لا يستطيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قول الكلام الذي قاله عن أن سلاح “حزب اللّه” “لا يتناقض مع مشروع الدولة” مبررا وجود هذا السلاح بوجود احتلال إسرائيلي. هذا عائد أساسا إلى أن الأحداث تجاوزت سلاح “حزب الله”. لم يعد مطروحا الكلام العام عن دور هذا السلاح في التصدي لإسرائيل، اللهمّ إلا إذا كان مطلوبا افتعال حرب جديدة تعود بالويلات على لبنان كما حصل تماما صيف العام 2006.
أثار الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية ردود فعل ذهبت إلى حد وصفه بأنّه يوفّر غطاء لسلاح غير شرعي ويشكك بقدرات الجيش اللبناني في وقت تبذل جهود لإعادة الحياة إلى الهبة السعودية للمؤسسة العسكرية اللبنانية.
يحتاج هذا التوصيف الدقيق إلى توضيح. فحوى التوضيح أن الربط بين سلاح “حزب الله” وإسرائيل هو ربط في غير محلّه. إنّه ربط لا يقدّم ولا يؤخّر إذا أخذنا في الاعتبار الوظيفة الدائمة لـ“حزب الله” بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، وهي وظيفة تخدم دولة معيّنة اسمها “الجمهورية الإسلامية في إيران” تمتلك مشروعا خاصا بها قائما على الاستثمار في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية.
أكثر من ذلك، إن هذا الربط يظلّ خارج الموضوع المطروح بحدّة في لبنان والمنطقة، أي موضوع الدور الإيراني وخطورته. هذا عائد إلى أسباب عدّة. في مقدّمة هذه الأسباب أن إسرائيل، من وجهة نظر الأمم المتحدة، لا تحتلّ أرضا لبنانية. كانت الأمم المتحدة حاسمة وحازمة عندما أعلنت في العام 2000، أن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان هو تنفيذ للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978. أما بالنسبة إلى مزارع شبعا التي لا تزال محتلة، وهي أرض لبنانية، فينطبق عليها القرار 242 الذي ينطبق أيضا على هضبة الجولان السورية المحتلّة في العام 1967.
ليس سرّا أن سوريا احتلت مزارع شبعا في العام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، وذلك بحجة أن على الجيش السوري شغل مواقع في شبعا تساعده في المواجهة في حال حصول عدوان إسرائيلي. هذا ما تؤكّده مذكرات الرئيس سامي الصلح، الذي كان يشغل في 1956 موقع رئيس الوزراء في عهد الرئيس كميل شمعون. لم يحصل هذا العدوان الإسرائيلي، لكنّ القوات السورية بقيت في مزارع شبعا التي احتلتها إسرائيل مع الجولان في حرب الأيّام الستة، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع في “سوريا – البعث” التي صارت لاحقا، بعد العام 1970 “سوريا ـ الأسد”.
رفض النظام في سوريا إلى اليوم توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تؤكّد أن مزارع شبعا لبنانية. لو وُجدت هذه الرسالة لكان لبنان استعاد الحجة التي تسمح له بإجبار إسرائيل على الانسحاب من تلك المنطقة التي ضمتها سوريا إليها. ولكن ما العمل عندما يكون مطلوبا خلق أعذار، ولو واهية، لتبرير بقاء سلاح “حزب الله” ذي الطابع المذهبي موجّها إلى صدور اللبنانيين بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وتنفيذ القرار 425. في الواقع، كان مطلوبا دائما سوريا وإيرانيا الربط بين الجولان ومزارع شبعا كي تبقى التجارة بهما من النوع الرائج، حتّى لو كان ذلك على حساب اللبنانيين والسوريين.
