً على أمن رعاياها في لبنان، خصوصاً وأنّ عدداً من ديبلوماسيّيها ومواطنيها تعرّضوا سابقاً للخطف والحجز والاغتيال، وسفارتها للتفجير. والإدارة الأميركية ملزَمة قانوناً بإصدار مِثل هذه البيانات.
ثانياً، هو أوّل بيان يصدر بعد انتخاب ترامب في أميركا والرئيس ميشال عون في لبنان، ما يعني أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان، لا سيّما بوجهها الأمني، لم تتغيّر بتغيير الرؤساء. فواشنطن لا تزال تصنّف لبنان بين البلدان المرتفعة المخاطر استناداً إلى تقارير مخابراتها ووزارة الخزانة. كما يعني أنّ الوضع الأمني اللبناني لم يتغيّر مع العهد الجديد.
ثالثاً، يفترض بالمسؤولين اللبنانيين ألّا يُنَقِّبوا عن الخلفيات السياسية للبيان، إنّما الاهتمام بتحسين الوضع الأمني بدءاً من المطار والمرفأ مروراً بالمربّعات الأمنية وصولاً إلى الحدود.
رابعاً، ما يميّز بيان الإدارة الأميركية اليوم عن بيانها التحذيري لرعاياها في تموز الماضي، هو أنها عدّدت هذه المرة الأسباب التي دفعتها إلى إصدار بيانها، فجاء التعداد بمثابة محضر ضبط توصيفي للحال اللبنانية (تهديدات الإرهاب، الاشتباكات المسلحة، الخطف، تفشّي العنف، ولا سيّما قرب حدود لبنان مع سوريا وإسرائيل).
والملاحظ في هذا السياق، تزامُن البيان الاميركي مع بدء عودة رعايا بعض الدول الخليجية تدريجاً إلى لبنان، لا سيّما الرعايا السعوديين والكويتيين والقطريين. فضلاً عن أنّ النقطة غير السلبية في البيان الأميركي تتبدّى في أنه لا يدعو الرعايا الأميركيين الموجودين حالياً في لبنان إلى مغادرته.
تصنيف التحذير
إلّا أنّ مصادر في وزارة الخارجية الأميركية قالت لـ«الجمهورية» إنّ التحذير الاميركي واحد من تدبيرين يحملان صفة التحذير تعتمدهما واشنطن في التخاطب مع مواطنيها في مختلف انحاء العالم. الأول، يوجب على الادارة توعية مواطنيها لتحاشي التنقّل الى المناطق التي يمكن ان تشكّل بيئة خطرة على هؤلاء الرعايا، والثاني تطلقه الإدارة عندما تتوفّر معلومات استخبارية استباقية عن أحداث متوقّعة قد تهدّد امنَ ايّ دولة في العالم، ويمكن ان تستهدف الأميركيين تحديداً وتهدّد سلامتهم. والخطوات الاميركية التالية هي التي ستحدّد التصنيفَ الدقيق لهذا التحذير.
عون
سياسياً، جدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه لن يقبل في عهده أن يخرق أحد الدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء. وأكّد أنّ نظام النسبية هو الأفضل للقانون الانتخابي الجديد، مشيراً إلى وجود عوامل إيجابية في السعي إلى الاتفاق على هذا القانون.
مكانك راوِح
إنتخابياً مكانك راوِح، ولا اجتماعات، بل مشاورات محدودة حول بعض الصيغ. وقالت مصادر مواكبة لـ«الجمهورية»: «أن لا اتفاق نهائياً أو حتى مبدئياً، والأمور ليست سهلة، هناك تعقيدات لم يتمّ تجاوُزها».
«التكتّل» و«الكتائب»
وإذ أشار «تكتّل التغيير والإصلاح» الى «بحث متقدّم يوازن بين الأكثري والنسبي، وضمن معيار صحة التمثيل وفعاليته. وقال: «نحن اليوم في انتظار الاجوبة الناجعة على هذا الطرح»، أكد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل من السراي الحكومي بعد لقائه الرئيس سعد الحريري أنّه «إذا لم يقرّ قانون انتخابي في 21 شباط الحالي فهذا يعني أنّنا متّجهون الى خيارات كلّها سيئة».
أضاف: «أيام معدودة تفصلنا عن مرحلة مهمّة، وبعدها سيتعرّض لبنان لمشاكل في نظامه الديموقراطي، ونحن امام معضلة ستبدأ بعد 21 شباط ، ودعا الحكومة الى تحمّل مسؤوليتها كفريق عمل وتقديم مشروع قانون الى مجلس النواب.
وأوضَح مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» انّ زيارة الجميّل الى الحريري تندرج في إطار تحرّكِه في اتجاه القيادات الرسمية مع اقتراب انتهاء المهلة الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة من دون الاتفاق على قانون يصار على اساسه الى المباشرة بالخطوات الدستورية المطلوبة لإجراء الانتخابات في موعدها.
وأوضَح انّ الحزب سيزيد من وتيرة تحرّكاته الشعبية والسياسية للدفع بالحكومة والمعنيين في اتجاه وضعِ قانون يضمن صحّة التمثيل وشموليته.
ولفتَ المصدر الى انّ نهاية الاسبوع الجاري ستشهد تحرّكاً طالبياً وشبابياً كتائبياً بالتنسيق مع عدد من القوى الشبابية الحزبية وجمعيات المجتمع المدني، لمطالبة الحكومة ومجلس النواب بتحمّلِ مسؤلياتهما لتأمين متطلبات إجراء الانتخابات في موعدها.
كذلك كشفَ المصدر انّ الجميّل سيستهلّ الاسبوع المقبل بمزيد من الضغط السياسي والإعلامي لوضع الرأي العام في صورة ما يتعرّض له من محاولات لمصادرة حقّه في إنتاج طبقة سياسية تترجم أفكاره وتطلعاته وتضمن له تمثيلاً صحيحاً في المجلس النيابي بما يمكنه من ممارسة حقّه في التشريع والرقابة والمحاسبة».