طُويت بسرعة مذهلة ردات الفعل على مواقف عون من سلاح «حزب الله» ودوره، وإن بقي بعضها مشتعلاً فإنّ «عملية التبريد» عقب أيّ حريق تأخذ بعض الوقت.
فقراءةُ المواقف السياسية من الحلفاء القدامى والجدد ليست معقّدة كثيراً، ويمكن فهمها من خلال التفاهمات التي نسجها عون قبيل وصوله الى قصر بعبدا وبقي وسيبقى جزءٌ منها غامضاً الى أمد بعيد.
وعلى رغم وجود هذا الكمّ من الغموض، لم يظهر من نتائج هذه التفاهمات سوى هامش الحركة لدى رئيس الجمهورية الذي قال كلمته في المقاومة والجيش ومشى، من دون إلتفات الى الداخل، فغادر بيروت الى القاهرة وعمان غير آبه بردات الفعل التي أنتجتها هذه المواقف.
فعون بدا واثقاً من مواقفه التي عبّر عنها في مقابلاته المكتوبة والمتلفزة لوسائل الإعلام المصرية في إطارٍ كامل ومتكامل. وجدّد تأكيد ما كان يؤكّده من الرابية في عزّ النزاع بين فريقَي 8 و14 آذار، فاعتبر «حزب الله»، «شريحة كبيرة من الشعب اللبنانى... وأفراده ليسوا مرتزقة كما جاء المرتزقة إلى سوريا»، وانّهم «لبنانيون يدافعون عن أرزاقهم وأملاكهم بالدرجة الأولى وإن كانوا يتلقّون العون من الآخرين».
كذلك كان عون واضحاً في إشارته الى دور سلاح «حزب الله»، فرد الحاجة اليه الى بقاء «أرض محتلّة وأطماع إسرائيل بالثروات اللبنانية». مضيفاً: «طالما أنّ الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح لأنه مكمّل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلّحة في الحياة الداخلية».
وفي الوقت الذي كان بعض المراقبين ينتظرون ردات فعل حلفاء عون الجدد في الطريق الى قصر بعبدا تجاه هذه المواقف الحادة عشية الجولة الخارجية العربية الثانية الى القاهرة وعمان، لم يظهر أنّ أيّاً من قادة «القوات اللبنانية» قد سجّل موقفاً حادّاً من مواقفه.
فقد فسّر أحد قادتها أنّ هذا الموقف ملحوظ في «وثيقة التفاهم بينهما» على أنه من القضايا الخلافية. وتوقفت ردات الفعل هنا، قبل أن يبرّره آخر قائلاً إنّ عون «يتحدث في العموميات ولا يمكن فهم موقفه المتعارض مع مبادئها بحرفيّته الخلافية».
ومَن كان ينتظر موقفا حادّاً من الرئيس سعد الحريري حليف عون الجديد في المشوار الذي أعاده الى السراي الحكومي وقاد عون الى بعبدا، فقد خاب ظنّه. فجاء في رده غير المباشر في ذكرى 14 شباط بمقطع تناول فيه سلاح «حزب الله» و«تورّطه» في سوريا ومن رئيسها ونظامه سبق له أن استخدمه على الأقل إحدى عشرة مرة في مهرجانات 14 شباط من بين المهرجانات الـ12 التي عبرت الى الأمس القريب.
وبناءً على ما تقدّم، يبدو واضحاً أنّ عون كان مطمئنّاً الى مواقفه ولا يحتاج الى مَن يبرّرها في الداخل اللبناني ولم ينظر الى ردات فعل القيادات اللبنانية الداخلية من حلفائه والخصوم على قاعدة «أنتم مَن انتقلتم الى الرابية في الإستحقاق الرئاسي ولستُ أنا مَن قصد معراب أو بيت الوسط».
فجاء اهتمامه - حسب الأوساط القريبة منه - بردات الفعل الخارجية التي لم تقف عند حدود التوضيحات التي قدمتها الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ والتي أثارت ردات فعل مختلفة.
بل تعدتها الى بيان أصدره أمس الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق الذي عبّر عن حاجة العهد في انطلاقته بالزخم القائم الى البحث في الإستراتيجية الدفاعية بالإستناد الى مضمون القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 في إشارتها كلّها الى مصير سلاح الميليشيات غير الشرعية في لبنان و«حزب الله» منها وفق التعريف الدولي وطريقة التنقل به والممنوعات عبر الحدود اللبنانية - السورية والمياه الإقليمية اللبنانية.
وفي رده على الملاحظات والمواقف الدولية والأممية، فقد كان عون واضحاً في الفصل بين دور «حزب الله» في الداخل اللبناني من جهة والمنطقة وسوريا من جهة أخرى، فلفت الى أنّ الحزب توقف عن استخدام سلاحه في الداخل اللبناني المستقر، لا بل تحوّل الحزب عاملَ استقرار، وأنّ دوره في الأزمة السورية بات موضوع اهتمام دولي وإقليمي تعدّى الساحة اللبنانية وبات ملفاً مطروحاً على طاولة موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة ما يؤدّي الى اعتبار سلاحه هناك ازمة دولية لا علاقة للداخل اللبناني بها ولا قدرة على التأثير فيها.
على هذه الخلفيات، تراقب الأوساط السياسية والرسمية ردات الفعل الدولية على مواقف عون، ولا سيما منها تلك المنتظرة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وذلك بغية قياس حجمها وما إذا كانت ستؤثر في نوعية هذه العلاقة اللبنانية ـ الخليجية التي أُعيد ترتيبها اثناء الزيارة المزدوجة الى الرياض والدوحة في أجواء مغايرة لتلك التي رافقت زيارتَي القاهرة وعمان، وذلك وسط سلسلة من الأسئلة ابرزها تلك التي تشير الى تفاهمات إقليمية ودولية رعت التفاهمات الداخلية في إنهاء الشغور الرئاسي وما إذا كان عون قد خرقها أو أصابها بأيّ اهتزاز الأمر الذي يستدعي الإنتظار بعض الوقت ليُبنى على الشيء مقتضاه.