يعود الصراع بين قناة الجديد والرئيس نبيه برّي إلى أشهر عديدة، فتحت فيها القناة النار على رئيس المجلس من بوابة الفساد السياسي والإداري، في أكثر من محطة ومفصل. في الإشكال الذي حصل قبل أكثر من سنتين بين عاملين في القناة والمدير العام للجمارك، كانت تتجلى أولى بوادر الإشكال. ومن يطّلع على خبايا الأمور، يقول إن الخلاف بين الطرفين يعود لحسابات شخصية ومصلحية. تستخدم "الجديد" حدّة سيفها إنسجاماً مع سعي لتحقيق مكتسبات معينة في عالم المال والأعمال والصفقات، وفق البعض. بالتالي، فهي تخاصم وترفع السقف، ضد طرف معين، تعمل على إعداد برامج وبث معلومات فضائحية عنه، بهدف تطويعه. بمعزل عن صحة هذا الكلام من عدمه، وليس المجال هنا للدخول في هذه التفاصيل، إلا أنها مواقف متداولة ويأخذ البعض في السياسة اللبنانية بها.
يعتبر هذا البعض أن الجديد تهاجم تيار المستقبل من خلفية سياسية ومصلحية، وما إن تلوح بوادر إتفاق في الأفق، حتى تبدأ التهدئة، التي وصلت أخيراً إلى حدّ تعزيز التعاون بين الطرفين، وفتح الهواء للحريري، وعدم مهاجمته وتياره، بخلاف ما كان الوضع عليه أيام الانتخابات البلدية وإنحيازها إلى كل خصوم الحريري بمن فيهم اللواء أشرف ريفي.
منذ فترة ليست قصيرة، تستمر حملة القناة على بري، وإن بشكل متقطّع. في خصوص الإشكال مع الجمارك، الذي لم يعد أحد يذكر ما حصل في ملفه، يعتبر البعض أن مسألة تخص مالك القناة كانت عالقة مع مديرية الجمارك، وبسبب عدم إنجازها فتحت النار على المديرية، التي وجّه الإتهام من خلفها إلى الرئيس نبيه بري، إلى أن وصلت الأمور في النهاية إلى تسوية بقيت تفاصيلها طي الكتمان.
فصل آخر من فصول الخلاف بين الطرفين، هو توجيه مالك المحطة دعوة إلى وزير التربية الليبي لزيارة لبنان، حيث كان على برنامج الزيارة، توقيع إتفاق بين الطرفين لمصلحة دار نشر تعود ملكيتها لصاحب القناة، لطباعة الكتب للمنهاج الدراسي في ليبيا، وما إن علم برّي بالموضوع طلب بعدم السماح بدخول الوزير الليبي، وذلك على خلفية القطيعة مع ليبيا بسبب قضية السيد موسى الصدر. وتشير المعطيات إلى أنه تمت إعادة الوزير الليبي من المطار، فيما فشلت كل محاولات صاحب القناة الاتصال بالجهات النافذة للسماح بدخوله. وعلى إثرها تجددت الحملة على حركة امل ورئيسها.
ومن فصول الخلاف، تقدّم مالك القناة إلى المناقصة لانشاء معمل لتوليد الكهرباء، واستند في ذلك وفق المصادر المتابعة إلى تقديمه مشروعاً مشابهاً في إحدى الدول، ليضع في سجّل شركته أنها أنجزت هذا النوع من المشاريع. وتلفت المصادر إلى أن مالك القناة استطاع التفاهم على هذا الأمر مع مختلف الجهات السياسية النافذة، بما فيها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، للموافقة على منحه هذا المشروع، الذي تتخطى قيمته مئة وخمسين مليون دولار، إلا أن وزير المال علي حسن خليل رفض ذلك. ما دفع القناة إلى زيادة هجومها على بري.
لكن ذلك لا يبرر بالتأكيد أن تتعرض القناة لما تعرّضت له، ولاسيما محاصرتها ورشقها بالحجارة، وما يعنيه هذا المشهد والذي يجسد منطق التشبيح والبلطجة والاعتداء على الحريات الإعلامية.
وعلى هامش هذه الأسباب والمسوغات، ثمة من يقرأ من زاوية مختلفة لهذا الصراع، خصوصاً أن ما جرى العمل عليه، هو توجيه إدانة ملموسة إلى الحركة ورئيسها وتحميله مسؤولية ما يجري. وهناك من يربط ذلك بالسياسة. حتى أنه يذهب إلى تشبيه الصورة، وكأنها صراع بين رئيس مجلس النواب والقناة المدافعة عن رئيس الجمهورية، حيث الكيمياء مفقودة بين الرجلين. وثمة من يعتبر أنها تدخل في إطار السعي الرئاسي لتحجيم رئيس المجلس ودوره ونفوذه في كل شاردة وواردة في لبنان.
منذ انتخاب ميشال عون رئيساً، واستمرار بري في معارضته، عمل بري على تكريس ثابتة مشاركة رئيس المجلس في تشكيل الحكومة بخلاف الدستور. والجميع يذكر مقولة أن بري هو الموكل بالتفاوض للخروج بالتشكيلة الحكومية، التي لم تخرج إلا بعد موافقته عليها. هذا الأمر أزعج عون الذي ينطلق من مبدأ الرئيس القوي الذي يريد استعادة صلاحياته، ويرفض مبدأ التحاصص و"الترويكا".
وبناء عليه، فهناك من يرى أن ما يجري، هو إنعكاس صراع النفوذ هذا، وأن الجديد إنطلاقاً من حساباتها القديمة مع برّي، وقفت في صف الرئيس، ودخلت على خطّ التصويب على رئيس المجلس وتحجيمه. وفي هذا السياق يدرج مناصرو حركة أمل تحركهم بأنه دفاع عن النفس وعن رئيسهم، الذي للمرة الأولى في عهده، ينتخب فيها رئيس للجمهورية وهو آخر من يعلم ومن دون موافقته. كما أنهم يدخلون في سياق حرب إستباقية بوجه من يريد تحجيم بري وتقليص نفوذه.
لا يمكن فصل هذه المشهدية، عن الصراع المحموم حول قانون الانتخابات، الذي قد يشكّل مدخلاً بالنسبة إلى كثيرين لإضعاف حركة أمل عبر ترشيح شخصيات شيعية لا تتعارض مع حزب الله، لكنها تتعارض مع الحركة، وهي في الوقت نفسه على تقارب مع التيار الوطني الحر.
لا حاجة لإدانة التحرّك الفظّ الذي شهدته على مدى ليليتين متتاليتين مداخل القناة، لأن هذا ثابت، وأبرز دليل على سوء هذا التحرك، هو محاولة العديد من الحركيين التنصل منه وإدانته وإن ليس عبر مواقف علنية. وهذا ينعكس في أحد جوانبه أيضاً على جانب من الصراعات داخل حركة أمل، على النفوذ والتقاط المفاصل وتحريك الشارع، في ظل إتهام البعض داخل الحركة للبعض الآخر.