رغم الظاهر الإيراني الذي يوحي بوجود مؤسسات دولة وحكومة ورئيس جمهورية وبرلمان ينتخبه الشعب، إلا أن الباطن الإيراني يختلف تماما، إذ أن المرشد الأعلى هو من يمسك بجمع مفاصل السلطة عبر حاشيته المخلصة المتخرجة أساسا من وزارة الداخلية والحرس الثوري، اللذين سيطر عليهما عندما كان رئيسا للبلاد.
 

بعد وفاة الخميني في يونيو 1989 اختار مجلس الخبراء رئيس الجمهورية الإسلامية علي خامنئي خليفة له. واعتبره بعض كبار رجال الدين غير مؤهل لمنصب الزعيم الأعلى. ولم يكن قد وصل إلى المرتبة التي يقتضيها الدستور ليكون المرشد الأعلى. لكنّ داعميه الأساسيين أيدوا تعديلا دستوريا تولى بموجبه خامنئي السلطة في يوليو 1989.

لم يكن خامنئي يتمتع بكاريزما الخميني وقوة حضوره وإجماع الناس عليه، لذلك كان عليه أن يبحث عن طرق أخرى لدعم حكمه، فكان أن أحاط نفسه بحاشية قوية ونافذة في كل مؤسسات البلاد. واستطاع بواسطتها السيطرة على البلاد ومراقبة كل ما يدور من حوله والتنصّت على كل ما يقال عنه وعن النظام من الموالين والمعارضة وعموم الشعب الإيراني.

استخدم علي خامنئي سلطته لبسط نفوذه وتعزيز قوته من خلال تعيينه العديد من عناصره السابقين في مناصب سياسية رفيعة واستخدام القوة ضد المعارضين. واختار أعضاء مكتبه بدقّة، وهم من أعضاء حزب جمهوري إسلامي ومنتسبي الجيش ووزارتي الدفاع والداخلية، والأخيرة أسّسها خامنئي بنفسه حين كان رئيسا للجمهورية.

وكانت وزارة الداخلية الإيرانية من كشفت ملف مهدي هاشمي، وهو شقيق صهر حسين منتظري، نائب الخميني والذي كان يفترض أن يتولّى منصب ولي الفقيه بعد الخميني، إلا أن عملية فضح مهدي هاشمي في الصفقة المعروفة بإيران “إيران غيت”، أدّت إلى عزل منتظري وإقصائه ووضعه تحت الإقامة الجبرية وتمهيد الطريق أمام صعود خامنئي ووصوله إلى سدّة المرشد الأعلى.

ولمكتب خامنئي تركيبته الخاصة. ويعتمد في أدائه على الأعضاء وعلاقاتهم بشكل عام، وليس على الصفات التي يتمتع بها الأعضاء في الظاهر.

ويعد هؤلاء الأعضاء من كبار الساسة ورجال الأعمال والمال والاستثمار في إيران، وغالبا ما يتجنّبون الظهور والحوارات واتخاذ المواقف المعلنة.

وكثيرا ما يعتمد خامنئي على علي أكبر ولايتي، المتخرّج من جامعة جون هوبكينز الأميركية لطب الأطفال، وتولى عدة مناصب أهمها خطة وزير للخارجية منذ عهد رئاسة خامنئي ومن ثمّة عهد أكبر هاشمي رفسنجاني. وعيّنه خامنئي مستشارا له للشؤون الدولية وسكرتيرا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام.

وكان لولايتي دور كبير في الحوار الإيراني الأميركي والتفاهم والتنسيق حول الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001 ثم احتلال العراق عام 2003، والاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1”.

