عشية العودة الى جنيف مرة رابعة في العشرين من الشهر الجاري، للبحث في ما سبق لبان كي – مون أن سمّاه كارثة العصر أي الأزمة السورية المتمادية، من الضروري ان نتذكّر أمرين يثيران الذهول والعجب: الأمر الاول يضع مسؤولية نصف مليون قتيل وأكثر من عشرة ملايين مهجّر في ذمة روسيا وتحديداً وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الذي تلاعب بهذه الكارثة منذ البداية، عندما أحبط: "المبادرة العربية" للحل بنقلها الى مجلس الأمن، حيث تملك موسكو سلاح الفيتو، والأمر الثاني يضع المسؤولية بالتساوي على أميركا والامم المتحدة اللتين تعامتا عن سوريا مصيدة للموت وحاضنة للإرهاب ستة أعوام.
عندما اثيرت قضية سجن صيدنايا قبل أيام كان من الضروري ان نتذكر ان عدد القتلى لم يكن قد تجاوز ١٥ ألفاً، عندما خرج الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق وممثل المجموعة العربية من أجل سوريا، يشرقط غضباً من مؤتمر جنيف الاول، لأن سيرغي لافروف أحبط الحل الأمثل الذي أصرّ عليه بن جاسم، إذ أسقط من نص عملية الانتقال السياسي الإشارة الى مستقبل الأسد بحجة ان الشعب السوري هو الذي يجب ان يقرر مصيره!
"عجزت" هيلاري كلينتون يومها [٣٠ حزيران ٢٠١٢] عن اقناع لافروف الذي يجب ان نتذكّر انه نسي ذريعة الشعب السوري، عندما كتب دستوراً جديداً لسوريا نيابة عنه وعن الأسد، وقد بات الشعب السوري هامشياً الى درجة ان ستافان دو ميستورا تجرأ على التهديد بأنه قد يسمي ممثليه الى المفاوضات ثم تراجع!
١٥ إلف ضحية في سجن صيدنايا، وعام ٢٠١٢ لم يتجاوز عدد القتلى هذا العدد، إذاً ماذا نقول الآن لسياسي شجاع وحكيم مثل حمد بن جاسم، وكان في الوسع توفير كل هذه المآسي التي ضربت السوريين، لو ان روسيا [التي ستضطر الى الانخراط في القتال لإنقاذ دمشق من السقوط كما قال لافروف في وجه الإيرانيين في استانا]، قبلت في مؤتمر جنيف الأول، بأن تكون عملية الانتقال السياسي مدخلاً فعلياً الى حل سياسي حقيقي كما أراد بن جاسم، وكما سيثبت المستقبل القريب ان لا مفر منه، إلا اذا كان المطلوب روسياً وأميركياً تقسيم سوريا منذ البداية؟
فعلاً ماذا سيقول التاريخ عن حكمة حمد بن جاسم، الذي اجتهد منذ البداية قبل ستة أعوام وهندس مع الأمير سعود الفيصل "المبادرة العربية" للحل، ليجهضها لافروف بعدما نقلها الى متاهات الأمم المتحدة وكواليس المؤامرات الدولية، التي كان تعامي أوباما الطويل أبرز عناوينها.
المسخرة اليوم ان لافروف يكتب الدستور نيابة عن السوريين، ودو ميستورا يعيّن من يفاوض عنهم، وليس من الواضح ماذا يبقى للأسد وحلفائه الإيرانيين، وخصوصاً مع وصول لاعب جديد يدعى دونالد ترامب؟