سلّمت الطبقة السياسية بأنه من غير الممكن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها ما دامت النية معقودة على إنتاج قانون جديد للانتخابات، آخذة صورته في التشكل، فهو غير اقصائي أو تهميشي لأي طائفة من الطوائف اللبنانية، وهو ليس قانون الستين او على شاكلته، وهو فيه شيء من النسبية لكنه ليس نسبياً، وفيه شيء من النظام الأكثري لكنه ليس أكثرية، أي في منزلة بين منزلين الأكثري والنسبي.
ومع هذه النتيجة، أعطت حكومة استعادة الثقة الأولوية لانجاز موازنة العام 2017 التي حضرت للمرة الثانية على طاولة مجلس الوزراء التي انعقدت في السراي الكبير أمس، على مدى ثلاث ساعات، على أن يعقد المجلس جلسة غداً ورابعة الاثنين، وربما تمتد الجلسات الى الأربعاء والجمعة.
وهذا يعني أن قراراً سياسياً اتخذ بإنجاز الموازنة قبل نهاية الشهر، لإحالتها إلى مجلس النواب الذي يستعد لمناقشتها واقرارها في وقت لا يتجاوز الأسبوع الأوّل من آذار.
وتوقف مصدر وزاري عند عقد الجلسات في السراي الكبير وبرئاسة الرئيس سعد الحريري، بحيث تأخذ المناقشات مداها، نظراً لحجم الصعوبات التي تواجهها الموازنة، والتي تتمثل بقطع الحساب ومصير الـ11 مليار دولار، فضلاً عن سلّة الضرائب التي تواجه برفض عدد من الوزراء أن تتناول 1 في المائة على القيمة المضافة، أو الضرائب على الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، ومعارضة الهيئات الاقتصادية فرض ضرائب على بعض الصادرات التي تعتبر من الكماليات أو حتى على الفوائد المصرفية.
وإذا كان وزير المال علي حسن خليل يحرص على الدفاع عن الارقام التي قدمها، وعن بعض الضرائب التي قال أن مجلس النواب اقرها في جلسات تشريعية، فإن مشكلة تمويل سلسلة الرتب والرواتب تواجه هي الأخرى انقساماً وزارياً، بين المتمسك بأن تكون جزءاً من الموازنة على أن يربط تمويلها بوقف الهدر وليس بفرض الضرائب، وبين مطالب بفصل الموازنة عن السلسلة.
وفي ظل هذا التجاذب، تنفذ رابطة التعليم الثانوي ورابطة التعليم المهني اضراباً في إطار الضغط على الحكومة لإقرار السلسلة بأي ثمن، دعت التعبئة التربوية في «حزب الله» إلى أوسع مشاركة فيه.
وبالعودة إلى مناقشات الجلسة، أمس، فان مصادر وزارية قالت لـ«اللواء» أن المناقشات تناولت بعض الإصلاحات الممكنة في الإدارة، فضلاً عن تحسين الجباية في المياه والكهرباء والضرائب المتوجبة، بما فيها عمل الجمارك.
وقالت هذه المصادر أن الدخول في الأرقام سيكون بدءاً من جلسة الغد، إضافة إلى جدول أعمال من 46 بنداً يتعلق بنقل اعتمادات وقبول هبات وسفر. وقد وزّع على الوزراء في ختام الجلسة، مع مشروع الموازنة.
ومن البدائل التي طرحت، وفقاً لأحد الوزراء، تحسين جباية الكهرباء وتخفيض فاتورة المولدات، بالإضافة إلى تخفيض خدمة الدين العام بتخفيض نسبة الفوائد على سندات الخزينة والمصارف.
ومن النقاط التي اثيرت في الجلسة ما طرحه وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي من أن 45 في المائة من الضرائب ضائعة، متوقفاً عند ضرورة تخفيض فاتورة الاتصالات وتقديم التسهيلات للاستثمار في لبنان، في حين ان وزير الصناعة حسين الحاج حسن رفض فرض أي ضريبة، ودعا إلى إحداث توازن بين الواردات والصادرات، إذ لا يعقل أن تنخفض صادرات لبنان من 4 مليارات دولار إلى 3 مليارات وترتفع نسبة الاستيراد الى ما مجموعه 19 مليار دولار.
وخلال الجلسة طلب وزير الإعلام ملحم رياشي الكلام فأثار قضية ما حصل ليل الثلاثاء – الأربعاء امام تلفزيون «الجديد»، وطالب رئيس الحكومة بالتدخل لحماية حرية الإعلام مشدداً على أن حرية التعبير والتظاهر يتيحها الدستور لكن دون العنف أو التعرّض للأملاك العامة.
