تحرّك المشهد الداخلي على إيقاع الزيارة الرئاسية الى كل من مصر والاردن، وما رافقها من مواقف لافتة للانتباه لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكذلك على إيقاع الرسائل المتعددة الاتجاهات التي وزّعها رئيس الحكومة سعد الحريري في احتفال الذكرى 12 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فيما اتجهت الانظار الى واشنطن حيث أكّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض أنّ «حلّ الدولتين» للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ليس السبيل الوحيد الممكن من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، وأنّه لن يسمح أبداً لإيران بحيازة السلاح النووي. واثار هذا الموقف كثيرا من التساؤلات حول ما يمكن ان يكون عليه مستقبل الاوضاع في المنطقة في ظل عهد ترامب والتهديدات التي يطلقها في مختلف الاتجاهات، وخصوصا في اتجاه ايران. وتزامناً مع وصول نتنياهو إلى واشنطن أعلنت الرئاسة الفلسطينية استعدادها للتعامل بايجابية مع إدارة ترامب من أجل صنع السلام.
يبدو، مع بقاء القانون الانتخابي مربوطاً بسلسلة تعقيدات مستعصية ومناكفات وصيَغ ملتبسة تمنع ولادته في المدى المنظور، أنّ البلد يتأهب لأن يُربط بعقدة جديدة تلوح في أفق الموازنة العامة، ولا تقلّ استعصاء عن العقدة الانتخابية.

واذا كان اللبنانيون قد استبشروا خيراً بوضع الموازنة على بساط البحث على طاولة الحكومة، في محاولة لإعادة انتظام الحياة الاقتصادية والمالية المشَوّهة منذ العام 2005، الّا انّ ما يخشى منه هو أن تشكّل هذه الموازنة مادة خلافية إضافية بين المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والفئات الشعبية، وخصوصاً حول باب الواردات والضرائب المحددة لهذه الغاية وقدرة المواطن على تحمّل أعبائها، وكذلك حول التقديمات وسلسلة الرتب الرواتب وقدرة الخزينة على تحمّل أكلافها التي قد تنحدر بالوضع المالي الى درك تضخّم خطير بمردود عكسي على المواطن والخزينة العامة في آن معاً، على نحو ما تحذّر منه الهيئات الاقتصادية.

عون

في الشق الرئاسي، يستعدّ رئيس الجمهورية لزيارة قريبة الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، والكويت تلبية لدعوة من أميرها الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وذلك في سياق الزيارات الخارجية التي قرّر تلبيتها، وقادَته أخيراً الى كل من القاهرة وعمان اللتين عاد منهما بجعبة ملأى بالحرص على لبنان، والتضامن الكليّ مع هذا البلد، الذي قدّمه عون من على المنبرين المصري والاردني في موقع المُشخِّص للخطر الذي يتهدّد كل العرب والمتمثّل بالارهاب الذي يعصف بهم، وفي موقع الحريص على بناء الجسور بين الدول العربية ونزع فتائل التفجير التي زرعها الارهاب في مجتمعاتهم.

واذا كانت أوساط عون تعكس ارتياحه لنتائج الزيارتين، إلّا انّ الرهان الاساس بالنسبة إليه يبقى على أن يَستشعِر العرب بحجم الخطر المُحدق ويسلكوا طريق تحصين المجتمعات العربية والنأي بها عن العواصف الارهابية، وأولى الخطوات في هذا الاتجاه تكمن في سلوك باب الحلول السياسية في الاماكن المشتعلة، لأنّ الحريق، إن استمر، فإنه سيكون عابراً للحدود وقد لا يسلم منه أيّ متفرّج عليه.

على انّ المقاربات الداخلية للموقف الرئاسي هذا جاءت متناغمة معه في تشخيص الخطر الارهابي وتهديده للمجتمعات، وللبنان بالدرجة الاولى. الّا انّ تَردّدات موقفه حول سلاح «حزب الله» وضرورته التي أشار اليها، قسّمت المكونات السياسية بين فريق مرحّب نزل عليه كلام الرئيس برداً وسلاماً، وفي مقدمه «حزب الله» وحلفاؤه، وبين فريق بَدا مُستفَزّاً بهذا الموقف.

