بينما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيف شرف مأدبة غداء أقامها على شرفه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني، في ختام جولة خليجية للرئيس التركي كانت محطتها الأولى البحرين ثم السعودية فقطر، حلّ الرئيس الإيراني حسن روحاني ضيفا على سلطنة عمان في بداية جولة خليجية تشمل أيضا الكويت.
يعود الرئيس التركي من زيارته الخليجية محملا بشراكة اقتصادية هامة وبتأكيد خليجي على أن أنقرة شريك استراتيجي، بما سيساعده على تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد وعلى تجاوز خطر الدخول في عزلة بسبب السياسة الخارجية التي سلكتها تركيا في السنوات الأخيرة وكانت أغلب رهاناتها خاطئة.
وقبيل مغادرته طهران، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أن جولته الخليجية تأتي في إطار سعي طهران لحل “سوء الفهم” مع دول الخليج العربي بعد تصاعد التوتر على خلفية المواقف المتناقضة من الملفات الإقليمية، وسط توقعات بأن تشكل بداية لانفراجة في العلاقات.
يضع البعض من المتابعين هاتين الزيارتين في إطار التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران، حيث اتسمت العلاقات التركية الإيرانية تاريخيا بالصراع والتنافس على منطقة المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى. وتجدد الصراع في السنوات الأخيرة على ضوء الحرب في سوريا والعراق واليمن وتداعيات الربيع العربي ضمن استقطاب طائفي متصاعد.
في المقابل، يرى البعض أن تصادف زيارة الرئيس التركي إلى السعودية والبحرين وقطر، وزيارة نظيره الإيراني إلى الكويت وسلطنة عمان لا يمكن اعتباره تنافسا بين القوتين غير العربيتين في المنطقة، نظرا لانعدام مقوّمات المنافسة في هذا السياق، فتركيا السنيّة الحليفة أقرب لدول الخليج العربي من إيران التي ثبت تورطها في دعم جماعات شيعية معارضة لإثارة الفوضى في البحرين والسعودية، بالإضافة إلى قضية احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، والموقف من سوريا والعراق.
وسيكون التقارب التركي الخليجي مفيدا لأردوغان أيضا في استعادة علاقات بلاده الطبيعية مع واشنطن التي تعمل بدورها على تصحيح مسار علاقاتها بدول الخليج العربي ومراجعة سياسات الإدارة السابقة التي لا يرى الخبراء أن لها فضلا كبيرا في الدفع نحو تبني سياسة دفاعية جديدة لدول الخليج العربي، بقيادة السعودية، بعد أن كانت سبابا في إطلاق يد إيران في المنطقة بما شكل تهديدا لأمنها القومي.
ويسعى أردوغان إلى المزيد من تنسيق المواقف بشأن ملفات سوريا والعراق والأكراد، حيث باتت عواصم الخليج معبرا ضروريا للباحثين عن حلول لتلك الملفات. واعتبر الخبراء أن أردوغان يضرب عصفورين بحجر واحد من خلال هذه الزيارة، فهو من جهة يحاول أن يستدرك مواقف سببت توترا في العلاقة مع السعودية، على غرار موقفه من عاصفة الحزم في اليمن، حين اكتفى بالتشجيع والثناء دون المشاركة فيها، ومن جهة أخرى يسعى لتحسين العلاقات التجارية والاقتصادية والترويج لفتح الأسواق الخليجية أمام رجال الأعمال الخليجيين.
وانضمت تركيا في وقت سابق إلى التحالف العسكري الإسلامي للحرب على الإرهاب الذي شكلته السعودية في منتصف ديسمبر 2015 من 41 دولة عربية وإسلامية. وشكلت الاتفاقيات الثنائية بين تركيا والسعودية خلال زيارة الرئيس التركي إلى السعودية في ديسمبر 2015، التأسيس لإطار حيوي لعلاقات شراكة إستراتيجية بينهما، تم وضعه في سياق مؤسساتي قادر على تجسيده من خلال مجلس التنسيق التركي السعودي الذي أعلن عنه بحضور الرئيس التركي والعاهل السعودي بعد قمتهما الخامسة في 14 أبريل 2016 في مدينة اسطنبول، للاضطلاع بمهمة تطوير العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وتعزيزها.