وجرى نقاش حول التجمع الاحتجاجي الذي تحوّل إلى هرج ومرج وإطلاق أسهم نارية وتكسير زجاج، فقال وزير العدل سليم جريصاني ان القضاء تدخل وهو بصدد اجراء اللازم في مسألتين: الأولى تتعلق بالتعرض للرموز الدينية والسياسية والتحقق من مدى حصول ذلك والوصف الجرمي لما حصل، والثانية تتعلق بالتحقق مما إذا كان جرى التعرّض للاملاك العامة أو استخدام العنف من قبل أشخاص معينين للادعاء عليهم وملاحقتهم.
وفي السياق تحدث كل من الوزير علي حسن خليل والوزير غازي زعيتر، فتساءلا: لماذا لا يلزم القضاء محطة «الجديد» بعدم التعرّض لرموز دينية وسياسية، لا سيما شخصية الإمام موسى الصدر الذي هو رمز وطني كبير. (راجع ص 2)
قانون الانتخاب
وفي الشأن الانتخابي، علمت «اللواء» أن اتصالاً حصل قبل جلسة مجلس الوزراء في السراي بين الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، وجرى التفاهم على تحريك الاتصالات والعودة إلى الاجتماعات لإيجاد صيغة تتعلق بقانون الانتخاب، وبالتزامن مع الانهماك الحكومي لإنجاز الموازنة.
ونقل نواب شاركوا في «لقاء الأربعاء» مع الرئيس نبيه برّي الذي استعاد عافيته من الجراحة التي أجراها، ان الاتصالات في شأن قانون الانتخابات نشطت منذ يومين على أكثر من مستوى بهدف الوصول الى قانون جديد وأشاروا الى ان كل الخيارات مفتوحة، وان الجميع يبدي حرصه على الوصول الى صيغة انتخابية جديدة، وان الاجتماعات باتت على المستوى الثنائي وبعيداً من الأضواء.
وحول الافكار التي وضعها في تصرف رئيس المجلس رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، أكد النواب انها تنطلق من القانون المختلط وتركز على التقسيمات الادارية للمحافظات والمناطق وخصوصاً في قضائي الشوف وعاليه.
وإذا كانت كتلة «المستقبل» النيابية أعادت تكرار تأكيدها على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وفقاً لقانون جديد قائم على وحدة المعايير لا يقصي ولا يقهر أي طرف، فإن كتلة الوفاء للمقاومة أعلنت «انفتاحها على كل نقاش جدي يدور حول أي صيغة معقولة ومتماسكة يمكن التوافق عليها». فيما كان الرئيس الحريري يدعو كوادر تيّار «المستقبل» للاستعداد لاجراء الانتخابات النيابية، مؤكداً ان قانوناً جديداً للانتخاب ستجري على أساسه وسيتم التوصّل إليه.
الذكرى 12 لاستشهاد رفيق الحريري
وأحتل الملف الانتخابي حيزاً من خطاب الرئيس الحريري في الذكرى 12 لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري الذي أقيم الاحتفال في «البيال» بعد ظهر الثلاثاء، بمشاركة ممثلين لكل من رئيس الجمهورية والمجلس النيابي هما وزير العدل سليم جريصاتي والنائب ميشال موسى وقيادات 14 آذار لا سيما الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع ورئيسي الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة، وممثلي وسفراء الدول العربية والأجنبية ورجال دين مسلمين ومسيحيين.
وبعد استعادة لثوابت الرئيس الشهيد، أكّد الرئيس الحريري على أهمية التسوية التي اقدم عليها في ما خص انتخاب الرئيس ميشال عون، والتي أنهت الفراغ وحمت الطائف ومنعت الليرة من الانهيار، رافضاً أي دعوة للصدام وتكسير البلد، معتبراً ان كتاب الرئيس الشهيد هو سنده وعمره وقصة حياته، و«نحن أم الصبي بمعنى حماية الحياة المشتركة للبنانيين، ولسنا أم الصبي بمعنى التنازل عن الحقوق الوطنية».
وانطلاقاً من ان التضحية مسؤولية وشجاعة، أكّد الرئيس الحريري «تقدمنا للحوار حول القضايا الوطنية ونبدي حرصاً لا تراجع فيه للتوصل إلى قانون جديد للانتخابات يُعيد إنتاج الحياة الوطنية ولا يقهر أو يعزل أي مكون، وعلى رأسهم حلفاؤنا في السراي والقضاء»، مؤكداً على «الكوتا النسائية» في قانون الانتخاب.
وفي مجال سياسي ودستوري، لم يخل من توجيه رسائل معينة، أكّد الرئيس الحريري ان أي مرجعية لا يمكن ان تعلو على مرجعية الدولة «لا مرجعية الأحزاب ولا مرجعية الطوائف ولا مرجعيات الاستقواء بالخارج، كائناً من كان هذا الخارج شقيقاً أو حليفاً أو صديقاً، فقرار لبنان في يد الدولة اللبنانية، ولا هو بيد أفراد أو زعامات ولا بيد محاور إقليمية أو دولية. (راجع ص 3)
عودة عون
وفيما ينتظر ان يطل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله مجدداً اليوم في ذكرى استشهاد قادة الحزب، للحديث عن الشأن السوري، الحدث الإسرائيلي، والتعليق على الموقف الأميركي الجديد والذي لم يعد متمسكاً بحل الدولتين، رغم ان الحزب لا يعترف بهذا الحل ويصر على استعادة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة من قبل إسرائيل.