وقد عبّرت عن ذلك المواقف الانتقادية او الاحتجاجية التي أطلقها بعض مكونات «14 آذار» حيال هذه «الغلطة»، وكان لافتاً للانتباه في هذا السياق، حرص رئيس الحكومة في خطاب «البيال» أمس الاول، على إظهار التمايُز بالموقف عن رئيس الجمهورية، وإعلان ما يشبه «الاعتراض الناعم» على هذا الموقف بتأكيده الثبات على موقفه الاعتراضي حيال سلاح «حزب الله» الذي ما يزال يشكل مادة خلافية بين اللبنانيين.

سعيد

وحول الموضوع ذاته، قال منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» إنّ قول الرئيس عون انّ سلاح «حزب الله» لا يتناقض مع قيام الدولة قد أحدثَ انقساماً حاداً، كما برز في بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» المؤيّد لرئيس الجمهورية وفي بيان كتلة «المستقبل» الذي يعتبر انّ الدولة وحدها مسؤولة عن حماية لبنان وفقاً للدستور والقرار الدولي ١٧٠١».

وأسِف سعيد «أن يكون موقف الرئيس يتناقض مع قسمه على الدستور»، واعتبر «انّ انحيازه لـ«حزب الله» سيشكّل يوماً بعد يوم انقساماً قد يبلغ حداً خطراً جداً في مرحلة محفوفة بالمخاطر». وتمنى على وزير الدولة لشؤون الرئاسة بيار رفول»التنَبّه وأخذ التدابير الى جانب فخامة الرئيس من أجل عودة الأمور الى نصابها».

«الرباعية» انتهت

في الشق الانتخابي، صار الحديث عن هذا الملف أشبه بالتكرار اليومي لواحدة من حكايات «ألف ليلة وليلة»، يبدأ البحث من نقطة وما يلبث أن ينتهي عندها، ومن ثم يعود الكلام الى نقطة البداية.

وهذا هو حال كل الصيغ الأكثرية او المختلطة او التأهيلية بين النظامين الاكثري والنسبي التي طرحت على بساط البحث، والتي آلت كلها للرمي في سلة المهملات، على حدّ توصيف أحد اعضاء «اللجنة الرباعية»، وهو الأمر الذي كان سبباً في نَعي اللجنة نهائياً، والاعلان صراحة بأنها فقدت صلاحية الاستمرار لعدم امتلاكها أولاً قدرة القرار والإلزام، وثانياً لافتقادها قدرة تدوير الزوايا وبناء المساحة الانتخابية المشتركة التي يفترض ان يقف عليها كل الاطراف.

وسمع النواب صراحة أمس، ما يُفيد بنَعي اللجنة، من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي رمى الكرة مجدداً في ملعب الحكومة، على اعتبارها المرآة العاكسة لكل المكوّنات السياسية. وبالتالي، تقع عليها حصراً وقبل الآخرين مسؤولية المُسارعة الى إعداد القانون الانتخابي بالشكل الذي يُرضي كل المكونات بعدالته وسلامة التمثيل التي يحققها، واحالته الى المجلس النيابي لإقراره، ولم يفت الوقت لتحقيق ذلك.

وأمام «نواب الاربعاء»، قال بري: «انّ واجب الحكومة مناقشة القانون في أقرب وقت، لأنه من أولى مهماتها ومسؤولياتها». وإذ أكد انّ «حماية لبنان والحفاظ على التنوّع في التركيبة اللبنانية لا يكون الّا من خلال إقرار قانون جديد للانتخاب على أساس النسبية»، ألقى المسؤولية على الجميع بقوله: «من أجل تسييج لبنان، علينا ان نتوافق على قانون الانتخاب».

