بخط وطني أحمر وعريض، سواءً ذلك الذي رسمه باسم الدولة تحت سقف شرعيتها وحصريتها بالسلاح والمرجعية، أو ذاك الذي وضعه باسم «تيار المستقبل» تحت سقف مقاربة مختلف عناوين وملفات المرحلة، بدت الرسائل السيادية والسياسية ظاهرة وحاضرة بقوة في مجمل جوانب خطاب 14 شباط، بدءاً من تأكيد الثوابت وتبديد أي وهم حول إمكانية التفريط بها والمساومة عليها، مروراً بالتمسك بدور «أم الصبي» إذا كان يعني حماية العيش المشترك وليس «التنازل عن الحقوق وتقديم التضحيات المجانية».. ووصولاً إلى الرسالة الانتخابية الأوضح والأبلغ التي تجلّت بالإعلان عن استعداد «مشروع رفيق الحريري» لخوض الاستحقاق النيابي المقبل «في كل المناطق وبأي قانون».

فالخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة سعد الحريري خلال مهرجان «البيال» الحاشد إحياءً للذكرى السنوية الثانية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، جاءت مضامينه الوطنية والسياسية على قدر ما يُجسّده اسم الشهيد من عنوان «لتجديد الثقة بلبنان» وليس «اسماً للاستخدام في عمليات الثأر السياسي أو متراساً لحشد الضغائن والكراهيات 

بين اللبنانيين»، وفق تعبير الحريري في معرض توكيده الحرص على «عدم تحريك جرح 14 شباط» والركون إلى «العدالة الآتية» لتتولى هي نفسها مهمة «ردم الحفرة الموجعة» التي نشأت عن تلك الجريمة الإرهابية وأدمت قلوب الملايين من محبي رفيق الحريري. 

وإلى «كتاب» الشهيد ومدرسته في العمل الوطني والسياسي، أحال الحريري كل «غلطان في العنوان» لكي يعيد قراءة وفهم «كل حرف» من هذا الكتاب ويتيقن تالياً من الفوارق الجوهرية الشاسعة بين «شجاعة اتخاذ القرار والمبادرة والمواجهة والتضحية دفاعاً عن الدولة وشرعيتها ونظامها الديموقراطي» وبين «التنازل عن الحقوق الوطنية وعن الدور في النظام السياسي والمسؤولية في إدارة الشأن العام». وبين البينين، كان تشديد الحريري على أنّ التفاوض والمساومة يكونان «من أجل الحفاظ على الاستقرار» وليس على «الحق والثوابت» بشهادة ثبات الموقف سواءً من «المحكمة الدولية أو النظرة لنظام الأسد وجرائمه أو من السلاح غير الشرعي والميليشيات ومن تورط «حزب الله» في سوريا»، وأردف قائلاً: «المهم أن يفهم الجميع، نعم هناك خلاف حاد في البلد حول سلاح «حزب الله» وتورطه في سوريا، وليس هناك توافق على هذا الموضوع، لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب ولا على طاولة الحوار، ولكن ما يحمي البلد هو أنّ هناك إجماعاً حول الجيش والقوى الشرعية والدولة فقط»، وأضاف: «نحن تحملنا عن البلد وليس لنا أي فضل، على العكس اللوم يقع على من لم يتحمل واعتبر أنّ مصالحه أو مصالح الخارج الذي وراءه أكبر من بلده».

وفي مقاربته للملف الانتخابي، والتي استهلها بالإشارة إلى كون «تيار المستقبل» ليس «جمعية خيرية سياسية تتولى توزيع الهبات والمواقع»، ولا يقبل بأن يتحول مفهوم التضحية الوطنية إلى «قاعدة للتنازل السياسي في كل صغيرة وكبيرة على أكتاف التيار أو على حساب تمثيله الوطني»، وضع الحريري شرطين موجبين لتقدم الحوار بشأن التوصل إلى قانون جديد للانتخابات: «ألا يشكل حالة قهر أو عزل لأي من مكونات العيش المشترك، وأن يكون متضمناً «كوتا المرأة». وعلى هذا الأساس، أكد الحريري العمل على «إنهاء الدوران في الحلقة الفارغة للقانون الجديد»، متوجهاً من هذا المنطلق إلى «كل محازبي ومناصري تيار المستقبل» بضرورة الاستعداد والحشد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة «في كل المناطق وتحت سقف أي قانون يقرّه المجلس النيابي»، ليختم خطابه بالقول: «مشروع رفيق الحريري هو مشروعنا الحقيقي، وبهذا المشروع مستمرون، وبهذا المشروع سنذهب إلى الانتخابات، وبهذا المشروع سننتصر معكم جميعاً بإذن الله».

