يطبخ زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، وزعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، على نار هادئة، مشروعا سياسيا، ربما يضمن لهم الهيمنة على المفاصل التنفيذية الكبرى في أيّ حكومة عراقية تتشكل على إثر انتخابات أبريل 2018.
وقالت مصادر عراقية إن هذه الترتيبات تأتي استجابة لمطالب إيرانية تهدف إلى بناء “تحالف وطني” يضم البعض ممن ترضى عنهم الولايات المتحدة مثل علاوي وشخصيات كردية وأخرى سنية، بغاية تجنب الصدام مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لوح باستعادة العراق من قبضة إيران.
وعلمت “العرب” من مصادر سياسية رفيعة، أن ممثلين عن المالكي وعلاوي والحكيم، يعقدون منذ نحو أسبوعين، لقاءات ثنائية، لمناقشة فرص تحالفهم جميعا في مشروع يرفع لافتة “الأغلبية السياسية”.
ووفقا لمصادر “العرب”، فقد جلس ممثلون عن المالكي مع كل من مدير المكتب الخاص للحكيم صلاح العرباوي ومستشاره السياسي قصيّ محبوبة، فيما عقد زعيم كتلة حزب الدعوة في البرلمان خلف عبدالصمد سلسلة اجتماعات مع زعيم كتلة الوطنية النيابية كاظم الشمري، لمناقشة فرص هذا التحالف.
وكشفت المصادر، أن المالكي وعلاوي والحكيم أجروا في ما بينهم مجموعة اتصالات هاتفية، خلال الأيام القليلة الماضية، لمناقشة هذا الأمر.
ووصف مصدر في مكتب المالكي، نقاش الأطراف الثلاثة بأنه قد وصل مراحل متقدمة جدا من التفاهمات، وربما يوقّع بينهما اتفاق قريبا.
وقال المصدر إن الزعماء الثلاثة أقروا في ما بينهم أن أيّ قائمة من القوائم الثلاث التي سيقودونها في انتخابات 2018 يمكنها الحصول على منصب رئيس الوزراء إذا حصلت على عدد أكبر من أصوات القائمتين الأخريين.
ويخطط هذا التحالف الثلاثي إلى تشكيل كتلة نيابية كبيرة، خلال الدورة البرلمانية القادمة، تمكنه من الاستحواذ على المواقع الكبرى في الدولة، من دون الحاجة إلى حلفاء آخرين.
الغليان العراقي
وقال صلاح العرباوي، مدير المكتب الخاص للحكيم، “إن الأغلبية السياسية التي نفهمها، هي مشاركة مراكز القوة من أيّ مكوّن عراقي في تحالف واحد”.
وأضاف “لا نتحدث عن أغلبية عددية، بل أغلبية وطنية، تنتج تحالفا كبيرا، يضم ممثلين بارزين عن جميع المكونات، ولا يشترط ضم جميع ممثلي هذه المكونات”.
ووفقا لشخصية سياسية بارزة تحدثت مع “العرب” في بغداد، فإن أطرافا سياسية كردية وسنية جاهزة للالتحاق بالتحالف.
وتقول هذه الشخصية، إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، وحركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى، عبرا عن استعدادهما للدخول في هذا التحالف، وهو ما عبّر عنه أيضا رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، الذي ينتمي إلى الحزب الإسلامي العراقي، وحركة الحلل بزعامة جمال الكربولي (سنة).
وباستثناء علاوي، لدى جميع مكونات هذا التحالف صلات قوية بإيران.
ويقول سياسي عراقي مقيم في الولايات المتحدة، إن طهران ربما تعدل موقفها القديم من علاوي، استجابة لمتطلبات التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة.
وأعلن علاوي مرارا أن إيران هي التي تحول بينه وبين منصب رئيس الوزراء.
ويضيف السياسي في حديث مع “العرب” أن “الإيرانيين مجبرون على تقديم تنازلات كبيرة في الملف العراقي، إذا ما أرادوا تهدئة الرئيس ترامب وفريق جنرالاته، وقد يتمثل هذا بالسماح لعلاوي، المعروف بصلاته الوثيقة مع شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري، بشغل أحد المناصب المهمة في الحكومة القادمة”.
وتشير مصادر قريبة من علاوي إلى أنه يشترط “إبعاد الميليشيات عن أيّ تحالف يدعى إلى الانضمام له”.
ووفقا لهذه المصادر، فإن هذا الشرط ربما يلقى استجابة إيرانية، ما يعني جمع الفصائل المسلحة الموالية لإيران في قائمة انتخابية واحدة، بعيدا عن هذا التحالف.
ومن شأن هذا التحالف، في حال تحققه، أن يصنع جبهة معارضة تضم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وشخصيات سنية معارضة، فضلا عن شقٍّ من حزب الدعوة الداعم لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
وقال مراقب سياسي عراقي إنه كلما اقترب موعد الانتخابات تبدأ الكتل السياسية والحزبية التي تتقاسم مواقع السلطة في التقريب من مواقفها والتلاحم في ما بينها والتهوين من خلافاتها.
وأشار المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى أن الطبقة السياسية في العراق بما تتميز به من انغلاق وعزلة تحرص على ألاّ تصل خلافاتها إلى الدرجة التي تعرّض نظام المحاصصة الطائفية إلى الخطر.
ولم يستبعد أن تصب كل التحالفات الجديدة في مسعى الإطاحة بفرصة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بالفوز بولاية ثانية، معتبرا أن الرجل بالرغم من تناغمه النسبي مع الآخرين وبالأخص ممن ينتمون إلى حزب الدعوة فإن دعواته إلى الإصلاح قد وضعته في قائمة المشكوك بولائهم لنظام المحاصصة، ولذلك تسعى أطراف كان من الممكن أن يطيح بها الإصلاح لفسادها إلى الاستقواء، بعضها بالبعض الآخر في مواجهة العبادي وحكومته.
وخلص المراقب إلى أنه من المؤكد أن الرعاية الإيرانية تضمن لجميع الفرقاء الموالين لها الاستمرار في الهيمنة على مقاليد الأمور في العراق من غير الحاجة حتى إلى ضمان الفوز في الانتخابات.