لو أن موقف الرئيس ميشال عون من سلاح "حزب الله" ومن الوضع في سوريا أُعلن في غير هذا الوقت لكانت له ردود فعل أثرت سلباً على التضامن الحكومي وربما على بعض التحالفات السياسية أو الانتخابية، لكنه جاء في وقت عموم لبنان واللبنانيين في مكان آخر، والخوف من أن يطلع شبح أزمة انتخابات نيابية تعيد إدخال لبنان في الفراغ القاتل.
لكن يبقى أن موقف الرئيس عون هذا يناقض ما جاء في خطاب قسمه وفي خطاب عيد الاستقلال، وما جاء خصوصاً في ورقة "اعلان النيات" بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، كما يناقض قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره الى أن يكون في لبنان دولة واحدة وجيش واحد وسلاح واحد. كل هذا يتعارض مع قول الرئيس عون في حديثه الى محطة فضائية مصرية: "ما دامت هناك أرض تحتلها اسرائيل، وما دام الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود سلاح حزب الله لأنه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، وان حزب الله هو من سكان الجنوب وأهل الأرض الذين يدافعون عن أنفسهم عندما تهددهم اسرائيل أو تحاول اجتياحهم، وان حزب الله هو جزء أساسي في الدفاع عن لبنان، وهو يعلم حدود استعمال هذا السلاح، أي عدم استعماله في الداخل".
إن قول الرئيس عون هذا معناه أن لا قيام في عهده لدولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها ولا سلاح غير سلاحها ما دامت اسرائيل تحتل أجزاء من أرضه في الجنوب، ولا استراتيجية دفاعية تضبط استخدام هذا السلاح فلا تكرر أحداث 7 أيار ولا التدخل عسكرياً في الحرب السورية من دون العودة الى مجلس الوزراء، ولا تحييد للبنان عن صراعات المحاور، ولا وقت معروفاً لانسحاب مقاتلي الحزب من سوريا لأن الحزب، كما قال الرئيس عون في حديث سابق "منخرط في صراعات المنطقة وهو جزء من أزمة اقليمية"...
لقد أمل الناس في أن تقوم في عهد الرئيس عون الدولة القوية التي لا دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها، وإذ بكلامه على سلاح "حزب الله" يبدد هذا الأمل فعسى أن يكون الى حين... فهذا السلاح كان مشكلة كل العهود ومنذ العام 2005، وكانت له الكلمة الفصل في الانتخابات الرئاسيّة وفي الانتخابات النيابية وفي تأليف الحكومات، وحتى في القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء، فيعطل صدور ما يشاء منها أو يعطل تنفيذ ما يصدر منها خلافاً لرأيه.
إن مشكلة سلاح "حزب الله" لم تعالج حتى الآن إلا بالبيانات والتصريحات، فلا صار اتفاق على استراتيجية دفاعية تضبط استخدامه والافادة منه، ولا تقيد الحزب بسياسة أي حكومة إذا رأى أنها تكبّل تحرّكه سواء في الداخل أو في الخارج.
لقد صدرت منذ العام 2005 الى اليوم سلسلة تصريحات وبيانات عن مراجع سياسية ودينية ودولية منددة بسلاح "حزب الله" المعرقل لقيام الدولة القوية. فالبطريرك الكاردينال صفير قال غير مرّة: "إمّا السلاح غير الشرعي وإمّا الدولة". وقال البطريرك الكاردينال الراعي: "إن أي سلاح غير شرعي مرفوض ووحده الجيش يحمي كرامتنا فلا تسود شريعة الغاب". ولمجلس المطارنة الموارنة بيانات في شأن هذا السلاح جاء في بعضها: "إن تفرّد جماعة بحمل السلاح أدّى إلى حرب تموز، وان القرار يجب أن يكون للدولة وحدها، وأن الاستقواء بالخارج يوصل الى الخراب". وقال الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط 2013: "إن السلاح غير الشرعي هو أمّ المشاكل وهو المعضلة الكبيرة، والعيب أن تصبح الطائفة بديلاً من الدولة". وقال الرئيس أمين الجميل في حديث له عام 2010: "إن سلاح حزب الله خطر عليه وعلينا، والدولة وحدها هي الحامية الحقيقية". وقال الدكتور سمير جعجع في التاريخ نفسه: "إن حزب الله مربوط بشبكة إقليمية تبدأ من طهران ولا تنتهي في دمشق، وان القول بأن سلاحه هو سلاح مقاومة غير صحيح لأن المقاومة تكون على أرض اندحرت فيها الدولة، وان الانتخابات النيابية التي خاضها الحزب عام 2009 تحت شعار الاستفتاء أظهرت نتائجها أن أكثر من نصف اللبنانيين هم ضد بقاء هذا السلاح". لكن ما يقابل هذه المواقف، مواقف لمسؤولين ايرانيين منهم لمستشار المرشد الايراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي عندما كان في زيارة للبنان، إذ أعلن في تصريح "أن الحزب باقٍ في سوريا". وبعده أكد رئيس مجلس شورى الدولة الايراني علي لاريجاني "ان حزب الله تيار فاعل في الشرق الأوسط أكثر من بعض الدول، وكذلك حركة حماس والجهاد الاسلامي".
هل يشهد لبنان في عهد الرئيس عون حلاً لمشكلة سلاح "حزب الله"، أم يبقى هذا السلاح مشكلة للبنان ولغير لبنان إلى أجل غير معروف؟