يسير قانون الانتخابات كما سارت التسوية الرئاسية. أطراف تتمسك بثقتها بالتوصل إلى إقرار قانون جديد، كما كانت تتمسك قبل فترة بعيدة بنجاح تسوية إنتخاب الرئيس، مقابل أطراف أخرى، تبقى على رأيها الذي يفيد بأن الظروف والمعطيات لا تسمح بالإتفاق على قانون جديد. بين الضفتين، قوى أساسية لاتزال تعارض مبدأ القانون النسبي أو المختلط. لكن، في النهاية، لا يمكن اجراء الانتخابات وفقاً لقانون الستين، كما يقول أكثر من سياسي معني لـ"المدن".
السقف السياسي الذي رفع يحتّم الخروج بقانون جديد، ولكن هذه المرّة أيضاً، على قاعدة عدم قبول أي طرف بكسر الطرف الآخر. بمعنى أنه، كما حزب الله يرفض كسر رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإن رئيس الجمهورية يرفض كسر رئيس الحكومة سعد الحريري. ولولا هذا الأمر والعلاقة الطردية بين الرجلين، لكان القانون العتيد وشكله وآلية إقراره سلكا طريقاً آخر.
عملياً، وبصمت مطلق، يعود الجميع إلى القراءة في كتاب حزب الله وفق ما تشير مصادر متابعة. بالتالي، فإن معادلة النسبية أو لا قانون غيرها، هي السائدة حالياً، لكن هل تستمر حتى النهاية وتنجح؟ لا أحد يملك الإجابة، إلا أن البورصة حالياً تشير إلى ارتفاع أسهم هذا الطرح الذي أكده السيد حسن نصرالله في كلامه الأخير.
لماذا عون لا يريد كسر الحريري؟ تشير الأوساط المتابعة إلى أن عون لا يريد الخروج على الاتفاق مع الحريري، كما أنه يعرف أن أي إشكال سيحصل بينهما قد يؤدي إلى عرقلة العهد. ويصر عون على أن يكتب اسمه في تاريخ لبنان بأنه رئيس إصلاحي، وأول رئيس جرى اعتماد النسبية انتخابياً في عهده. في المقابل، فإن الحريري أيضاً حريص على عدم المواجهة مع عون، للبقاء في السلطة، والحفاظ على موقعه، وأي خلاف مع عون، سيجر إلى خلاف مع حزب الله. وهذا قد يكرر تجربة حكومته الأولى واسقطاها في العام 2011.
وتلفت أوساط عليمة بخبايا الاتصالات الانتخابية أخيراً لـ"المدن" إلى أنه منذ سقوط خيار القانون المختلط والصيغة التي اقترحها الوزير جبران باسيل بالتوافق مع القوات اللبنانية، ظهر على الساحة السياسية ما يشبه الحلف الرباعي الجديد بمواجهة هذا الطرف. أي حصل اتفاق وإن بشكل غير مباشر بين حزب الله، حركة أمل، تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، على رفض هذه الصيغة. في مقابل تمسك الثنائي المسيحي بها. طرح المستقبل صيغة انتخابية مختلطة مغايرة لصيغة باسيل، فيما طرح النائب وليد جنبلاط إدخال تعديلات على قانون الستين. أما الثنائي الشيعي، فتمسك بالنسبية الكاملة على أن يكون لبنان دائرة واحدة، أو اعتماد النسبية وتقسيم لبنان على أساس 13 دائرة وفق قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
رفض جنبلاط والحريري هذا القانون بداية، إنطلاقاً من رفضهما النسبية، فيما تمسك التيار الوطني الحر إنسجاماً مع تحالفه مع القوات اللبنانية بالقانون المختلط. وهذا ما عبر عنه رئيس حزب القوات سمير جعجع أخيراً، بأن حزب الله رفض المختلط لأنه يمنح القوات حصة نيابية كبرى. بموازاة هذا النقاش، كان نقاش آخر يدور بين المستقبل وحزب الله بشكل مباشر في الحوار الثنائي، وبشكل غير مباشر عبر وسطاء. وتفيد المصادر بأن ثمة من أسدى نصيحة للحريري مفادها: "أنت تريد الحصول على كتلة نيابية كبيرة والخروج من الحكم؟ أم الحفاظ على وجودك في السلطة على قاعدة التفاهم مع كل الأفرقاء، مع الاحتفاظ بكتلة بعدد أقل من النواب؟". دوّر الحريري الفكرة في رأسه، واعتبر أن حزب الله لن يتراجع عن مبدأ النسبية، تماماً كما كان الواقع أيام تمسكه بمعادلة عون أو الفراغ. بالتالي، ثمة من يعتبر أن المستقبل، يدرس إمكانية القبول بالنسبية بعد دراسة تفصيلية لها.