ومساء 14 شباط، كانت لرئيس الحكومة إطلالة متلفزة مخصصة للمناسبة عبر شاشة «otv»، عبّر فيها عن تفاؤله بالوصول إلى قانون عادل تُجرى على أساسه الانتخابات بوصفها «انتخابات وطنية» لا يجب أن يخجل فيها المسيحي من انتخاب المسلم أو المسلم من انتخاب المسيحي لأنّ النائب «يمثل الوطن ويشرّع عن الوطن». وعن علاقته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أكد الحريري أنها «مبنيّة على الصراحة والصدق في مقاربة الأمور من أجل مصلحة البلد»، مضيفاً: «علينا جميعاً أن نتعاون حتى نتمكن من حكم البلد وأنا لطالما كنت أحترم الرئيس عون إلا أنني كنت أختلف معه في السياسة (...) لذلك التعاون مطلوب وأن نطوي صفحة الماضي هو الأساس، توجد أماكن نختلف فيها بالرأي إلا أن مقاربة الاختلاف بالرأي اختلفت حيث أصبحنا نبحث عن تدوير الزوايا من أجل تمرير المراحل».

الموازنة.. نقاش واقتراحات

وأمس، ترأس الحريري مجلس الوزراء في السراي الحكومي في اجتماع خُصّص لمناقشة مشروع الموازنة العامة، واستهله بالتشديد على «أهمية إقرارها بعد 12 سنة من دون موازنة» مع تأكيده على ضرورة «تحسين موضوع الجباية». 

وإذ تقرر استكمال البحث في المشروع بعد غد الجمعة وفي ثلاث جلسات متتالية يعقدها المجلس الأسبوع المقبل للإسراع في إقرار الموازنة قبل نهاية الشهر، أوضح وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون لـ«المستقبل» أنّ النقاش «لا يزال في بداياته وتناول خطوطاً عريضة في شأن سلسلة الرتب والرواتب والاقتراحات الضريبية المقترحة لتمويلها»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «هناك صعوبة لمناقشة كل السلّة الضريبية دفعة واحدة لأن ذلك سيتطلب أشهراً عدة». وفي ضوء ذلك أشار فرعون إلى بعض الحلول المقترحة للإسراع في إقرار الموازنة «فإما درسها من دون سلسلة على أن يُصار إلى رفع مشروع مستقل يتضمن أرقام السلسلة والإجراءات المقترحة لتمويلها، أو العودة الى مشروع السلسلة الموجود راهناً في مجلس النواب»، موضحاً كذلك أنّ «النقاش طاول وجوب بدء تحضير مشروع موازنة للعام 2018 تُمرر فيه مواد لا يستحيل تمريرها في مشروع الموازنة الحالي»، وسط تأكيده في هذا المجال أنّ «مجلس الوزراء أخذ على عاتقه درس كل الخيارات المتاحة بشكل علمي ومنطقي حفاطاً على مقدرات البلد وعدم تعريض قطاعاته إلى أي أعباء جديدة».

بدوره، أكد وزير الاقتصاد رائد خوري لـ«المستقبل» وجود «توافق تام على وجوب إقرار الموازنة بالسرعة القصوى»، لافتاً إلى أنّ النقاش خلال جلسة الأمس لم يخرج عن دائرة «العموميات وتناول بعض الضرائب التي يمكن إدراجها ولا يكون لها انعكاس سلبي على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي»، مسلطاً الضوء على كون البحث يتمحور راهناً حول «ما إذا كانت يجب فصل السلسلة وإجراءات تمويلها عن المشروع الحالي أو إبقاؤها من ضمن أرقام مشروع موازنة العام 2017».