تكمن أهميّة سلاح “حزب الله” في أنّه قادر على التماهي باستمرار مع المشروع الإيراني. لم يكن هذا السلاح في يوم من الأيّام، على الرغم من وجود وجهة نظر مخالفة لدى كثيرين، في مواجهة مع إسرائيل. استخدم هذا السلاح في القضاء على أحزاب لبنانية مرتبطة باليسار تمارس المقاومة لإسرائيل. أُسكتت هذه الأحزاب باكرا قبل أن يأتي دور حركة “أمل” التي فضلت في نهاية المطاف، بعد مواجهات عنيفة سقط فيها آلاف القتلى، إيجاد صيغة تعايش مع الحزب تحت شعار ما يسمّى “الثنائية الشيعية”.
في مرحلة معيّنة، قبل الانسحاب الإسرائيلي، كان سلاح “حزب الله” الذي ورث السلاح الفلسطيني وسيلة لتحوّل الطائفة الشيعية في لبنان رهينة لدى إيران. بعد الانسحاب، صارت هناك استخدامات أخرى للسلاح في لبنان وخارج لبنان. الهدف، بكل بساطة، تحويل لبنان مستعمرة إيرانية وقاعدة تعمل منها إيران ضد دول عربية عدة، خصوصا في الخليج.
من يعرف ولو القليل عن اليمن والتطورات فيه، يدرك إلى أيّ حد هناك تورّط لـ”حزب الله” في دعم الحوثيين (أنصار الله) منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة. لا حاجة إلى الدخول في التفاصيل اليمنية، بما في ذلك تدريب الحوثيين على شنّ عمليات عسكرية، وهو تدريب حصل في اليمن وخارجه. ولا حاجة إلى الإشارة إلى العلاقة بين “حزب الله” وما يدور في البحرين أو السعودية، وحتّى الأردن في مرحلة ما. هذه العلاقة حالت دون حضور الملك عبدالله الثاني القمّة العربية التي انعقدت في بيروت في آذار ـ مارس من العام 2002. تجاوز دور “حزب الله” الحدود اللبنانية منذ زمن بعيد. إنّه شريك في الحرب على الشعب السوري. لعب سلاحه دورا مهمّا في تهجير سوريين من أرضهم، وذلك في وقت هناك تنسيق تام في شأن سوريا بين روسيا وإسرائيل!
في الإمكان الاسترسال في الكلام عن أدوار لـ“حزب اللّه” في غير مكان، بما في ذلك السودان، كما يمكن العودة إلى دوره في مصر في عهد الرئيس حسني مبارك وتهريب السلاح إلى غزّة ومحاولة تهريب السلاح إلى الضفّة الغربية لمصلحة “حماس” وأطراف معادية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
على هامش ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل دور “حزب الله” في العراق، من زاوية ميليشياوية ومذهبية، وحجم العداء لكلّ ما يربط بين العرب ولبنان، خصوصا أهل الخليج الذين قرّر الحزب جعلهم يزيلون لبنان من خارطة البلدان التي يزورونها. لكنّ ما هناك حاجة إلى التذكير به دائما هو أنّ سلاح “حزب الله” استخدم في لبنان في مناسبات عدّة، وذلك على الصعيد الداخلي. من حماية المتّهمين باغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وصولا إلى منع مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية طوال سنتين ونصف سنة، مرورا بغزوة بيروت والجبل في أيّار ـ مايو 2008.
هناك آلاف الأمثلة على الأدوار التي لعبها سلاح “حزب الله” لمصلحة نشر ثقافة الموت في لبنان. كذلك يظل مفهوما ومفيدا التذكير بأنّ سلاح “حزب الله” خرق للقرارين 1559 و1701 الصادرين عن مجلس الأمن. وافق “حزب الله” على كلّ حرف في القرار 1701 الذي أوقف “الأعمال العدائية” في صيف العام 2006 نتيجة حرب افتعلها “حزب الله” مع إسرائيل ولم يعد قادرا على الذهاب إلى النهاية، بل حوّلها إلى انتصار على لبنان. لا يزال لبنان يدفع إلى اليوم فواتير تلك الحرب، بما في ذلك فواتير الدور الذي يلعبه السلاح غير الشرعي داخل أراضيه وخارجها، والذي يهدّد كلّ مؤسسة من مؤسساته الوطنية، بما فيها الجيش وقوى الأمن.