أوضحت مصادر في الوفد المرافق لرئيس الجمهورية ميشال عون إلى مصر والأردن لـ«اللواء» أن الرئيس عون عاد مرتاحاً من هاتين الزيارتين اللتين ستتظهر نتائجهما في وقت قريب، معلنة ان العناوين نفسها طرحت في كل من الزيارتين.
وفي ما خص الشق السياسي، كان توافق بين الرئيس عون والملك الأردني عبدالله بن الحسين على قيام تنسيق لتعزيز التضامن العربي في القمة العربية التي يستضيفها الأردن في أواخر شهر آذار المقبل. أما بالنسبة إلى ملف الإرهاب، فكان تفاهم على التنسيق بين الأجهزة الأردنية واللبنانية لتبادل المعلومات وقيام تدريبات واسعة بينهما.
وإذا كان الجانبان ركزا على معالجة الأزمة السورية وفق حل سياسي ضمن المبادرات المتصلة بهذا الشأن، علم ان ملف النازحين السوريين استغرق وقتاً من النقاش في المحادثات اللبنانية – الأردنية، حيث كان عرض مشترك لتجربة البلدين في استضافة عدد كبير من هؤلاء النازحين. وأشارت مصادر الوفد الى أن الجانب الأردني توقف عند اتفاقه مع الاتحاد الأوروبي على آلية جديدة للعمل وضرورة استفادة لبنان منها، وساد تفاهم حول تقديم شروحات أكثر لتعميم التجربة الأوروبية في لبنان.
وأفادت أن هناك اتفاقاً على احياء اللجنة الأردنية – اللبنانية المشتركة وعقد أوّل اجتماع لها بأسرع وقت ممكن وتحضير الملفات الخاصة لها بهدف تقوية فعاليتها. كذلك برز تأكيد على تصريف الإنتاج الزراعي واستخدام خط العقبة بفعل الصعوبات الموجودة في الطريق البرية، فضلاً عن قيام مشاريع صناعية واستثمارية مشتركة.
اما بالنسبة إلى زيارته إلى مصر، فكان توافق على ترفيع اللجنة المصرية – اللبنانية المشتركة وتبادل معلومات بين الأجهزة الأمنية في كل البلدين، تحضيراً للعمل على زيادة الاستثمار بعد الخلل الذي أصاب الميزان التجاري، لافتة إلى أن العمل ينصب على قيام عدالة في هذا الإطار، وعلم ان اللجنة المشتركة تنعقد في شهر آذار المقبل.
إلى ذلك، ذكرت مصادر مطلعة بأن الموقف الذي أطلقه الرئيس عون في ما خص المقاومة هو نفسه منذ زمن ولن يتبدل وهو واضح لجهة دور المقاومة في مواجهتها مع إسرائيل وهو موقف ثابت تجاه العدو الإسرائيلي، لأن الجيش اللبناني لا يمكنه خوض حرب متكافئة مع إسرائيل بفعل النقص في التجهيزات الصاروخية وفي الطيران وشبكات مضادة للطيران. كما انه عندما يشترك الشعب مع جيشه في المواجهة تكون النتيجة أضمن في حروب كهذه. وهناك حق للمواطن في المساعدة في تحرير أرضه، مؤكدة ان هناك فصلاً بين دور المقاومة في مواجهة اسرائيل ودورها وسلاحها في الداخل، وهنا الرئيس عون لا يقبل ولا يرضى، وهو موضوع ثابت لديه، ففي الداخل الأمن هو للدولة ولأجهزتها، وهو موضوع واضح لا لبس فيه.
لوبان في بيروت
إلى ذلك، أكّد مصدر حكومي لوكالة «فرانس برس» ما كانت كشفته «اللواء» من ان مرشحة حزب الجبهة الوطنية للرئاسة الفرنسية مارين لوبان ستزور بيروت يومي الأحد والاثنين المقبلين، على ان تلتقي الرئيسين عون والحريري.
وقالت مصادر ان زعيمة اليمين الفرنسي المتطرّف تسعى من خلال زيارتها للبنان، والتي ارجئت من يومي الجمعة والسبت الماضيين، إلى توجيه رسالة دعم إلى مسيحيي الشرق، وفق مصدر في حزب «الجبهة الوطنية».
وكان المرشح إلى انتخابات الرئاسة في فرنسا وزير الاقتصاد السابق ايمانويل ماكرون زار بيروت في 24 كانون الثاني الماضي والتقى كلاً من عون والحريري، ودعا ماكرون من بيروت إلى «سياسة متوازنة» حيال النظام والفصائل المعارضة في سوريا، في تباين عن السياسة المؤيدة للمعارضة السورية.