الديمقراطية في إيران تصمم لتعزيز شرعية النظام فهيئات التدقيق تسيطر عليها بالكامل عناصر الحكم
وأوكل خامنئي رئاسة مكتبه إلى محمد محمدي غولبايغاني، وهو أحد الذين انتقلوا من الداخلية إلى مكتب المرشد. وكافأ المرشد الأعلى المتورطين بسلسلة من الإعدامات الجماعية التي نفذها في السجون، خلال رئاسته للبلاد وسيطرته على وزارة الداخلية، فنقلهم من الوزارة إلى مكتبه لضمان حصانتهم.

ووجود شخص مثل غولبايغاني في مكتب خامنئي، يعد السبب في عدم تسرب المعلومات حول النظام وطريقة عمل المكتب إلى الخارج.

ويشرف على الأمن السياسي في مكتب خامنئي أصغر مير حجازي، المتحدر من حزب جمهوري إسلامي ووزارة الداخلية. ويعد حجازي من أفضل المروجين لسياسات خامنئي. إذ ينسخ كل ما يقوله الأخير من آراء وأفكار، ويطبعها ضمن منشورات توزع على اللجان الطلابية. ويعد حجازي همزة وصل بين خامنئي والبرلمان ورئيس الجمهورية والوزراء.

وبرز دور وحيد حقانيان، المنحدر من حزب جمهوري إسلامي أيضا، إثر انزواء أصغر مير حجازي، ورغم أنه لم يتم الكشف عن صفته الرسمية في مكتب خامنئي، إلا أنه يعتبر المستشار التنفيذي لدى المرشد الأعلى. ويتولى مهمة همزة الوصل بين خامنئي والأجهزة الأمنية والعسكرية. ويحضر في اجتماعات مؤسسات الحكومة بصفته مندوب خامنئي.

وكان حقانيان قد أشرف على عملية وضع مهدي كروبي تحت الإقامة الجبرية بعد فوزه ومير حسين موسوي في انتخابات عام 2009.

ويشكل قادة الحرس الثوري ذراع المرشد الأعلى، الذي سبق وتولى رئاسته. ويعتبر رئيس المكتب العسكري محمّد الحسيني الشيرازي اليد اليمنى لخامنئي ويتولّى مهام قمع الاحتجاجات والمظاهرات وكبح المعارضين. أمّا حسن جبّاري فمهمته حماية خامنئي نفسه. وكان السائق الخاص لخامنئي خلال فترة رئاسته الثانية.

ومن المنحدرين من حزب جمهوري إسلامي والملتحقين بمكتب خامنئي، نجد حسين محمّدي الذي استقطبه المرشد الأعلى للهيمنة على الفضاء الثقافي، حيث يشكّل همزة الوصل بين مكتب المرشد الأعلى ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مسؤوليته عن كافة النشرات الإخبارية والشؤون الثقافية وترتيب اللقاءات بين خامنئي والشخصيات الثقافيّة والكتاب والإعلاميين.

ويشرف محسن قمي على السياسات الخارجية الإيرانية التي تدار من مكتب خامنئي وليس من وزارة الخارجية، إذ يتدخل قمي في تعيين وزراء الخارجية ويقود لجنة العلاقات الخارجية وكذلك هيئة العلاقات الدولية.

وتطول قائمة حاشية خامنئي التي يبدو أنها بمثابة الميليشيا، نظرا لدقة تنظيمها وتدريبها ومدى انتشارها وتعدّد مهامها، حيث لا يقتصر عملها على حمل السلاح، بل يشمل الأمن والاقتصاد والسياسية الداخلية والخارجية والثقافة والمجتمع.

وسيلعب هؤلاء المتنفذين دورا رئيسيا في اختيار خليفة المرشد الأعلى الذي ينص الدستور الإيراني على أنه يتساوى مع سائر المواطنين أمام القانون، لكن ولايته مطلقة ولا تخضع للسؤال، في نظام لخصه تقرير صدر مؤخرا عن مجلة “فورين إفيرز” الأميركية، بأن الديمقراطية في إيران صممت لتعزيز شرعية النظام، فهيئات التدقيق تسيطر عليها بالكامل عناصر الحكم.

عباس الكعبي