وفيما يتكتّم بري على الافكار التي تلقّاها من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، مُكتفياً بإجابة مقتضبة على كثير ممّن حاولوا الاستفسار عنها: «إنها أفكار جديرة بالبحث والنقاش»، رفضت مصادر إشتراكية تحديد ماهيتها، وقالت لـ«الجمهورية»: هناك من يعطّل الوصول الى حل انتخابي ويحاول ان يرمي مسؤولية التعطيل علينا، نحن مع تسهيل الوصول الى قانون انتخابي في أقرب وقت، قانون مثالي قائم على العدالة ولا تشتمّ منه روائح الاستهداف او التعرّض لأيّ مكوّن.

وعلى هذا الاساس قدّم النائب جنبلاط أفكاراً نجدها الأكثر قابلية لأنْ تُعتمد، وهي أصبحت في عهدة الرئيس بري الذي نثق بأنه خير من ينقل الامور الى برّ الأمان للجميع».

الّا انّ مصادر مواكبة لمسار النقاشات الانتخابية، قالت لـ»الجمهورية»: «انّ ما قدّمه جنبلاط، المعروف موقفه من قانون النسبية وتمسّكه بقانون الستين، هو كناية عن أفكار تنطوي على قبول بنسبية معيّنة، نتائجها مريحة له، ولا تشبه الصيَغ النسبية التي تطرح وتنطوي على مضامين الغائية أو تحجيمية لبعض المكونات».

في هذه الاجواء المقفلة إنتخابياً، يقترب وزير الداخلية نهاد المشنوق من لحظة إعداد مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وفق القانون الانتخابي النافذ قبل 21 الجاري، علماً انه ما زال يؤكد انه سيقوم بما يُملي عليه واجبه كوزير للداخلية ولا سيما لجهة ما يتعلق بدعوة الهيئات الناخبة، وكذلك هو ملتزم الاعداد للانتخابات وإجرائها على اعتبارها إحدى ركائز تثبيت النظام اللبناني».

وفي غياب ايّ مؤشّر حول إمكان الوصول الى توافق انتخابي يُفضي الى قانون تُجرى على أساسه الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، فإنّ بعض الاوساط السياسية بدأت منذ الآن تتحدث عن السيناريوهات المحتملة لتلك الفترة، وأكثر هذه السيناريوهات تردداً كان احتمال الذهاب الى «تمديد محدود» لبضعة اشهر للمجلس النيابي بمعزل عن الوصول الى قانون جديد.

الّا انّ معلومات بعبدا قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ ايّ تمديد تحت مسمّى تمديد تقني لمجلس النواب او تحت ايّ مسمّى آخر هو مرفوض جملة وتفصيلاً، فضلاً عن انّ مثل هذا الامر يعني القضاء على الانتخابات. لكنّ التمديد التقني يُسمّى تقنياً اذا تمّ التوصّل الى قانون انتخابي نَصّ عليه بشكل واضح ولفترة قصيرة محددة».

وعلمت «الجمهورية» انّ لقاءً سيجمع اليوم الحريري مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، الذي استقبل أمس رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون. ويأتي اللقاء تتويجاً لسلسلة لقاءات بين مسؤولين من الحزب وآخرين من فريق الحريري للبحث في سبل التعاطي مع الملفات المطروحة، ولا سيما منها قانون الانتخاب وآليّات التشاور بين الجانبين في هذا الشأن.

الرابطة المارونية

الى ذلك، تتابع الرابطة المارونية اتصالاتها لتسويق اقتراحها الانتخابي (One man limited votes). وقال رئيسها النقيب انطوان قليموس لـ«الجمهورية» إنه سيزور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الأيام المقبلة ليضعه في أجواء زيارته الأوسترالية، ويعرضان الملفات التي تواجه الساحتين اللبنانية والمسيحيّة، إضافة الى بحث قانون الانتخاب عموماً وقانون الرابطة خصوصاً.