وهنا تكشف المصادر، أنه في آخر جلسة حوار بين الحزب والمستقبل، توجه نادر الحريري إلى الحاج حسين الخليل بالسؤال: "ما هو إقتراحكم لقانون الانتخاب؟ وما هي تقسيماته بموجب الدوائر 13؟ ونحن نريد درسه لمعرفة ما يمكن أن نحققه من نتائج بموجبه". بمجرد هذا السؤال تقرأ المصادر أن ثمة ليونة لدى المستقبل. وهذا القانون قاب قوسين أو أدنى من الإقرار، وهو ينتظر موقف الحريري النهائي.
ولكن، ماذا عن جنبلاط؟ وهل يمكن أن يقبل بهذا القانون؟ تجيب المصادر بأن جنبلاط كان ينتظر موقف نصرالله، ولدى سماعه والتمعّن به، اعتبر أن كلمة السرّ وصلت، ولا مفرّ من النسبية. بالتالي، لا بد من إعادة صوغ الموقف وابداء ليونة معينة، كي لا يكون بمواجهة مع التسوية. عليه، قرر التوجه إلى عين التينة والتباحث مع الرئيس بري بالأمر. وتؤكد المصادر أن جنبلاط أبدى ليونة ازاء النسبية، بدلاً من المختلط. وهو استند في ذلك، على موقف نصرالله تجاهه، بأن حصته محفوظة ولا يمكن أن تُمس. وهذا سيحصل من خلال ضم قضائي الشوف وعاليه ضمن دائرة انتخابية واحدة. وهذا ما سيعطي جنبلاط الكلمة الفصل في تلك المنطقة، كما أنه من خلال النسبية، يستطيع جنبلاط الإتيان بسبعة نواب دروز من أصل ثمانية، بالتفاهم على ترك مقعد منها للنائب طلال ارسلان. فيما تبقى الأمور قابلة للتفاوض حول اعطاء مقعد للنائب السابق فيصل الداوود. ومن خلال هذا القانون وقدرة جنبلاط على فرض كلمته، بفعل عدد أصوات الدروز في الشوف وعاليه، أن يحتفظ بنواب من غير الدروز، على قاعدة التفاهم مع القوى الأخرى. بالتالي، فإن ليونة جنبلاط تجاه النسبية مقرونة بالتفاهمات والتحالفات.
هذا الموقف، من شأنه أيضاً، أن يحظى برضى رئيس الجمهورية، الذي سيستطيع تحقيق إقرار قانون جديد، وتحرير النواب المسيحيين في كل الدوائر المختلطة. وهذا ما تستشهد عليه المصادر بالقول إنه في النسبية يصبح الصوت المسيحي هو المرجح للنواب المسيحيين في الشمال والبقاع وبيروت، لا أن يبقى المسيحيون ينتظرون ما سيقرره الصوت السني أو الشيعي. وفي الوقت نفسه لا يلغي القوى المسيحية الأخرى كالنائب سليمان فرنجية.
وتعتبر المصادر أن هذه الصيغة تتقدم، وهي تنتظر إجابة أخيرة من الحريري عليها، معتبرة أنه إذا جاء الرد بالايجاب فيمكن حينها من الآن إلى فترة قريبة إقرار القانون الجديد، وحينها يتم تعديل المهل لاجراء الانتخابات في موعدها، أو حتى تأجيلها إلى شهر أيلول المقبل لانجاز بعض التحضيرات اللوجستية.