الخليج وإيران
لا شك أن التقارب التركي الخليجي يشكل مصدر قلق للإيرانيين خاصة في هذه المرحلة المتذبذبة حيث انقلبت الأوضاع، فقد غادر الرئيس الأميركي الحليف وحل محله رئيس يعتبر إيران مصدرا من مصادر الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الجهة الأخرى لم يعد الجيران الخليجيون كما كانوا من قبل؛ كما أن الحليف الروسي فتح جبهات تواصل مع تركيا أثرت على مساحة سيطرة إيران في سوريا.
تجاوزت دول الخليج العربي مرحلة القلق من التهديد الإيراني وباتت تتعامل مع مثل هذا التحدي بثقة أكبر ناتجة عن القدرة الخليجية على الفعل وإقامة استراتيجيات دفاعية بديلة، سواء بالشكل المباشر كما في عاصفة الحزم، أم بالشكل غير المباشر من خلال نسج التحالفات وتوسيع شبكة العلاقات الدولية والحضور النشط في كافة ملفات المنطقة السياسية والأمنية والاقتصادية. ويعلم الرئيس حسن روحاني أنه لن يكون بمقدور إيران الاستمرار على نفس النسق العسكري الذي سارت عليه خلال الفترة الثانية من ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، خصوصا في ظل القرارات التي تلوح من واشنطن، والتي يعد أخطرها تصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، ما يعني القضاء على دوره في العراق وسوريا وقصقصة أجنحته العسكرية في هذين البلدين، بالإضافة إلى اليمن ولبنان، فضلا عن التلويح بإبطال العمل بالاتفاق النووي وتشديد العقوبات عليها.
يسعى الرئيس الإيراني من خلال النبرة التصالحية التي صبغت تصريحاته في مسقط، إلى طمأنة الخليجيين بأن طهران جادة في مسعى الحوار الإيراني الخليجي. وكان حامد أبوطالبي، نائب مدير مكتب روحاني، دعا في تغريدة له دول الخليج العربي إلى استغلال فرصة زيارة روحاني لتحسين العلاقات، محذرا من أن “هذه الفرصة الطيبة لن تتكرر”.
والتصريح الأبرز هو الصادر عن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي قال أثناء مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في يناير 2017، “لا أرى سببا في أن تكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية”. وأن يصدر مثل هذا التصريح عن ظريف، الذي أثار جدلا كبيرا العام الماضي عبر مقال نشره في صحيفة نيويورك تايمز، هاجم فيه بشدة السعودية، فإن لذلك دلالات كبيرة على الرغبة الإيرانية الملحة في فتح مسار جديد مع الجوار الخليجي.
وتشهد العلاقات بين طهران ودول مجلس التعاون الست، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، توترا متصاعدا. وتختلف الرياض مع منافستها الإقليمية حول العديد من المسائل في المنطقة، فيما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة منذ سنة.
ومن الصعب توقع نجاح اللهجة في إقناع الخليجيين، وحلفائهم من العراقيين، السنة أساسا، والمعارضين السوريين وأنصار الشرعية في اليمن، والإدارة الأميركية الجديدة، بأن إيران قادرة على الحوار فيما تخوض ميليشياتها المسلحة حروبا بالإنابة في مختلف أنحاء المنطقة؛ كما يعلم الجميع أن القرار ليس بيد الرئيس روحاني وتيار الاعتدال الذي يمثله، بل يعود إلى المرشد الأعلى وآيات الله في قم، والذين لا يبدو مقنعا أمر تخليهم عن خارطة الهلال الشيعي التي توضّحت ملامحها.
وتعي السعودية أن إيران باقية والجغرافيا لن تتغير، ولا بد من التعامل بواقعية مع المتغيرات والتطورات، لذلك ردت الرياض على إشارات الرئيس الإيراني بالإيجاب، مؤكدة على لسان وزير خارجيتها أنها تسعى إلى علاقة أفضل مع طهران لكن عليها أن تتوقف عن رعايتها للإرهاب.
ويرى شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، أن السعودية ليست بعيدة عن إمكانية إيجاد حلول وسط مع إيران، فالسياسة السعودية تسير باتجاه تغير ميزان القوى وتجميع ما تستطيع من أوراق ضاغطة لإيقاف التمدد الإيراني، ويتضمن ذلك بناء جسور أكثر قوة مع تركيا.
ويضيف الغبرا، في قراءة نشرها منتدى فكرة، أن هدف التحرك الخليجي الراهن هو إعادة التوازن الإستراتيجي للوضع العربي. ورغم أن هذا السعي محفوف بالتحديات الداخلية والإقليمية إلا أن فرص نجاحه كبيرة.