وأشار الى أنّ «البحث مستمرّ مع جميع القوى المسيحية واللبنانية من أجل الاتفاق على القانون العتيد»، واعتبر أنّ «قانون الرابطة قد يشكّل الحلّ الوسطي الذي يرضى به الجميع ويؤمّن صحّة التمثيل».

الموازنة

من جهة ثانية، إنطلقت الحكومة، وبوتيرة سريعة، في دراسة الموازنة العامة للسنة الحالية، وشهدت جلسة مجلس الوزراء التي عقدت لهذه الغاية في السراي الحكومي نقاشاً وزارياً حولها، تقرّر في نهايته أن يتابع البحث في جلسة غداً، تليها 3 جلسات متتالية الأسبوع المقبل.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ المداخلات تركزت حول السلسلة والانفاق والعجز والواردات والضرائب. وردّ وزير المال على حسن خليل على تساؤلات الوزراء بحضور فريق عمله، وذكّرهم بأنّ الضرائب التي يَستشرسون في رفضها أقرّت في الهيئة العامة لمجلس النواب ولم يتم إضافة ايّ زيادة عليها في الموازنه باستثناء ما تمّ إعلانه عن رفع الضرائب على فوائد المصارف والعقارات وهي لا تمسّ المواطن.

ساعات كهرباء إضافية

على صعيد آخر، كشفت مصادر معنية بملف الكهرباء لـ«الجمهورية» انّ برامج التغذية الكهربائية سترتفع 3 ساعات يومياً، بدءاً من نهاية الشهر الجاري. وقالت: «إنّ المعملين الجديدين، اللذين انتهت المؤسسة من بنائهما منذ فترة قصيرة، سيعملان بقدرة إنتاج تقارب الـ 270 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، وسيدخلان الخدمة الفعلية قبل نهاية الشهر الجاري، وسيتم ربطهما بالشبكة الأساسية لتوزيع الطاقة الكهربائية».

وحول ما أشيع عن رفع تعرفة الكهرباء، قال وزير الطاقة سيزار ابي خليل لـ«الجمهورية»: «نحضّر خطة لتخفيف فاتورة المواطن وتمرّ بمراحل منها زيادة ساعات التغذية، ما يعني تخفيض ساعات الاعتماد على المولدات. وبالتالي، تصبح الفاتورة الاجمالية التي يدفعها المواطن مخفّضة، وعندما ننتهي من هذه الدراسة سنعرضها على مجلس الوزراء وسنضع الرأي العام في تفاصيلها».

واستغرب أبي خليل «كيف تبدأ الانتقادات والوزارة لم تنجز بعد الدراسة»، موضحاً «انّ الخطة تتضمن زيادة ساعات التغذية وزيادة التعرفة بشكل طفيف مقابل تخفيض ساعات المولدات حتى نصل في النهاية الى تغذية الـ24/24 وتكون الفاتورة الاجمالية أقلّ بكثير ممّا يدفعه المواطن حالياً».

إضراب تحذيري

في هذه الأجواء، يدخل القطاع التربوي اليوم، أولى مظاهر التعطيل، وستقفل المدارس الثانوية ودور المعلمين ومراكز الإرشاد أمام عشرات الألوف من الطلاب الثانويين بدعوة من رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، التي تطالب باستعادة حقوق أساتذة التعليم الثانوي من الفئة الثالثة التي ضُربت منذ العام 1998 وحرمانهم من حقوقهم بـ60% من التعويصات المستحقة لهم.

وسيتزامن الإضراب مع اعتصام مركزي في ساحة رياض الصلح، مقابل مجلسي النواب والوزراء، إبتداء من الساعة التاسعة والنصف صباحاً، تحت عنوان: «حقوق المتعاقد المنسيّة وضرورة إرجاعها قبل بدء الانتخابات النيابية». وسينتهي التجمّع بمؤتمر صحافي يُعقد عند الحادية عشرة قبل الظهر.