منذ شهادة الرئيس رفيق الحريري والوطن في أمسّ الحاجة الى حياته بعد أن قهره الموت المخطط لاغتيال دولة وتفتيت مجتمع كان من الممكن له أن يكون واحداً لولا فتاوى التكفير التي يفبركها الفقيه الديني لصالح السلطان السياسي والتي تُغذي أحقاد الجاهلين لفعل المستحيل من قتل على الأسماء والألوان والهويات الطائفية والمذهبية.
بلغ الشهيد رفيق الحريري رتبة السمو في حياته وفي مماته ففي الأولى أعاد للبنان دوراً مفقوداً نتيجة للحرب الأهلية وجعل ثقة العرب والغرب تتعزز بلبنان واللبنانيين وحسّن من مساوىء الإقتصاد رغم الكثير من ملاحظات أهل الاقتصاد على الديون التي راكمها الرئيس الحريري على رؤوس البلاد والعباد وبقي طيلة حضوره في المشهد السياسي ضمانة لبقاء مشروع الدولة قيد التنفيذ رغم صعوبات كثيرة وكبيرة ومن الصعب زعزعة أحجارها من درب بناء الدولة بعد أن بُنيت الدويلات.
الحديث عن الحريري في حياته لا ينتهي وهو ذو حدين لأن دوره ممتليء بالإشكالية وهو ليس سلبيًا بقدر ما هو حيوي يعكس نشاط مسؤول لم يهدأ ولم ينم في غرفة نوم القصر السياسي أو الرسمي ويكتفي بالتوقيع على المراسيم وحضور الجلسات للتسلية والتفرغ للجدل المحلي حول منافع جهات الطبقة السياسية في حصصها الوزراية والنيابية والثروات الأخرى.
في الثانية أيّ في مماته ولحظة إغتياله وشهادته بدأت مرحلة جديدة خسر فيها لبنان ما ربحه في حياة الشهيد وعادت اليه من جديد رياح الحرب الأهلية بمضمونها الأول وببعد آخر تجلى بإنقسام حاد بين مجموعتين مواليتين لمشروعين متناقضين حتى في التفاصيل السياسية الصغيرة.
إقرأ أيضًا: قانون مونيكا
لم تكن ولادة 8 و14 آذار مجرد تعبير عن حدث تاريخي بقدر ما هو توصيف سياسي لواقع لبناني مُزري أغرق البلد في وحول طائفية ومذهبية وإقتصادية وأسقط كل ما بناه الرئيس الحريري في لحظة غير طائشة بقدر ما هي محسوبة جداً لارتباط اللبنانيين بمشاريع غير لبنانية بالمعنى الوطني.
ولدت في موت الرئيس الحريري ظاهرة جديدة في لبنان وهي ظاهرة الجرأة الشعبية بحيث خرج لبنانيون من كل الطوائف لإدانة الفعل والفاعل غير آبهين بالسلاحين وبقيّ السوريون خائفون من ردّات غضب الحريريين الذين غطوا مساحة الوطن بحمل جثمان الحزن طيلة سنيين تمكنوا من خلالها من إسقاط حكومة " الوصاية " ومن المشاركة الفعلية بإخراج آخر جندي سوري من لبنان وكان ذلك بمثابة حلم لا مجال لتحقيقه وبعد ذلك دخل مشروع شهادة الشهيد رفيق الحريري قوة السيطرة على السياسة اللبنانية فشكل حكومة و لأوّل مرة حكومة غير سورية.
بدأت هذه السيطرة تفقد نفسها شيئًا فشيئًا من خلال سياسات مراهقة لأشخاص هم في الشكل دهاقنة ولكن في المضمون اتضح حجم تفكيرهم السياسي الذي جعلهم ذيولاً في السياسة بعد أن كانوا من أوائل أسنانها ويمكن تأريخ لحظة إنطفاء أدوار الحريرية الصاعدة من اليوم الذي أعلن فيه عن قيام الحلف الرباعي لخوض انتخابات نيابية تجمع الأعداء ضدّ الأصدقاء.
لقد توالت إنحدارات التيار الحريري بكل رموزه وسُرعان ما انفكت التحالفات التي نبتت على أشلاء الرئيس رفيق الحريري فغادر الزعيم وليد جنبلاط مسرعاً الى طائفته ليحتمي ويحمي الجبل من مغبة الاستمرار في ولاءات غير مفيدة وفي سياسات تلامذة كان واحداً منهم عندما لم يحسنوا استغلال فرص ثمينة لن تتكرربالنسبة لهم لمرة ثانية.
إقرأ أيضًا: مرارة بري مرارة شعب
رسمياً نعت جماعة 14 آذار نفسها بعد أن تراجعت عن كل الشعارات الي رفعتها ولم تحقق منها شيئًا على الإطلاق وانفكت عُرى تحالف الأقوياء فبعد جنبلاط ذهب الدكتور سمير جعجع بعيداً بحيث وضع ما تبقى من بيض القوّات في سلّة التيّار الوطني وحايد عن جادة الطرق حزب الكتائب ودخل تيار المستقبل بتسوية هي سلاحه المتبقي والذي يجيد إستعماله مع خصمائه ورضخ لثوابت جماعة 8 آذار كيّ يدخل السراي الحكومي شريكًا في المحاصصة لا في السياسة.
من هنا نسأل : ماذا تبقى بعد من شهادة الشهيد رفيق الحريري؟